27/02/2018
تقاریر 676 قراءة
حتى لا يسرقنا الإعلام الإسرائيلي… أزمة غزّة الإنسانية نموذجاً
صورة من الارشيف
يدور الخطاب الإعلامي الإسرائيلي تجاه أزمات غزّة حول فرضيّة، تسعى"إسرائيل" إلى إقناع الجميع بها، بمن فيهم الفلسطينيون، أن هناك علاقة طردية ما بين حال اليأس المتنامية في غزّة، بسبب التدهور في الحالة الاقتصادية، وما بين التصعيد العسكري للمقاومة الفلسطينية تجاهها.
وأنها تُحذّر المجتمع الدولي من انفجار إنساني وشيك في غزّة، وتبذل قُصارى جهدها لمنع الانفجار، وأنها على استعداد كما صرّح وزير حكومتها “تساحي هنغبي” في مؤتمر المانحين في بروكسل “أن تُسخّر كل خبراتها التكنلوجية، ومنشآت بنيتها التحتية، في سبيل حل أزمة غزّة الإنسانية، وأن تتعاون مع المجتمع الدولي ومؤسّساته في تحقيق ذلك الأمر”.
أخبار مُتتالية، تقارير تلفزيونية، مقالات تحليلية، تقديرات موقف، تصريحات سياسية، تسريبات عن قادة عسكريين، اقتراحات لمشاريع تنموية، حملة إعلامية هائِلة داخل الإعلام الإسرائيلي عنوانها “أزمة غزّة الإنسانية”.
هل تحوّلت حقاً “إسرائيل” إلى الأمّ “تريزا”؟، وتبحث عن المغفِرة على جرائمها التي مارستها ضد كل ما هو فلسطيني، هل انتصر الضمير الإنساني على جذور الفكر الصهيوني الاحتلالي العنصري الإحلالي، وممارساته على مدار قرن من الزمان؟، هل قادة اليمين القومجي الحاكِم في “إسرائيل” منذ أكثر من عقد من الزمن، باتوا غير قادرين على السكوت أمام مشهد الموت البطيء لمليونيّ فلسطيني في قطاع غزّة؟، أم أن “شيدل إيدلسون” مالِك صحيفة “إسرائيل هيوم”، وحليف نتنياهو الرئيسي، وقناة “عشرين” والقناة “السابعة” المُتحدّثة باسم التيار الاستيطاني اليميني الصهيوني تحوّلت إلى تيار الإعلام اليساري الما بعد صهيوني؟.
الحقيقة إننا لا نعيش في زمن يرعى به الذئب مع الغنَم، بل إنه الدور الوظيفي المُعتاد للإعلام الإسرائيلي في التجنّد لتسويق وإنجاح الخطط الاستراتيجية لحكومة دولة الاحتلال، وجيشها، وأجهزتها الأمنية تجاه كل ما هو فلسطيني.
تتناقض الصورة، التي يحاول الإعلام الإسرائيلي ترويجها، مع استراتيجية “الفصل والحصار والحرب” المُتبّعة من قِبَل إسرائيل ضد قطاع غزّة فعلياً منذ إعلانها كياناً مُعادياً، إذن ما الأهداف المرجوّة إسرائيلياً من وراء هذا الخطاب الإعلامي تجاه أزمات غزّة؟.
أولاً: تحاول هذه الصورة على المستوى القانوني إخلاء طرف “إسرائيل” كدولة احتلال من أية مسؤولية أخلاقية وقانونية وسياسية تجاه غزّة، وسكانها، وتحميل المسؤولية إلى أي طرف آخر، فالدعاية الصهيونية تحاول تارةً توجيه أصبع الاتهام صوب المقاومة في غزّة، وخاصة حركة حماس صاحبة السيادة عليها، تحت ذريعة أن المقاومة تطوّر من قُدراتها القتالية ضد دولة الاحتلال بدلاً من استثمار المال في مشاريع تنموية تُخفّف من أزمات غزّة الاقتصادية، وتارةً تعتبر العقوبات التي فرضها الرئيس أبو مازن على غزّة، هي المسؤولة عن تدهور الوضع الاقتصادي فيها، وتارةً أخرى تعتبر إحجام الدول العربية عن تقديم الأموال للغزّيين، بسبب تراجع القضية الفلسطينية على سُلّم أولويات العرب عنصراً أساسياً في تعقيد مشاكل القطاع، حتى أنها حمّلت قرار تقليص مساعدات الإدارة الأميركية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” المسؤولية، وبذلك تُصوِّر أزمات غزّة الإنسانية، على أنها مشكلة فلسطينية – فلسطينية، أو مشكلة عربية – فلسطينية، أو حتى مشكلة بين الفلسطينيين وترامب، وبذلك يصبح الكل مُتّهماً، ما عدا دولة الاحتلال، التي تقدّم نفسها جزءاً من حل الأزمة، مُتناسيةً أن حصارها المفروض على غزّة ومازال هو أساس الأزمة.
ثانياً: تهدف هذه الصورة إلى خدمة الأهداف العسكرية الإسرائيلية تجاه غزّة، فهي من جهة تلعب دوراً هاماً في شرعنة أيّ عدوان إسرائيلي مستقبلي ضد غزّة، وتهيأة البيئة السياسية له، حيث أن “إسرائيل” لا تستطيع تحمّل مسؤولية إفشال أو تعطيل الجزء الأهم في صفقة القرن، وهو الحلف الصهيو – عربي في الاقليم برعاية ترامب، حيث أن اعتداء “إسرائيل” على غزّة الغارِقة في أزماتها الإنسانية، سيُحرج حلفاءها العرب، ويجعلهم أكثر تردّداً في الإعلان عن هذا الحلف، ولكن عندما تُصوَّرْ “إسرائيل” على أنها الحريصة على تخفيف مُعاناة سكان غزّة، وأنها الساعية إلى إبعاد شبح الحرب، تلقائياً ستُتْهَمْ حركة حماس بإشعال الحرب، بهدف حَرْف الأنظار عن فشلها في حل أزمات غزّة، ويبدأ الحديث عن الأجندات الإيرانية التي دفعت المقاومة الفلسطينية إلى مُهاجمة “إسرائيل”، فتظهر دولة الاحتلال كأنها تُحارب نيابة عن حلفائها العرب، وخدمةً للمصالح الأميركية في المنطقة، وهذا يستوجب على حلفائها توفير الغطاء السياسي واللوجستي لإنجاح عدوانها على غزّة.
ثالثاً: يخدم هذا الخطاب الإعلامي على المستوى البعيد استراتيجية اليمين الصهيوني في التهرّب من الاستحقاقات الإسرائيلية تجاه حلّ الدولتين أمام المجتمع الدولي، حيث أن “إسرائيل” لا يمكن أن تسمح بقيام دولة فلسطينية مُستقلّة، لأنها ستكون دولة فاشِلة بالتأكيد، لأن الفلسطينيين غير مؤهّلين لإدارة كيان سياسي، وأن دولتهم ستتحوّل إلى حاضِنة للإرهاب، تُهدّد ليس “إسرائيل” وحدها، بل أمن واستقرار المنطقة بأكملها، وستُساق الدلائل والبراهين أن حماس والسلطة والفصائل الفلسطينية فشلوا في إدارة غزّة، وأن سوء إدارة خلافاتهم الداخلية، وعلاقاتهم الخارجية أّدّت إلى كارثة إنسانية من السهل أن تدفع مليونيّ إنسان “للإرهاب والتطرّف”.
للأسف الشديد، هذه الديباجات الإعلامية الإسرائيلية تحظى بمساحات واسعة ليس داخل الإعلام الدولي ذو الأجندات الصهيونية فقط، بل أيضاً داخل الإعلام العربي ذو التوجّهات التطبيعية المباشرة، وغير المباشرة مع “إسرائيل”.