تحديث الإستراتيجيّة الإسرائيليّة: انتصارات محور المُقاومة وتحطيمه للعقيدة

ishraq

صورة من الارشيف

عدّة عوامل دفعت جيش الاحتلال الإسرائيليّ إلى تحديث إستراتيجيته التي سبق أنْ نشرها عام 2015، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، الوثيقة القديمة لم تأخذا أبدًا بعين الاعتبار أنْ يتحوّل الجيش العربيّ-السوريّ إلى لاعبٍ مؤثرٍ على الأجندة في الصراع المُسلّح مع الدولة العبريّة، التي راهنت على سقوط الرئيس د. بشّار الأسد، وحلّ الجيش، ولكن الانتصارات الأخيرة، التي حققها هذا الجيش، أكّدت لصنّاع القرار في تل أبيب، وخصوصًا المؤسسة العسكريّة، أنّ هذا المُستجّد يُلزمهم على إعادة تقييم الإستراتيجيّة، التي بحسب مُحللين إسرائيليين للشؤون العسكريّة هي بمثابة رسالةٍ حادّةٍ كالموس للمُستوى السياسيّ.
إسرائيل، وعلى الرغم من جهودها المُكثّفة المدعومة من أمريكا، فشلت في حجز بطاقةٍ للحلّ السياسيّ في سوريّة، وباتت تبحث عن إمكانيات وبدائل أخرى للتدّخل المُباشر وغيرُ المُباشر في الشأن السوريّ، ولكن حتى اللحظة لم تتمكّن من تحقيق أيّ هدفٍ يُذكر، فمحور المُمانعة والمُقاومة، المؤلّف من إيران، سوريّة، حزب الله وحركة حماس في فلسطين، وأيضًا بشكلٍ أوْ بآخر، العراق أيضًا، بات يؤرق أركان كيان الاحتلال الإسرائيليّ ويقُضّ مضاجعهم، والقلق الأكبر لديهم هو تنامي قوّة إيران في المنطقة، والتحالف بينها وبين روسيا، علاوةً على دعمها غير المتوقّف للمقاومة في كلٍّ من لبنان وفلسطين. وتكفي في هذه العُجالة التذكير بما نشرته صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، الأسبوع الماضي، نقلاً عن مصادر رفيعةٍ جدًا في المؤسسة الأمنيّة في تل أبيب، والتي أكّدت أنّ حزب الله سيُطلق في المُواجهة القادمة ما بين ثلثة حتى أربعة آلاف صاروخ في اليوم الواحد إلى العمق الإسرائيليّ.
على النقيض تمامًا، فإنّ التعويل الإسرائيليّ-الأمريكيّ على إقامة حلفٍ إستراتيجيّ، بمُشاركة دولة الاحتلال، مع الدول العربيّة والإسلاميّة، المُصنفّة في واشنطن وتل أبيب بالدول السُنيّة المُعتدلة، لم يُثبت نفسه، لا بل أكثر من ذلك، فإنّه على الرغم من التصريحات، والتقارير التي تحدثت عن دفء العلاقات الـ”سريّة” بين قائدة هذه المجموعة من الدول، أيْ المملكة العربيّة السعودية، فإنّ الحلف الجديد لم يخرج إلى حيّز التنفيذ، ولا توجد مؤشّرات ودلائل على أرض الواقع تؤكّد على أنّ هذا التحالف قد يرى النور قريبًا، علمًا أنّ إسرائيل وهذه الدول تتشارك العداء المُطلق للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.
وفي هذا السياق، نشر مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، والذي يُعتبر أهّم مركز أبحاث في الدولة العبريّة، نشر دراسةً تناولت مؤشرات فشل ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، في إدارة الشأن الداخليّ وعجزه عن مواجهة التهديدات الخارجيّة، محذرةً من التهديدات الكبيرة التي ستتعرض لها مصالح إسرائيل نتيجة لذلك.
توقعّات المركز لا تُبشّر خيرًا، فهي تؤكّد أنْ يتهاوى استقرار النظام الحاكم في السعوديّة بسبب فشل بن سلمان في تطبيق برنامجه الاقتصاديّ-الاجتماعيّ المعروف بـ”رؤية 2030″، ولعدم تمكّنه من احتواء مفاعيل الغضب داخل العائلة المالكة على إجراءاته الأخيرة، وإمكانية أنْ تندلع هبّة جماهيرية مدنيّة، احتجاجًا على تدهور الأوضاع الاقتصاديّة في المملكة.
وأوضحت الدراسة، التي أعدها كلٌّ من مدير المركز، والرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) الجنرال احتياط عاموس يدلين، ومدير وحدة دراسات الخليج في المركز، يوئيل جوزينسكي، أنّ ما يُعزز فرص المسّ باستقرار نظام الحكم في الرياض، يتمثل في حقيقة أنّ مظاهر فشل بن سلمان على الصعيد الداخليّ، تتزامن مع عجزه عن مواجهة التوسّع الإيرانيّ، وعدم قدرته على حسم الحرب المتواصلة في اليمن، التي باتت تهدد العمق السعودي، ناهيك عن المسّ بمكانة السعودية، جراء فشل الحملة على قطر، كما أكّدت الدراسة.
وعودةً إلى وثيقة الجيش الإسرائيليّ المحدثة، فبحسب التقارير الإعلاميّة العبريّة يكشف أنّ الجيش يرى في الساحة الفلسطينية الأكثر قابلية للتدهور، وفي الوقت عينه تحتّل هذه الساحة المرتبة الثانية في سلّم التهديدات المحدقة بإسرائيل، والسبب أنّ المرتبة الأولى هي لمصلحة محور المقاومة (وفق العبارة التي وردت في صحيفة هآرتس «المحور الشيعي»)، الذي انضمت إليه سوريّة بزخمٍ أكبرٍ في العامين الأخيرين.
بالإضافة إلى ذلك، تمّ التشديد على الأهمية المتزايدة لـ”المعركة بين الحروب” التي تخوضها إسرائيل ضدّ ما أسمته المصادر في تل أبيب بـ”تعاظم المنظمات الإرهابيّة”، وتحليل طريقة استخدام القوّة العسكريّة، في محاولة للجمع بين مقاربة الحسم في الحرب، ومقاربة الوقاية والتأثير، وهنا يجب التشديد على ما صرحّ به وزير الأمن الإسرائيليّ، أفيغدور ليبرمان، الذي قال إنّ حزب الله ثاني أقوى جيش في الشرق الأوسط بعد الدولة العبريّة، وأنّه يملك عتادًا عسكريًا لا تملكه العديد من دول حلف (الناتو).
خلاصة الكلام: الخوف الإسرائيليّ من المُواجهة القادمة نابعُ من عدّة عوامل: العقيدة القتاليّة الإسرائيليّة التي ارتكزت على إدارة الحرب في أرض العدو وحسمها في عدّة أيّامٍ باتت في خبر كان، الدولة العبريّة، وباعترافٍ رسميٍّ، عاجزة عن توفير الحماية للعمق الإسرائيليّ غيرً المُحصّن، اقتراب الجيش الإيرانيّ من الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان حوّل تل أبيب إلى كابوسٍ حقيقيّيٍّ، وها هو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يزور اليوم الاثنين موسكو للتابحث مع الرئيس الروسيّ حول التمدد الإيراني في سوريّة، والعامل الأخير خوف إسرائيل من اندلاع حربٍ على الجبهتين الشماليّة والجنوبيّة في آنٍ واحدٍ، علمًا أنّ تل أبيب اعترفت رسميًا بامتلاك حماس في غزّة صواريخ دقيقة تصل إلى ما بعد حيفا.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP