03/03/2018
تقاریر 670 قراءة
تصعيد «كيميائيّ» غربيّ تجاه دمشق وموسكو
مدنيون يغادرون بلدة أوتايا التي وصلت المعارك أطرافها الشمالية والشرقية
يتابع الجيش معاركه على محاور متقابلة في الغوطة الشرقية، فيما بقيت «الهدنة» التي أقرّها مجلس الأمن على الورق فقط، من دون أن تجد طريقاً إلى التطبيق. ويأتي ذلك وسط تصعيد أميركي ــ أوروبي جديد، ضد موسكو ودمشق، من باب ملف استخدام الأسلحة الكيميائية مجدداً
بعد أسبوع على تبنّي مجلس الأمن مشروع قرار يتضمن إعلان «هدنة شاملة» في سوريا، يبدو أن إنفاذ تلك الهدنة على محاور القتال المشتعلة، وخاصة في غوطة دمشق الشرقية، لا يزال أمراً مستبعداً، ودونه عقبات واسعة. الأسبوع الأول بعد القرار، تضمن مبادرة روسية أفضت إلى «هدنة إنسانية» مؤقتة بقيت بدورها من دون فاعلية على الأرض، إذ لم يغادر أي مدني من الغوطة عبر الممرات «الآمنة» خلال ساعات التهدئة، على مدى أربعة أيام متتالية. وهو ما ردّته موسكو إلى منع الجماعات المسلحة المدنيين من مغادرة مناطق سيطرتها نحو مناطق سيطرة القوات الحكومية.
الجهد العسكري لم يتوقف خلال الأيام السبعة الماضية، وإن تقلص عدد الغارات الجوية اليومية على مواقع داخل الغوطة، وانحصرت الأهداف أكثر لخدمة المعارك الدائرة. الهجوم الأول لقوات الجيش كان يستهدف عزل النشابية في أقصى الجنوب الشرقي لجيب الغوطة المحاصر، عبر التقدم بين حوش الصالحية وتلة النشابية. ولكن هذا الهجوم لم يحقق أهدافه كاملة، واكتفت القوات بالتثبيت في انتظار مرحلة لاحقة من العمليات. وفي اليوم الأول من «الهدنة» الروسية، وعقب ساعاتها الخمس، تحرك الجيش من محورين، شرق الغوطة وغربها، ليسيطر شرقاً على حوش الضواهرة ومحيطه، وصولاً إلى مفرق الشيفونية الشرقي، وغرباً على المناطق الملاصقة لمشفى الشرطة في حرستا. وخلال اليومين الماضيين، استكمل الجيش تحركه غرب حوش الضواهرة، مسيطراً على كتيبة الدفاع الجوي، شمال بلدة أوتايا، وعلى الفوج 274، الذي يشرف على طريق الشيفونية ــ أوتايا فالنشابية، ويعدّ أحد أهم المراكز التي كان يعتمدها «جيش الإسلام» خلال السنوات الماضية، وكان قد خرج عن سيطرة الجيش السوري منذ عام 2012 على يد «لواء الإسلام» (نواة جيش الإسلام). وعلى الجبهة الغربية، يتقدم الجيش ــ وإن بوتيرة أبطأ نظراً إلى طبيعة المنطقة ــ شمال حرستا، في ما يبدو أنه مسار أوّليّ لعزل المدينة عن جارتها دوما، من محور مقرّ نقابة مهندسي ريف دمشق (شمال شرق).
وبينما ينصبّ جهد الجيش شرقاً على عزل منطقة النشابية ومحيطها، بهدف قضم جيب واسع من المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة، بات لافتاً أن مناطق تقدم الجيش الأخيرة في محيط الفوج 274، لا تبعد أكثر من 5.3 كيلومترات عن مواقعه ضمن إدارة المركبات، النقطة الوحيدة التي بقيت لسنوات موقعاً متقدماً داخل الغوطة، وصمدت خلالها في وجه هجمات عنيفة للمسلحين. ورغم أن من المبكر الحديث عن توجه لتقسيم جيب الغوطة إلى قسمين عبر هذا المحور، فإن عوامل عدة تدعم هذا الخيار، لا سيما أن الجيش ترك مدينتي دوما وعربين، والطريق الواصل بينهما ونحو معبر مخيم الوافدين، ضمن «المناطق الآمنة» للمدنيين للتجمع والخروج من الغوطة الشرقية.
وترافقت التطورات على الأرض مع تجدد الجدل والخلافات الدولية حول الملف السوري، وخاصة التصعيد في الغوطة الشرقية. الثنائي الأوروبي، الفرنسي الألماني، الذي قاد حملة ديبلوماسية مع موسكو قبيل التوافق على مشروع «الهدنة» الكويتي ــ السويدي، الذي تم تبنّيه، وجّها أمس (الجمعة) تحركهما نحو العاصمة الأميركية واشنطن، إذ بحث كل من الرئيس ايمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في اتصالين هاتفيين منفصلين، ملابسات المعارك في الغوطة الشرقية وكواليس النقاش حول القرار الدولي، مع نظيرهما الأميركي دونالد ترامب. وأكدت المستشارة الألمانية والرئيس الأميركي أن «النظام السوري يجب أن يحاسب على التدهور المتواصل للوضع الإنساني في الغوطة الشرقية، وهذا ينطبق على استخدام نظام (الرئيس بشار) الأسد أسلحة كيميائية كما على الهجمات على المدنيين وتجميد المساعدة الإنسانية». ودعا الطرفان روسيا وإيران وسوريا إلى التطبيق «الفوري» لقرار مجلس الأمن. بدورها، أعلنت الرئاسة الفرنسية أن ماكرون ذكّر خلال الاتصال بأنه «سيكون هناك ردّ حازم في حال أثبت استخدام موثق لوسائل كيميائية أدى الى مقتل مدنيين، وذلك بالتنسيق مع حلفائنا الأميركيين».
النشاط الأوروبي جاء ملاقياً لتصعيد أميركي تجاه موسكو، في الشأن السوري؛ فقد اعتبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر نورت، أن «حديث روسيا عن ممرات إنسانية مزعومة أمر يبدو وكأنه مزحة ليس أكثر». وفي الوقت نفسه، طلبت الولايات المتحدة من مجلس الأمن الدولي تشكيل لجنة جديدة للتحقيق في استخدام أسلحة كيميائية في سوريا. واجتمع ديبلوماسيون في الأمم المتحدة، أول من أمس (الخميس)، للتباحث في مشروع قرار أميركي قدمته البعثة الأميركية، ويدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية تحت اسم «آلية التحقيق الأممية المستقلة»، تكون مدة تفويضها عاماً واحداً. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن ديبلوماسي في المنظمة الدولية قوله إن من المستبعد موافقة روسيا على مشروع القرار، أو سماحها بتمريره.
وعقب تلك التطورات، وفي تأجيل جديد على مستوى الاجتماعات الدولية الخاصة بسوريا، قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في جلسته أمس، تأجيل التصويت على مشروع قرار قدمته بريطانيا يطالب بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الذي ينص على وقف لإطلاق النار لمدة 30 يوماً في سوريا «من دون تأخير»، وذلك لإتاحة المجال أمام إدخال المساعدات وإجلاء المرضى. وطالب المشروع أيضاً بفتح تحقيق «عاجل حول الأحداث الأخيرة في الغوطة الشرقية». ورغم أن روسيا غير ممثلة حالياً في المجلس الذي يضم 47 دولة بموجب ولاية من ثلاث سنوات، فقد شاركت في النقاش بصفة مراقب ودانت النص كما فعلت الحكومة السورية. وافتتح مفوض الامم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين الجلسة بالقول إن «ما نراه في الغوطة الشرقية وأماكن أخرى في سوريا، هو على الأرجح جرائم حرب، وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية»، مجدداً مطالبته بإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وبعد اقتراح عدة تعديلات على النص البريطاني، اضطر الرئيس الدوري للمجلس، الرئيس السلوفيني فيوسلاف سوتش، إلى إرجاء التصويت إلى الإثنين المقبل. ومن جهته، رأى المندوب الروسي لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف، حسام الدين آلا، أن الهدف الحقيقي من عقد جلسة لمجلس حقوق الإنسان حول الغوطة «يهدف إلى حماية التنظيمات الإرهابية التي تدعمها وتمولها وتسلحها العديد من الدول التي طالبت بعقد هذه الجلسة». وأشار إلى أن «الهدف (لتلك الدول) ليس الوصول إلى هدنة حقيقية ولا حماية المدنيين... بل استخدام الأمم المتحدة من جديد لعرقلة تقدم الجيش السوري وحلفائه». وأكد أن الحكومة السورية منحت موافقتها على تسيير قافلة مساعدات إنسانية إلى الغوطة قبل طلب عقد الجلسة، وأن التحضيرات جارية لإدخال هذه القافلة. وكان مدير «يونيسف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خيرت كابالاري، قد أشار إلى أن 8 قوافل مساعدات سوف تنطلق إلى الغوطة الشرقية، مشيراً إلى أنه تم الحصول على التصريحات اللازمة لها.