04/11/2025
ثقافة و فن 21 قراءة
الإبادة الجماعية: مشروع مجتمع لا زعماء!

الاشراق
الاشراق | متابعة.
حين يتكلّم المفكّر والباحث النقدي الشجاع المُحْتَكِم إلى الوقائع والتاريخ الحقيقي ويسرد الحقائق كما هي، فهو لا يكشف جرائم القتلة فقط وظلامة المقتولين فحسب، بل هو يفضح هُزال المثقّف المتظاهر بالمعارضة، والمثقّف المداهن وبيّاع المواقف والباحث عن الشهرة والمال والوجاهة، والمثقّف المختبئ خلف نقد «تطرّف» الضحية لأنه يرفس ذبّاحه بقوة! لتكن هذه الكلمات مقدّمة تمهيدية نناقش بعدها محلّلين فكرتين نقديتين رئيستيْن:
الأولى، للباحث الأميركي، صديق الشعب الفلسطيني، نورمان فنكلستين.
والثانية، للكاتب المناهض للصهيونية والمفتخر بفلسطينيته ميكو بيليد ابن الجنرال الإسرائيلي ماتيتياهو بيليد.
مشروع مجتمع استيطاني وليس زعماء متطرّفين فقط
طرح فنكلستين فكرته في مقابلة تلفزيونية حديثة التاريخ (برنامج «هامش جاد») في تشرين الأول 2025. وخلاصة فكرته هي أن الإبادة الجماعية في فلسطين مشروع قومي للمجتمع الإسرائيلي ككل، وليس انحرافاً يمينياً متطرّفاً فقط.
فكرة فنكلستين تكرّرت على ألسنة وأقلام كُتّاب إسرائيليين منشقّين أو مناهضين للصهيونية، فالكاتب الصحافي جدعون ليفي أطلق قبل أيام قليلة صرخة تقول: «أخيراً، أصبحنا جميعاً إيتمار بن غفير. القومية، والفاشية، والعسكرة، لا تختلف إلا في أدقّ التفاصيل. نتنياهو وبنِت، بن غفير ولابيد، جميعهم صهاينة، مثل الغالبية الساحقة من الإسرائيليين. الفاشية هي النتيجة الحتمية لذلك، لم يعد ممكناً أن تكون صهيونياً دون أن تكون فاشياً» («الحوار المتمدّن» 30/10/2025).
في ردّه على السيناتور الليبرالي الأميركي بيرني ساندرز، يقول فنكلستين: «يتصور السيناتور ساندرز أن المشكلة في الشرق الأوسط هي في وجود نتنياهو! لا، ليست المشكلة في نتنياهو. هذا ليس صحيحاً». ثم يخلص إلى القول إن الإبادة الجماعية في غزة ليست مشروع دولة فقط. إنها مشروع وطني/قومي (National project)، حسب الترجمة التي يأخذ بها القارئ لكلمة «National». ويوضح فكرته أكثر فينفي أن تكون الإبادة الجماعية نتاجاً لفكر وجهود قادة صهاينة متطرفين من أمثال بن غفير وسيموترش ونتنياهو، بل هي مشروع وطني/ قومي، أي إنه «مشروع كل المجتمع اليهودي الإسرائيلي» ويقدّم العديد من الأدلّة على ذلك.
أدلّة ملموسة بالأرقام والوقائع
يدلّل فنكلستين على صواب فكرته بحشد العديد من الوقائع الموثَّقة بالأرقام والتواريخ. فيذكر أنَّ استطلاعاً نشرته الصحافة الإسرائيلية قال، إنَّ 47% من الإسرائيليين أجابوا بنعم على سؤال يقول: «حين يدخل الجيش الإسرائيلي إلى غزة فهل يجب أن يقتل كل شخص في المدينة»؟
ويستشهد بنتائج استطلاع آخر سُئل فيه الجمهور: «هل يوجد أبرياء في غزة، أم أن الجميع إرهابيون؟»، فكانت نتيجة الاستطلاع هي أن 62% من الإسرائيليين قالوا: «لا يوجد أبرياء في غزة»! ويستدرك فنكلستين قائلاً: «إذا استبعدنا السكان غير اليهود في إسرائيل من الإحصائية، والذين يشكّلون نسبة 20% تقريباً، ستكون نسبة اليهود الإسرائيليين الذين يرفضون وجود أبرياء في غزة 70% تقريباً! وقبل أيام قال زعيم المعارضة الإسرائيلية لابيد، إن «الجنود الإسرائيليين يقتلون الأطفال الفلسطينيين كهواية في غزة»!
ثم يدلي فنكلستين بشهادة شخصية فيقول: «أنا أعرف بعض الأطباء المقيمين في الولايات المتحدة وذهبوا إلى غزة وأصدروا تقريراً طبياً قال إنَّ الجنود الإسرائيليين يستهدفون رؤوس وصدور الأطفال. وكانت لديهم أدلة موثَّقة وصور الأشعة، حتى إن صحيفة نيويورك تايمز شعرت بأنها مُلزمة بنشر مقالة رأي بقلم أحدهم. أنا لا أستطيع استيعاب الأمر، ويذهلني أن تلك الدولة وذلك المجتمع قد انحدرا إلى درجة أن زعيم المعارضة قال إن جنودهم يقتلون الأطفال كهواية! حدث هذا ليس بعد 7 أكتوبر (طوفان الأقصى) بل يمكن أن تقرأ تقرير الأمم المتحدة عما يسميه الفلسطينيون "العودة الكبرى" (تظاهرات سلمية على حدود غزة مع الكيان بدأت في 30 آذار 2018)، وكان تقريراً ضخماً من 250 صفحة.
وذكر التقرير أنَّ إسرائيل نشرت أفضل القناصين المهرة لديها على طول السياج المحيط بغزة، أفضل القناصين! الإسرائيليون أنفسهم قالوا: كل رصاصة أصابت هدفها. هذا ما تفاخروا به! وماذا وجد تقرير الأمم المتحدة؟ وجد أن الجنود الإسرائيليين استهدفوا الأطفال. استهدفوا المسعفين الذين هرعوا لنجدتهم. واستهدفوا الصحافيين. استهدفوا المعوّقين وذوي الأطراف المبتورة. كان الضحايا على مسافة 300 متر من السياج، وبعضهم لم يكن من المتظاهرين. وكان ذلك قبل 7 أكتوبر / تشرين الأول بسنوات».
رغم الطابع الارتجالي لملاحظات فنكلستين التي اقتضتها ظروف مقابلة تلفزيونية ولكنها تظل محتفظة بتماسكها الداخلي والمنهجي وبحيويتها التعبيرية الإنسانية. سنحاول الآن أن نقرأ محلّلين مكوّنات هذه الفكرة وما قد تثيره من أفكار وتداعيات.
ماذا تقول وقائع الجغرافيا والتأريخ؟
إن نظرة واحدة إلى مدن قطاع غزة المُدمَّرة بنسب لا تقل عن 95% اليوم، بل إن هناك مدناً وأحياء مُحيت من الوجود ومئات العوائل أزيلت من السجلّ المدني، والأرقام المهولة للضحايا القتلى الذين تذهب بعض الإحصائيات إلى أنَّ عديدهم قد يفوق المئة ألف ويبلغ عديد الجرحى والمفقودين ربع مليون إنسان، نظرة واحدة إلى هذه الوقائع والأرقام تقنع حتى المعاندين بأن الأمر يتعلق فعلاً بإبادة جماعية وحشية ندر مثيلها في التاريخ البشري.
أمّا الوقائع والحقائق التي ذكرها فنكلستين فهي توضح الصورة مزيداً من التوضيح وتمنحها بعداً توثيقياً مضبوطاً. وستكون فضيحة ما يُسمى العدالة الدولية مُمثّلة في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية مدوّية حقاً إذا قفزت على كل هذه الوقائع والأرقام والشهادات وتنكّرت لدماء الضحايا فبرّأت الفاعلين.
إنَّ الدولة الصهيونية التي أقيمت بالحديد والنار والمجازر والتصفيات وعمليات التهجير للسكان الأصليين سنة 1948، تعيش مأزقها الخاص. فهي أولاً كيان عنصري استيطاني لا يمكن أن يعيش معتمداً على نفسه، بل على التمويل والحماية الغربيَّيْن والهجرة المستمرة النشيطة ليهود الخارج. كما أنها دولة لا يمكن أن تستمر إلا بالمزيد من الحروب والعدوان على جيرانها. وهؤلاء الجيران سيكونون مُرغمين واقعاً على قبول هيمنتها والتطبيع معها، وكل هذا يعني استمرار أجواء الحرب ونشاط العوامل النابذة لسكانها في داخلها.
لهذه الأسباب مجتمعة فإسرائيل وسكانها وحلفاؤها الغربيون اعتَبروا وسيعتَبرون أن أي صعود لقوة عربية مجاورة لها تهديداً مباشراً لوجودها المفروض على السكان الأصليين الفلسطينيين وعلى الشعوب العربية المجاورة بقوة حروب الإبادة الجماعية المشفوعة بالحجج الدينية التوراتية.
ولهذا السبب بالذات تحرّكت الولايات المتحدة ودول الغرب الرئيسية ودمّرت العراق عبر الاحتلال المباشر سنة 2003، وفرضت نظام حكم تفتيتي تأسّس على الطائفية السياسية ودمّرت الجيش والصناعة والزراعة والتعليم والصحة، كما تمّ تدمير سوريا وليبيا بطرق مشابهة سهَّل تنفيذها وجود أنظمة شمولية ديكتاتورية في هذه البلدان، أنظمة جعلت من عدائها للكيان الصهيوني برقعاً لاستبدادية حكمها وفسادها وتخلّفها.
في هذا الواقع المأزوم لدولة إسرائيل وسكانها، نجد المادة الأولية؛ النفسية والسياسية الاجتماعية لتفشّي العنصرية والتمييز والأحقاد المدرّعة بالحجج التوراتية من قبيل «نحن أولاد النور وهم أبناء الظلام» كما اقتبس نتنياهو من نبوءة إشعيا في ذروة حرب الإبادة ضد الفلسطينيين الغزيين.
«طوفان الأقصى» ينزع الأقنعة
جاءت عملية «طوفان الأقصى» بالكيفية العسكرية البطولية التي حدثت بها لتعيد الصهاينة، زعماء وجيشاً ومستوطنين، رغم كل النجاحات والانتصارات العسكرية التي أحرزوها على الأنظمة العربية، إلى حجمهم الحقيقي وصورتهم الفعلية كقرية كبيرة لديها طيران فتّاك وسلاح نووي ردعي وحساب مالي غربي مفتوح ليس إلا! ولهذا انجرف المجتمع الاستيطاني إلى حالة من السعار والفاشية النادرة المثال، وتعالى الزعيق العنصري مطالباً بمحق وجود «هذه الحيوانات البشرية» بعبارة وزير دفاعهم يوآف غالانت.
لقد كان خيار نتنياهو وحلفائه في الحكم يستشرف أمرين: الأول، إدراك واضح لمآل دولتهم الحتمي هو الزوال إذا لم يرتكبوا جريمة إبادة جماعية بهذا الحجم، وهذا الإدراك هو ما عبّر عنه نتنياهو شخصياً بعد إقرار وقف إطلاق النار الأخير بقوله: «لو أنني تردّدتُ وأوقفت دبابات الجيش عند خان يونس لأصبحت أيام إسرائيل معدودة فعلاً». والثاني، هو وجوب الاستمرار في الحرب، وعدم السماح للمقاومة وجمهورها باستعادة أنفاسهم واسترجاع شيئاً من قواهم ومعاملتهم بنار الخروقات المستمرة لوقف إطلاق النار مثلما يجري على جبهة الجنوب اللبناني تماماً، حتى تحقيق هذا الهدف المستحيل ألا وهو القضاء على الشعب الفلسطيني ومقاومته وكل من يتحالف معهما.
ولكنَّ النقطة التي بلغها الكيان اليوم قرّبته أكثر فأكثر، وإلى حدّ لم يسبق له مثيل تأريخياً من نهايته التي حاول الإفلات منها. فالعالم المعاصر، أو للدقة الجزء الحي والتقدّمي منه، لا يمكن أن يسمح للمشروع العنصري الفاشي بالاستمرار في نهجه أكثر مما فعل حتى الآن من دون أن يكون هذا العالم قد خان نفسه ومثله إلى الأبد. وعلى هذا الأساس ستتضخّم كرة النار والغضب والرفض للبشاعة الدموية الصهيونية عالمياً وتتوسّع الانتفاضة السلمية الأممية بمرور الوقت دافعةً عملية تآكل وتفكك أساسات الكيان الصهيوني إلى مرحلة أكثر حسماً وسرعة.
الحل في العودة إلى فلسطين التعدّدية
الفكرة الثانية التي طرحها ميكو بيليد في مقابلة له مع قناة «المشهد» قبل أيام، تتعلّق بتصوّره لحل القضية الفلسطينية حلاً جذرياً ينسجم مع التاريخ الفعلي والحقائق على الأرض. وتتلخّص فكرته بأن فلسطين الوطن التاريخي المعروف بجغرافيته وتراكمه الحضاري كانت على مر العصور بلداً متنوعاً وتعددياً من ناحية سكانية. وإنّ إقامة الكيان الصهيوني بمساعدة الغرب الاستعماري جاءت لتقطع سيرورة طويلة من هذا التعايش والتنوع الانثروبولوجي والثقافي بين مكوّنات المجتمع الفلسطيني منذ العهد الكنعاني.
يوضح بيليد فكرته بعبارات بسيطة وواضحة فهو يقدّم فلسطين التاريخية كما كانت في ماضيها البعيد قبل الميلاد، والقريب في العهد العثماني، بلداً تعدّدياً متنوّعاً «فسيفسائياً». وبقيت هكذا حتى إقامة النظام الصهيوني وتهجير أكثر من نصف الشعب الفلسطيني سنة 1948. يريد بيليد القول بأنه ومن معه حين ينادون بتحرير فلسطين كلها من البحر إلى النهر فهم لا يخترعون شيئاً جديداً وسابقة مجتمعية لم يشهدها التاريخ، بل يريدون العودة بفلسطين إلى ما كنت عليه بواقعها التاريخي الفسيفسائي.
يضيف بيليد: «كانت دائماً هناك مجموعات مختلفة تعيش معاً. تاريخ فلسطين كان تاريخاً من التسامح. وهو تاريخ من الإنجازات الثقافية العظيمة. إنه تاريخ من الازدهار. فلسطين لديها تاريخ غني جداً شمل المسلمين واليهود والمسيحيين وغيرهم من مجموعات كالفسيفساء. وفي أحد أيام مايو / أيار 1948 قرّروا تغيير اسم البلد وإنشاء دولة فصل عنصري والانخراط في ارتكاب جرائم مروّعة ضد الإنسانية مثل التطهير العرقي والإبادة الجماعية. أعتقد أن الهدف الآن يجب أن يكون إنهاء هذا الفصل المظلم من تاريخ فلسطين الطويل والسماح لفلسطين بأن تعود إلى كونها فسيفساء. ويجب وضع آليات تسمح للاجئين بالعودة إلى أراضيهم وديارهم والهدف هو إنهاء هذا الفصل المظلم حتى تتمكّن فلسطين من العودة إلى الازدهار ثقافياً كما كانت دائماً».
يمكن القول بداية، إنَّ الفكرتين، فكرة فنكلستين وفكرة بيليد، ليستا جديدتين ولا مختلفتين تماماً من حيث المضمون بل هما من حيث الجوهر والآفاق متمّمتان إحداهما للأخرى أو في الحد الأدنى تتكاملان في سياق منهجي عقلاني نقدي واحد.
فإذا كانت فكرة فنكلستين في أنَّ الإبادة الجماعية هي مشروع للمجتمع الاستيطاني الصهيوني ككل، تغلق الباب أمام التفسيرات والتحليلات السياسية التقليدية واللاتاريخية عن تسبّب اليمين المتطرف وقيادة نتنياهو بهذه الكارثة، وتمنحها بُعداً مجتمعياً حقيقياً، فإن فكرة بيليد عن حلٍّ يتأسّس على وجوب العودة إلى فلسطين التعددية بعد تفكيك النظام الصهيوني، تمنح الفكرة الأولى أفقاً تحريرياً وتحرراً عملياً واعداً. إنها فكرة حل ينهي عملياً مشاريع من قبيل «حل الدولتين» والذي انتهى فعلياً تحت أنقاض غزة ومئات المدن والقرى الفلسطينية المُدمَّرة والمُصادرة في عموم الأرض الفلسطينية.
لقد أصبحت مشاريع كهذه يراد تطبيقها بالتصالح والاتفاق مع هذا الكيان الصهيوني المفتعل والمستمر في الوجود العدواني بقوة القمع والإبادة الجماعية غير ذات معنى ومستحيلة التطبيق عملياً. إضافة إلى كونها مشاريع جائرة ولا عدالة فيها. قبلت القيادة الفلسطينية الرسمية بحل يقوم على إنشاء كيان فلسطيني على 22% فقط من فلسطين التأريخية منذ سنة 1993، واعترفت بحق هذا الكيان الصهيوني في الوجود مقابل ذلك. واليوم، وبعد مرور 32 عاماً من صفقة أوسلو، لم يتبقَّ للشعب الفلسطيني من هذه النسبة الضئيلة إلا أقل من عشرة في المئة (9.8%) من مجموع مساحة فلسطين كما حسبها الباحث الفلسطيني محمد دلبح في كتابه «ستون عاماً من الخداع» (ص 424).
إنّ فكرة الحل التي يقدّمها ميكو بيليد قد تُفهم على أنها تنطوي على نوع من المصالحة والاعتراف بوجود صهيوني ما، وهذا غير وارد تماماً، فكلامه عن عودة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين إلى فلسطين الديمقراطية التعددية المتنوعة ينفي ضمناً هذا الاحتمال التصالحي مع الكيان الصهيوني. وهو كان واضحاً في الدعوة إلى تفكيك ما سمّاه «النظام الصهيوني» وإنهاء مشروعه السياسي وإحياء فلسطين التي كانت قائمة قبل الغزوة الصهيونية.
ولكنَّ عملية ضخمة وتأريخية كهذه ينبغي أن تعالِج ما ترتّب من تداعيات ونتائج مأساوية على قيام الكيان الصهيوني. ومن هذه التداعيات كيفية التعامل مع من سيبقى من المستوطنين الصهاينة في فلسطين الذين ولدوا على أرض فلسطين ممن يُطلَق عليهم «جيل الصابرا».
وعلى العموم فمن المُرجّح أن تفكك وانكسار المشروع الصهيوني سيجبران تلقائياً معظم المستوطنين القادمين من بلدان أخرى على العودة إلى بلدانهم التي جاؤوا منها. وسيكون على القيادات الفلسطينية التفكير باجتراح طرق وأساليب جديدة للتعامل مع تداعيات انكسار وإنهاء المشروع الصهيوني، وكيفية التعامل مع المتبقّين منهم ممن لن تثبت مشاركتهم في المجازر وحرب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب بحق الشعب الفلسطيني.
إنَّ هذه الفكرة ليست جديدة تماماً فقد طرحها ودعا إلى التفكير بها القائد الفلسطيني الراحل جورج حبش قبل عدة عقود حين كتب التساؤل التالي في مذكّراته: «حين أفكر في الموضوع الفلسطيني، أشعر أن من حق الفلسطينيين استعادة الأرض الفلسطينية حتى آخر شبر فيها؛ لأنهم أصحاب الأرض.
وفي الوقت نفسه، لا يستطيع أي إنسان عاقل أن يتجاهل حقيقة وجود خمسة ملايين يهودي، يعتبرون أنفسهم في دولة اسمها "إسرائيل" وأن الدولة من حقهم. فهل نستطيع أن نفكر في حل يكفل لنا حقنا التاريخي على أرضنا؟ هناك معضلة كبيرة تواجهنا من هذا النوع، فهذه الدولة قامت على أنقاض الشعب الفلسطيني. وبعد تفكير طويل، وصلت إلى قناعة عميقة بأن الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية هي الحل الوحيد»
تدوينة للكاتب علاء اللامي.