26/12/2025
تقاریر 10 قراءة
"ذا ناشونال إنترست" .. سلاح الصين الخفي أمام الولايات المتحدة

الاشراق
الاشراق | متابعة.
مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركية تنشر مقالاً يتناول ديناميات الصراع التجاري والتكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، مع التركيز على أوراق الضغط المتبادلة التي يستخدمها كل طرف وحدود فاعليتها على المدى القصير والطويل.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
لدى كلٍّ من الولايات المتحدة والصين ورقتان رابحتان مختلفتان في الحرب التجارية بينهما، في حين لا تستطيع أيٌّ منهما الاستمرار طويلاً. ففي التنافس التجاري الصيني–الأميركي اليوم، بلا مواربة، تُمسك واشنطن بالرسوم الجمركية المرتفعة التي تحدّ من وصول الصين إلى ما كان يوماً أكبرَ وأكثرَ أسواق التصدير ربحاً، فيما تتمثّل ورقتها الرابحة الثانية في قدرتها على حرمان الصين من أشباه الموصلات المتقدّمة التي تحتاجها لدعم جهودها التكنولوجية، ولا سيّما في مجال الذكاء الاصطناعي.
في المقابل، تُمسك بكين ببطاقة العناصر الأرضية النادرة، إذ تسيطر على نحو 60% من تعدين هذه العناصر عالمياً، وعلى قرابة 90% من قدرات تكريرها، ما يشكّل احتكاراً شبه كامل لمكوّنات حيوية للتقنيات الحديثة. والأكثر أهميةً وخطورةً هي الورقة الثانية للصين، المتمثّلة في سيطرتها على جزء كبير من سلسلة توريد الأدوية العالمية.
وتُدرك كلٌّ من بكين وواشنطن أنّه كلما لجأتا إلى استخدام أوراقهما على نطاقٍ أوسع، استدعى ذلك تفعيل الورقة المضادّة من الطرف الآخر، الذي سيزيد حتماً من جهوده لتحييد ميزة خصمه، غير أنّ هذه التدابير المضادّة تحتاج إلى وقت كي تُؤتي ثمارها، وتدفع بالصراع نحو أيّ مستوى من مستويات التسوية، باستثناء "السلام التجاري" غير المرجّح في الأفق، لا في المدى القريب ولا حتى على المدى الطويل.
حتى الآن، لعبت واشنطن أوراقها بنشاطٍ أكبر من بكين، إذ بدأ الرئيس دونالد ترامب هذه العملية في أواخر ولايته الأولى، حين فرض تعريفات جمركية مرتفعة على السلع الصينية الداخلة إلى البلاد. كما أنّ الرئيس جو بايدن، على الرغم من انتقاده التعريفات الجمركية خلال حملة انتخابات عام 2020، ما لبث أن احتضنها فور تولّيه المنصب، وأضاف إليها بالفعل، وبذل جهداً للحدّ من وصول الصين إلى أشباه الموصلات المتقدّمة ومعدّات تصنيعها.
وعندما عاد ترامب إلى منصبه لولايةٍ ثانية، فرض تعريفات جمركية أعلى على المنتجات الصينية، إلى جانب رسوم إضافية على رسوّ السفن الصينية. كذلك تحرّك لتشديد القيود الأصلية التي كانت إدارة بايدن قد فرضتها على مبيعات أشباه الموصلات المتقدّمة إلى الصين.
وعندما دخلت لوائح بايدن حيّز التنفيذ، طوّرت شركة "نفيديا"، المصنّعة للرقائق المتقدّمة، حلاً بديلاً باستخدام شرائح "H100" الخاصة بها. وعلى الرغم من أنّ هذه الشرائح أقوى مما تستطيع الصين إنتاجه، فإنها أفلتت من الحظر لكونها أضعف بكثير من الشريحة الأكثر تطوّراً "H200". وعندما أغلقت إدارة بايدن هذه الثغرة، لجأت "نفيديا" إلى شريحة "H20" المصمَّمة على نحوٍ مشابه، إلى أن وسّع ترامب نطاق الحظر ليشمل هذه الشرائح المعدّلة أيضاً.
وليس من قبيل المصادفة، في ذلك التوقيت، أن لجأت بكين إلى استخدام ورقة المعادن الأرضية النادرة، مهدّدةً بقطع الإمدادات العالمية، فقد كانت قد استعدّت بالفعل لهذا الاحتمال في أواخر العام الماضي وبداية العام الجاري عبر فرض قواعد ترخيص صارمة على أي صادرات من تلك المعادن. وحتى قبل أن تُفعّل بكين هذه القيود رسمياً، عمدت شركات التعدين والمصافي، تفادياً للاصطدام مع الحكومة، إلى تقليص الصادرات، ما استرعى انتباه الغرب سريعاً، بما في ذلك البيت الأبيض.
وقد بدأت المفاوضات لتأمين الإمدادات سريعاً؛ ففي تشرين الثاني/أكتوبر الماضي، وعلى هامش قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في كوريا الجنوبية، اجتمع الرئيس ترامب بالرئيس الصيني شي جين بينغ وجهاً لوجه، ما أسفر، رداً على وعد الرئيس شي بعدم تقييد صادرات العناصر الأرضية النادرة، عن خفض الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية الداخلة إلى البلاد بنسبة 10%.
وعندما عاد ترامب إلى الولايات المتحدة، خفّف القيود على جميع صادرات أشباه الموصلات إلى الصين. قد يكون هذا القرار الأخير ناتجاً من ضغوط شركات تصنيع الرقائق الأميركية، أو بادرة حسن نية تجاه الصين، أو مزيجاً من الأمرين، إلا أنّ النتيجة كانت واحدة: كل ورقة رابحة كانت تتفوّق على الأخرى.
وقد دفعت هذه القوى المضادّة، وما رافقها من تهديدٍ ضمني باستعادة كل طرف قوّته، الجانبين إلى اتخاذ خطوات لتحييد ميزة الطرف الآخر، فالولايات المتحدة والغرب عموماً يسعون إلى كسر احتكار الصين شبه الكامل للعناصر الأرضية النادرة، في حين اتخذت الصين خطوات لتقويض الهيمنة الأميركية على أشباه الموصلات المتقدّمة، فيما بدا أنّ كلا المسارين يحمل مؤشرات واعدة.
والعناصر الأرضية النادرة ليست نادرة بالقدر الذي يوحي به اسمها؛ ففي الواقع، توجد رواسب هذه المعادن في أنحاء كثيرة من العالم، غير أنّ الصين سيطرت على السوق، إن جاز التعبير، لا بفضل تفوّقها الجيولوجي، بل نتيجة تسامحها الجزئي مع الطابع الشديد التلوّث لعمليات تعدين هذه المعادن وتكريرها. ومع ذلك، فقد دفعت تهديدات بكين الأخيرة إلى تراجع كثير من التحفّظات البيئية في الغرب، إذ شرعت واشنطن في البحث عن بدائل محلية.
وفي هذا السياق، قد تموّل الحكومة تحالفاً بموارد خاصة لاستثمار ما يقارب ملياري دولار في التعدين والتكرير المحليين داخل الولايات المتحدة. كما وقّع البنتاغون عقداً مع شركة كندية كبرى لمعالجة المعادن النادرة وبناء مصنع في ولاية لويزيانا. وأسهمت هذه التدفقات النقدية أيضاً في ارتفاع أسعار أسهم شركات المعادن، ما وفّر تمويلاً إضافياً للجهود القائمة وجذَب مزيداً من الاستثمارات الخاصة.
على سبيل المثال، استثمرت شركة "جي بي مورغان" نحو 75 مليون دولار في شركة تعدين في ولاية أيداهو تُدعى "بيربيتوا ريسورسز"، ووقّع الرئيس ترامب مذكرات تفاهم مع كلٍّ من ماليزيا وتايلاند لتطوير عمليات التعدين والتكرير، وأبرم اتفاقاً مع رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي لتعزيز مشاريع المعادن الأرضية النادرة في أستراليا. وقبل نحو شهرين فقط، اتفق وزراء الطاقة في دول مجموعة السبع على العمل المشترك لإيجاد بدائل غير صينية.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.