02/02/2018
تقاریر 596 قراءة
ترامب غيَّر موقفه من الأزمة الخليجية ويرغب في حلها دون النظر لشروط دول العدوان
الرئيس الامريكي دونالد ترامب
مع اقتراب الأزمة الخليجية من شهرها الثامن، ترى مجلة “فوربس” الأميركية أن قطر تحرز تقدماً يرشحها للفوز بالحرب الدبلوماسية مع دول الحصار، مستشهداً بعدد من الأحداث والتطورات التي شهدتها الأزمة خلال الفترة الماضية.
يقول دومينيك دودلي، الصحفي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها قطر للالتفاف على الحصار الاقتصادي والسياسي الذي فرضه عددٌ من حلفاء البلاد السابقين في المنطقة فعَّالة، وذلك في ظل تأكيد الولايات المتحدة الآن على دعمها للدوحة، فيما تواصل دعوتها كافة الأطراف للتوصُّل إلى تسوية.
ويرى الكاتب أن تلك الجهود تؤتي أكلها، وذلك بعد عقد حوارٍ استراتيجي هذا الأسبوع في واشنطن، أكَّدت فيه شخصيات بارزة في الإدارة الأميركية على العلاقات الوثيقة بين البلدين.
تقارب غير مسبوق مع الولايات المتحدة
تفاوضت الدوحة حول مجموعة من الاتفاقات مع الولايات المتحدة منذ الصيف الماضي، تعالج بعض أوجه الانتقاد التي كثيراً ما وُجِّهَت إليها. ويتضمَّن ذلك مذكرة تفاهمٍ لمحاربة الإرهاب، وُقِّعَت في يوليو/تموز الماضي، التي تغطي مجالات تبادل المعلومات، ومكافحة تمويل الإرهاب، إلى جانب مسائل أخرى.
فقد فقال وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، في بداية الاجتماع، في 30 يناير/كانون الثاني: “قطر شريكٌ قوي وصديقٌ قديم للولايات المتحدة. إنَّنا نقدِّر العلاقات الأميركية القطرية ونأمل أن تُعمِّق المحادثات التي نجريها اليوم علاقاتنا الاستراتيجية”.
وفي سلسلة اللقاءات التي عُقِدت، في أواخر يناير/كانون الثاني هذا العام 2018، اتفقت الولايات المتحدة وقطر على اتفاقية طيران تُفصِح بموجبها الخطوط الجوية القطرية عن بياناتٍ تمويلية مُفصَّلة، وتكشف عن العقود مع المؤسسات الأخرى المملوكة للدولة في الأعوام المقبلة. ويهدف هذا لمواجهة الانتقادات من شركات الطيران الأميركية الرئيسية بشأن المساعدات غير العادلة التي تُقدِّمها الدول الخليجية لشركات الطيران الخليجية، وقد لقي ذلك ترحيباً من شركات الطيران الأميركية. إذ وصف إد باستيان، المدير التنفيذي لشركة دلتا، الاتفاق بأنَّه “خطوة أولى قوية في عمليةٍ تهدف لتحقيق الشفافية والمسائلة التجارية”.
كما وقَّعت الحكومتان الأميركية والقطرية في آخر الاجتماعات أيضاً مذكرة تفاهمٍ حول مكافحة الاتجار بالبشر، إلى جانب إعلانٍ مشترك بخصوص المصالح الأمنية المشتركة. والتزمتا كذلك بعقد الحوار الاستراتيجي بصورةٍ سنوية.
سارعت قطر كذلك بإعلان دعمها للاقتصاد الأميركي. فقال وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في واشنطن هذا الأسبوع، إنَّ بلاده تستثمر 100 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي، من بينها 10 مليارات في مجال البنية التحتية، وهو المجال الذي غالباً ما يصفه الرئيس ترامب كأولوية.
ويرى الكاتب أن هذه العلاقات الدفاعية تُعَد عنصراً مهماً أيضاً في العلاقة. إذ وصف وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، نظيره القطري، خالد بن محمد العطية، هذا الأسبوع بـ”الصديق”، وأشار إلى العلاقات العسكرية طويلة الأمد بين البلدين. ويتضمَّن ذلك قاعدة العديد الجوية، التي تُعَد المركز الإقليمي لسلاح الجو الأميركي، وتستضيف 11 ألف جندي أميركي. وعرضت قطر توسيع القاعدة ودفع تكلفة ذلك. تعزَّزت العلاقات كذلك بكمية المعدات الدفاعية الأميركية الكبيرة التي تشتريها قطر.
على الصعيد الدولي يرصد الكاتب تقدماً لقطر في ميدان آخر، فقد توصَّلت الدوحة إلى اتفاقٍ أيضاً مع منظمة العمل الدولية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أغلقت بموجبه الوكالة التابعة للأمم المتحدة شكوى ضد قطر تتعلَّق بعدم حمايتها لحقوق العمال المهاجرين.
مالت أطراف دولية فاعلة أخرى، من بينها قوى أوروبية كبرى، للاصطفاف خلف جهود الوساطة التي تبذلها الكويت لحل الخلاف. ومع أنَّ تلك الجهود لم تؤدِ حتى الآن إلى أي اختراقات، لا توجد أي رغبة تقريباً لدى الآخرين في الانحياز إلى أي طرف.
ويضيف الكاتب: “مثَّل رد فعل البلدان التي فرضت الحصار على قطر، في يونيو/حزيران 2017، تصميماً على مواصلة الأزمة مهما استغرقت. وكانت تلك البلدان حذرة من عدم انتقاد محاولات لعب الكويت أو الولايات المتحدة دور وساطة في النزاع، لكنَّها انتقدت التدخُّلات الأخرى، وقلَّلوا من شأن أي إعلانات سياسية من الدوحة أو رفضوها باعتبارها غير كافية”.
مؤخراً، وفي بيانٍ مشترك، صدر 30 يناير/كانون الثاني الماضي، وصفت الدول الأربع تقريراً أصدرته مؤخراً بعثة فنية من المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة حول قطر، بأنَّه يتضمَّن “توصيفاً مضللاً للأزمة السياسية”، مضيفاً أنَّه “يعكس أيضاً انحيازاً واضحاً” لقطر.
حروب الثقافة
ويرى الكاتب أن دول الحصار وقعت في بعض الأخطاء التي ينظر لها بأنها غير ضرورية، ففي الإمارات على سبيل المثال، اضطر متحف لوفر أبوظبي المُفتَتَح حديثاً لتغيير إحدى الصور بعدما تبيَّن أنَّ خريطة -تُظهِر مسار الرحلة التي قطعها إناءٌ قديم- قد حذفت قطر، تارِكةً منطقةً فارغة من المياه في المكان الذي يُفترَض وجود البلاد به.
واعترف المتحف في بيانٍ له أنَّ الخريطة “كان بها عدد من أوجه عدم الدقة والتحريف لساحل شبه الجزيرة العربية والحدود القومية الحديثة”، وتعهَّد بـ”اتخاذ التدابير اللازمة لتجنُّب حدوث مثل هذا الأمر مجدداً”.
وكانت هذه الحادثة محرجة للمتحف، الذي لم يُفتتَح إلا في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ويقول إنَّه يهدف أن يكون “متحفاً عالمياً” يتجاوز الثقافات أو الحضارات المنفردة.
وتصبح هذه المراكز الثقافية نفسها أشبه بميادين معارك بين البلدان الخليجية المتنافِسة، إذ تتنافس الدول كي تتفوق على جيرانها من حيث كلٍّ من المعمار الإبداعي وروعة المجموعات الموجودة داخله.
تحوُّل ترامب
أما عن موقف الرئيس الأميركي، فيرصد الكاتب تحولاً في موقفه من الأزمة الخليجية، وكانت عاملاً مهماً لقطر في حشد تأييد دولي لصالحها.
فقد بدا ترامب في البداية داعماً للجهود ضد قطر، التي جاءت سريعاً بعد زيارته للعاصمة السعودية، الرياض، في أول رحلةٍ خارجيةٍ له كرئيسٍ للولايات المتحدة. وقال في تغريدةٍ، بداية يونيو/حزيران 2017: “أثناء زيارتي الأخيرة للشرق الأوسط، قلتُ إنَّه لا يمكن أن يستمر تمويل الفكر المتطرف. وأشار الزعماء إلى قطر”.
لكنَّه أشاد مؤخراً بقطر لدورها في التعامل مع الإرهاب، بما في ذلك أثناء اتصالٍ هاتفي مع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في وقتٍ سابقٍ من شهر يناير/كانون الثاني. وفي استعراضٍ للمحادثة التي جرت بينهما، قال البيت الأبيض إنَّ ترامب “شكر الأمير لدور قطر في مكافحة الإرهاب والتطرُّف بكافة أشكاله، بما في ذلك كون قطر إحدى الدول القليلة التي مضت قدماً على صعيد توقيع مذكرة تفاهمٍ ثنائية (مع الولايات المتحدة)”.
ومع ذلك، كان تيلرسون هو مَن يقود الجهود الدبلوماسية الأميركية لحل النزاع. ويبدو أنَّ تصريحات واشنطن في الأيام الأخيرة تُظهر بشكلٍ واضحٍ أنَّ الإدارة الأميركية سترغب ببساطةٍ في رؤية تسويةٍ للنزاع عاجلاً وليس آجلاً، بصرف النظر عن المطالب التي تطلبها الرياض وأبو ظبي من الدوحة.
وفي كلماتٍ بدا أنَّها تستهدف الدول التي فرضت الحصار، قال تيلرسون، في 30 يناير/كانون الثاني: “مع اقتراب النزاع الخليجي من شهره الثامن، لا تزال الولايات المتحدة قلقةً اليوم كما كُنَّا منذ البداية. كانت لهذا النزاع عواقب سلبية مباشرة اقتصادياً وعسكرياً على أطرافه، وكذلك على الولايات المتحدة. إنَّنا نشعر بالقلق إزاء الخطابات والدعاية المُستخدمة في المنطقة، التي تُبَث يومياً في الإعلام والشبكات الاجتماعية. ومن المهم أن تقلِّل جميع الأطراف من حدة الخطاب، وأن تُمارس ضبط النفس، لتجنُّب مزيد من التصعيد، وأن تسعى للتوصل إلى حل”.
وقد فُرِض الحصار على قطر، في يونيو/حزيران العام الماضي، من جانب كلٍّ من البحرين ومصر والإمارات والسعودية، وتقف هاتان الأخيرتان خلف الخطوة. وتتهم هذه الدول قطر بدعم الإرهاب وزعزعة استقرار المنطقة. ورفضت قطر تلك الاتهامات وتحركت سريعاً لتعميق علاقاتها مع البلدان الأخرى في المنطقة -مثل إيران وعُمان وتركيا- وخارجها، بما في ذلك الولايات المتحدة.