25/07/2024
تقاریر 126 قراءة
خطاب نتنياهو في الكونغرس ورسائله الوقحة
الاشراق|متابعة
نتنياهو حاول نفي تهمة أن جيشه ما هو إلا مجموعة من مجرمي الحرب، وأن حربه ما هي إلا إبادة جماعية، وأراد أن يقدم مرافعة ضد محكمة العدل الدولية، واعتبار تلك الحرب المجرمة بإجماع دولي حرب دفاع عن النفس.
قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطاباً سياسياً أقل ما يمكن وصفه بأنه وقح، وأين؟ تحت قبة الكونغرس الأميركي؛ المكان الوحيد تقريباً في العالم الذي يمكن أن يصفق لهذه الوقاحة الإسرائيلية.
ورغم ما تمرّ به الولايات المتحدة الأميركية من انتخابات رئاسية محتدمة، وخصوصاً بعد إعلان الرئيس جو بايدن انسحابه من السباق الرئاسي، وتقدم نائبته كامالا هاريس لقيادة الحزب الديمقراطي في تلك الانتخابات، فإنَّ نتنياهو ضرب عرض الحائط بخطابه وكل المنظومة القانونية الدولية ومؤسسات المجتمع الدولي، وفي مقدمتها محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية.
تحليل مضمون خطاب نتنياهو يحمل في طياته رسائل وقحة على المستويات كافة، مستفيداً من معرفته الجيدة بالمزاج العام للحزب الديمقراطي خاصة، والشارع الأميركي عامة. أهم تلك الرسائل:
أولاً، استخدم مصطلحات الدعاية الصهيونية التاريخية، سواء دعايات النشأة الصهيونية، مثل أن "إسرائيل" امتداد للحضارة الغربية في وجه الشرق البربري، مع استخدام مصطلحات دينية تاريخية من الكتاب المقدس، مثل "المكابيين، أرض إسرائيل وحق اليهود بها، لكون الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلوا فيها، وحكمها النبيان داوود وسليمان)، لكون نتنياهو متأكداً من أن هذا وتر حساس لدى تيار كبير داخل الحزب الجمهوري، ويناغم تياراً إنجليكانياً مؤثراً في الولايات المتحدة الأميركية.
وقد وصلت وقاحة نتنياهو إلى اتهام قلاع العلم والنضج والتفكير العلمي، وهي الجامعات الأميركية، وخصوصاً جامعة هارفرد، بمعاداة السامية، رغم أن غالبية الجالسين في قاعة الكونغرس تخرجوا من تلك الجامعات.
ثانياً، كما العادة، نتنياهو المولع بالإعلام والتأثيرات البصرية المساندة لخطابه لتعميق وصول رسائله، استحضر نماذج من الإسرائيليين إلى قاعة الكونغرس، ولعب على وتر تحويلهم إلى قصة إنسانية لإجبار المستمعين على التعاطف معهم.
من جهة أخرى، نوَّع تلك النماذج من الإثيوبي إلى البدوي إلى اليهودي الأشكنازي، ليقنع المستمعين بديمقراطية "إسرائيل"، إذ تتهمه الجماهير والنخب الإسرائيلي بأنه وحكومته فاشية دينية ضد الديمقراطية حتى قبل الحرب على غزة أثناء الانقلاب القضائي.
ثالثاً: نتنياهو حاول نفي تهمة أن جيشه ما هو إلا مجموعة من مجرمي الحرب، وأن حربه ما هي إلا إبادة جماعية، وأراد أن يقدم مرافعة ضد محكمة العدل الدولية، واعتبار تلك الحرب المجرمة بإجماع دولي حرب دفاع عن النفس، بل هاجم بشكل مباشر محكمة الجنايات الدولية.
وهنا يبرز فعلياً قلق نتنياهو من إصدار أوامر اعتقال له من قبل محكمة الجنايات الدولية، محاولاً تجاهل أن "إسرائيل" ليست إلا كياناً موجوداً في قفص الاتهام الدولي بتهمة الإبادة الجماعية.
رابعاً، رسالة نتنياهو الأهم تمركزت في رؤيته لليوم التالي للحرب، الذي بات واضحاً أنه سيتأخر طويلاً، لأن اليوم الحالي بحسب رؤية نتنياهو ما زال طويلاً، فالمقاومة الفلسطينية لن تنكسر ما دام هناك احتلال على أرضها.
أما رؤيته لليوم التالي للحرب، فهي رؤية نظرية يدرك أي دارس سياسة مبتدئ أن تحقيقها غير ممكن تنفيذه على أرض الواقع، فمن دون حل القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال، لن ينتهي الصراع، وما يطرحه ما هو إلا سيطرة "إسرائيل" عسكرياً وأمنياً على قطاع غزة، وكل ما طرحه عن تحالفاتها الإقليمية لا يمكن تسويقه إقليمياً.
أما بالنسبة إلى الفلسطينيين، فإن نتنياهو يريد تشكيل فلسطيني جديد بلا هوية ولا قضية ومتعاون أيديولوجياً مع الاحتلال، وهذا لم تنجح به "إسرائيل" منذ عام 1948، ولن تنجح به، لا على مستوى الفكر ولا حتى على مستوى الممارسة السياسية.
خامساً، لعب نتنياهو على وتر إيران، وربط حماس والمقاومة الفلسطينية وجبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق بها. وقبل كل ذلك، أكد أن إيران خطر وتهديد لأميركا أولاً. ولذلك، قتال "إسرائيل" للمقاومة الفلسطينية ما هو إلا خدمة لأميركا. لذلك، قال نتنياهو: " نحن لا نحمي أنفسنا فقط، بل نحميكم أيضاً"، في تأكيد على دور "إسرائيل" الوظيفي للأميركيين في الشرق الأوسط.
في الخلاصة، ما زال نتنياهو مصمماً على مواقفه السابقة المتمسكة بأكذوبة النصر الساحق عن طريق الضغط العسكري، وخطابه في الكونغرس ما هو إلا شراء مزيد من الوقت لذبح الفلسطيني بمباركة أميركية، وهو يسعى لإستعادة شرعية مواصلة القتال، وينسى أنه وجيشه يمارسون إبادة جماعية ضد أهل غزة منذ 10 أشهر، وأن الوقت لا يمر وما زال يتكلم كأنه في الثامن من أكتوبر.