23/01/2018
ثقافة و فن 1144 قراءة
السكن المشترك بين اللاجئين والألمان تجربة ناجحة في برلين
صورة من الارشيف
بالنسبة لبعض اللاجئين إلى ألمانيا، فإن الخروج من مراكز الإيواء المؤقتة إلى منزل "حقيقي" يعني إمكانية المضي قدماً في حياتهم الجديدة، لكن مع صعوبة الحصول على شقة خاصة، فإن السكن المشترك يعتبر حلاً ناجحاً للبعض.
بالنسبة لبعض اللاجئين الذين جاؤوا إلى ألمانيا، فإن الخروج من مراكز الإيواء المؤقتة إلى منزل "حقيقي" يعني إمكانية المضي قدماً في حياتهم الجديدة، لكن مع صعوبة الحصول على شقة خاصة، فإن السكن المشترك يعتبر حلاً ناجحاً للبعض.
شعر أغيد (30 عاماً) بارتياح كبير بعد وجد غرفة خاصة به، حيث التقى بسوزانه (28 عاماً) من خلال صديق في منظمة (Be An Angel) في برلين، التي تساعد اللاجئين القادمين حديثاً في الحصول على سكن مشترك مع ألمان يبحثون عن سكن أيضا. منذ اللقاء الأول بين أغيد وسوزانه قبل نحو سنتين، يعيشان معاً في شقة مشتركة بحي نويكولن في برلين.
إنها شقة مشتركة بين ألمانية من برلين وقادم جديد إلى المدينة. سوزانه التي تدرس الماجستير حالياً، ولدت وترعرعت في المدينة، وتحب العيش في نويكولن، تقول "أنا أحب الأماكن التي ليست هادئة جداً". أما بالنسبة لأغيد، فإن التنوع في برلين وعدم الشعور بالغربة فيها هو ما يجذب الناس إليها، ويضيف اللاجئ السوري: "برلين هي مدينة كبيرة، وفيها أناس من كل أنحاء العالم"، ويتابع: "لا يتم اعتباري غريبا هنا، وأنا أحب الشعور بأنني لست غريباً".
غادر أغيد سوريا عندما اشتدت الحرب، وبعد أن أقام لفترة في لبنان توجّه إلى ألمانيا، ووصل في صيف عام 2015 إلى برلين التي تعاني من نقص في البيوت بشكل متزايد، حيث لا يزال آلاف اللاجئين يعيشون في مراكز الإيواء المؤقتة حتى الآن، ولذلك يدرك قيمة وأهمية السكن الذي يقيم فيه. "معظم أصدقائي كانوا يعيشون في المخيمات"، يقول أغيد، ويتابع: "كان الأمر يعتمد على الحظ، فالبعض كان يسكن في أماكن جيدة ولكن أغلبهم يسكنون في مساكن سيئة. أتذكر أنني أمضيت ليلة واحدة في قاعة لكرة السلة. كانت الضجة كبيرة وبالكاد كنت تستطيع النوم، وكان الناس يصرخون طوال الليل".
قبل العثور على الشقة المشتركة هذه مع سوزانه كان في إحدى الفترات يبيت في الشوارع، حتى إنه اضطر مرة للسفر إلى ميونيخ فقط للنوم على أريكة أحد الأصدقاء. وقد أتاح له إيجاد مسكن حالة معيشية مستقرة للتركيز على إيجاد وظيفة والالتحاق بالجامعة.
وضع جديد
في اليوم الأول الذي انتقل فيه أغيد إلى الشقة، كان متوترا، حيث كانت المرة الأولى في حياته التي يسكن فيها في سكن مشترك، ففي منزله في سوريا كان يعيش مع عائلته. "فكرة السكن المشترك لم تكن واضحة بالنسبة لي.. كنت قلقاً من أن أفعل شيئاً خاطئاً أو أكسر شيئاً ما" يقول أغيد. بدورها تقول سوزانا: "حاولت أن أوضح على الفور أن هذه الشقة ليست لي، بل هي بيتنا المشترك"، وتتابع: "كان علي أن أخبره بأنه ليس بحاجة إلى أن يطلب الإذن للقيام بأشياء في المنزل".
سوزانه وأغيد منزعجان من القصص الإخبارية التي تتناول موضوع مشاركة شقة بين ألمانيّ ولاجئ وكأنه شيء غير عادي، أو تصوير المشاركة باعتبارها عملاً خيرياً. وتعلق على ذلك سوزانه: "لقد عشت مع الكثير من الأشخاص المختلفين - بمن فيهم الألمان الآخرون"، وتتابع: "هذا الأمر متعلق بالأفراد، وليس له علاقة بجنسياتهم، أو من أين أتوا".
تعلم الألمانية
ويرى أغيد، الذي يرغب بدراسة القانون التجاري في ألمانيا، فوائد السكن المشترك، في أنه "أفضل طريقة لتعلم اللغة الألمانية"، ويتابع: "أعرف شخصاً من سوريا لم يحضر دروساً مناسبة لتعلم الألمانية، لكن مستواه اللغوي الآن هو C1 (المستوى المتقدم من اللغة الألمانية)، فقط لأنه عاش مع عائلة ألمانية".
بعد التحدث معاً باللغة الإنجليزية في السنة الأولى، تتذكر سوزانi لحظة التحول وتقول ضاحكة: "في أحد الأيام بدأ فجأة يتحدث معي بالألمانية بطلاقة"، وتتابع: "وضّحت له كيف يتحدث الناس، لأنه في بعض الأحيان وبعد أن يخرج من الدروس كان يتكلم مثل غوته أو شيئا من هذا القبيل. كان مهذباً جداً، ولكن مضحكاً أيضاً".
تأثير تغير المزاج العام من اللاجئين
تقول حنان كايد، من المنصة الرقمية Flüchtlinge Willkommen (أهلاً باللاجئين)، إن تعلم اللغة هو فقط إحدى مزايا السكن المشترك بين اللاجئين والألمان، وتضيف: "إذا كنت تعيش في مركز إيواء جماعي، كما هو الحال بالنسبة لعدد كبير من اللاجئين في برلين، فإنك تكون معزولاً عن بقية المجتمع"، وتتابع: "إنه شكل من أشكال التقوقع. أما إذا كنت تعيش مع السكان المحليين فإنك تتعلم اللغة بشكل أسرع، وتتواصل مع الناس حول جميع الخطوات الصغيرة التي تحتاجها للاندماج في المجتمع".
تأسست المنصة الرقمية (أهلاً باللاجئين)، عام 2014، ولديها الآن مكاتب في برلين ولايبزيغ وهامبورغ، وتساعد اللاجئين الذين وصلوا حديثاً على إيجاد غرفة في المساكن المشتركة. ومع ازدياد النقص في المساكن المتوفرة بأسعار معقولة في برلين، أصبح عمل المنظمة أكثر صعوبة، حيث أن الطلب على الغرف، وخاصة في العاصمة، يفوق بكثير ما هو متوفر بالفعل. وفي هذا السياق تقول حنان: "في عام 2015 كان لدينا عدد كبير من الغرف المجانية، لكنها الآن قليلة جداً"، وتوضح: "ويرجع ذلك جزئياً إلى أن سوق الإسكان كان أفضل بكثير في عام 2015، كما أن ألمانيا كانت تفكر حينها بجد أنها بحاجة أن تفعل شيئاً للمساعدة"، وهي تعتقد أن "الكثير من الناس لا يدركون عدد اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في مراكز إيواء جماعية في المدينة. لكن التغطية الإعلامية السيئة وسياسة اليمين لها تأثير".
حنان سمعت أن كثيرا من الناس نجحت معهم هذه التجربة وأصبحوا فيما بعد أصدقاء قريبين، وتضيف: "كما أن للترتيب المنزلي دوراً هاماً، إذ يدرك الناس أن هذا هو شخص وليس مجرد "لاجئ". وكان لهذا تأثير كبير".
بالنسبة لأولريكه ليسيغ ويوسف شبريشر اللذين يسكنان في حي فيلمرسدورف في برلين، أصبح الضوء في الممر علامة سرية مفيدة في المنزل، حيث بنيت الشقة التي يتشاركانها على شكل حرف 'L' ما يسمح لكل منهما أن تكون له مساحته الخاصة في الشقة. "عندما يستمع إلى الموسيقى، يمكنني التحدث على الهاتف أو مشاهدة التلفزيون دون أية مشكلة"، تقول أولريكه وتضيف: "هناك مصباح في الممر والذي نبقيه مضيئاً عندما يكون أحدنا في الخارج. لذلك فنحن نعرف دائماً ما إذا كان الآخر في الشقة أم خارجها".
كانت أولريكه ويوسف قد تعرفا على بعضهما أيضاً من خلال (Be An Angel)، مثل أغيد وسوزانه، حيث كانت أولريكه (57 عاما) تبحث عن مستأجر لغرفة في بيتها بعد أن ترك ابنها البيت، وكان يوسف (31 عاما) الذي أمضى شهوراً في مأوى للاجئين في منطقة مارتسان في برلين بعد وصوله إلى برلين عام 2015، يبحث عن شقة بعد العثور على وظيفة مع شركة للإنتاج التلفزيوني. منذ أكثر من سنة يسكن الاثنان معاً في بيت أولريكه. يقول يوسف: "كان الأمر بسيطاً جداً، فقد فهمنا بعضنا البعض على الفور"، ويضيف: "نحن حقاً نستمتع بالشراكة، ولكن لكلّ منا مساحته الخاصة، ولذلك فإننا نحترم خصوصية بعضنا البعض".
بدايات جديدة
أولريكه في برلين منذ عام 1983، وقد شهدت تطوّر المدينة على مدى عقود. تتذكر أنها كانت جالسة مع ابنها حديث الولادة وهي تشاهد سقوط جدار برلين على التلفزيون. ولدى يوسف شكوك حول التغطية الإعلامية لدور اللاجئين في الفصل الأخير من تاريخ ألمانيا. يقول يوسف: "غالباً ما يقدمون الصور النمطية للاجئين، وأنا أتعامل مع ذلك في حياتي اليومية". وسمحت له المدينة بتحطيم الجدران الاجتماعية والإبداعية في حياته. يقول يوسف الذي كان يدير شركته الخاصة في حلب: "أنا أتعلم إنتاج الموسيقى في وقت الفراغ".
بالرغم من أن الأمر قد يستغرق أكثر من مجرد العثور على غرفة خاصة للشعور بأنه في البيت، فقد كان ذلك جزءاً مهماً من حل لغز علاقة حب أكبر شهدها يوسف منذ عام 2015. يقول يوسف: "لقد كانت برلين أفضل حتى من أروع التوقعات"، ويتابع: "لم أكن أتخيل أبداً أن هناك مكاناً حيث يمكن للناس أن يكونوا أنفسهم دون الأحكام المسبقة. إنها (برلين) أكثر من مجرد العيش في مكان. وأخيراً وجدت نفسي في هذه المدينة. شعرت أخيراً أنني في البيت".