حركة انفصالية في الجزائر وفتنة في مصر.. مساع إسرائيلية لتقسيم دول شمال أفريقيا

ishraq

الاشراق

الاشراق | متابعة.

في خطوة دراماتيكية، أعلنت حركة "ماك" الانفصالية الجزائرية الاستقلال عن الجزائر في احتفال أقامه مؤسسها وزعيمها فرحات مهني في باريس.

توازياً، تبرز إلى العلن محاولات إذكاء الفتنة الطائفية في مصر بما يجعلنا نستنتج أن هنالك ترابطاً بين ما يجري في مصر وفي الجزائر لجهة زعزعة الاستقرار في هذين البلدين. وهذا يجعلنا نرنو بأنظارناإلى دور الكيان الصهيوني في استهداف هذين البلدين بغية استكمال أجندته في تقسيم الأقطار العربية.  

الحركة الانفصالية الجزائرية 
أعلنت "حركة تقرير مصير منطقة القبائل" (ماك) يوم الأحد الموافق فيه 14 كانون الأول/ ديسمبر 2025 في باريس الاستقلال عن الجزائر وتشكيل "الجمهورية الاتحادية للقبائل" وانفصال منطقة القبائل عن الجزائر.

وأعلن زعيم الحركة فرحات مهني ورئيس "الحكومة القبائلية في المنفى" (أنفاد)، الاستقلال في احتفال حضره حشد من مؤيديه، إضافة إلى شخصيات فرنسية وغربية، وتمت خلاله تلاوة ما سمّاه بـ"وثيقة الإعلان عن الاستقلال" ثم قام الحشد بإنشاد ما سمّوه "النشيد الوطني القبائلي"، بمشاركة ممثلين عن "البرلمان القبائلي". 

والجدير ذكره أن حركة ماك تأسست في منطقة القبائل في عام 2001 عقب احتجاجات واسعة في المنطقة. وقد اقتصرت مطالبات الحركة على الحكم الذاتي حتى عام 2013 قبل أن تتشدد الحركة في مطالبها لتصل إلى حد المطالبة بالاستقلال الكامل عن الجزائر.

أما مؤسس الحركة فهو المغني والناشط السياسي والحقوقي الأمازيغي المعروف فرحات مهني، الذي ولد عام 1951 في ولاية تيزي وزو بمنطقة القبائل ودرس العلوم السياسية في الجزائر.

وهو ناشط حقوقي أيضاً إذ كان أحد مؤسسي الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان عام 1985 وعضواً في لجنتها التوجيهية. وبنتيجة نزعته الانفصالية، أصدر القضاء الجزائري أربعة أحكام غيابية بالسجن على مهني تتراوح بين 15 و 20 عاماً والمؤبد، بتهم تهديد الوحدة الوطنية والمس بسلامة التراب الوطني، والانتماء إلى تنظيم إرهابي وارتكاب أفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية، وأصدرت السلطات الجزائرية مذكرة اعتقال دولية للقبض عليه وتسليمه لها، خصوصاً بعد تورط الحركة في أعمال تخريبية من ضمنها الحرائق التي شهدتها منطقة القبائل في أغسطس/ آب 2021 وجريمة إحراق الشاب جمال بن إسماعيل، و"القيام بأعمال عدائية وتحريضية" تهدف إلى "زعزعة استقرار البلاد والمساس بأمنها". 

فتنة طائفية في مصر!
في الوقت الذي يتصاعد فيه دور الحركة الانفصالية في الجزائر، فإن بوادر الفتنة الطائفية تتصاعد في مصر. فقبل أسابيع قليلة من إعلان حركة ماك "الاستقلال" عن الجزائر، وقعت حادثة طائفية جديدة في مصر، وكان ذلك في 23 تشرين الأول/ أكتوبر حيث حصلت صدامات في قرية نزلة الجلف الواقعة في محافظة المنيا شمال منطقة الصعيد إثر انتشار أنباء عن علاقة عاطفية بين شاب مسيحي وبنت مسلمة. هذا دفع بمجموعات من السكان المسلمين إلى مهاجمة منازل وأملاك المسيحيين في القرية بالتوازي مع انتشار حملة سجال واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي. وبنتيجة جلسة صلح أقيمت برعاية السلطات المصرية تقرر تغريم أسرة الشاب المسيحية وطردها من القرية ما أثار حملة استهجان من منظمات حقوقية. 

وقد سبقت هذه الحادثة عدة حوادث طائفية وقعت في عام 2024 مثلما حصل في قرية فواخر في المنية حين اندلعت اشتباكات طائفية عقب شائعات عن عزم المسيحيين بناء كنيسة جديدة في القرية. وقد تدخل المجلس العالمي لكنائس المسيح في مصر ليعرب عن قلقه من تصاعد العنف الطائفي في مصر، والهجمات ضد الكنائس بما فيها الهجوم على كاتدرائية مار مرقص في القاهرة وعن جرائم قتل تعرض لها أقباط في أنحاء مختلفة من مصر. 

دور لـ"إسرائيل"؟!
قد يبدو أن ما يحصل في كل من الجزائر ومصر ناتج عن توترات محلية بين طوائف أو إثنيات مختلفة، إلا أن من ينظر إلى الصورة الأكبر يجد ترابطاً بين ما يجري في الجزائر وفي مصر، وتكاملاً مع إثارة الفتنة الطائفية والدعوات إلى التقسيم في سوريا التي تتم بتشجيع من "إسرائيل".

وإذا عدنا إلى ورقة عوديد ينون التي نشرت في شباط/ فبراير من عام 1982، نجد أن ما يجري يصب في خدمة المخطط الإسرائيلي لتقسيم الأقطار العربية الكبرى والفاعلة إقليمياً إلى كيانات طائفية وإثنية وعشائرية بغية إضعافها وتحويلها إلى تجمعات دينية تشكل "إسرائيل" قطباً لها. 

في هذا الإطار، فإن عوديد ينون، الذي كان مستشاراً لوزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان، دعا إلى تقسيم لبنان آنذاك إلى كيانات طائفية مسيحية ودرزية وشيعية.

إضافة إلى ذلك، فإن ورقة ينون التي تم تبنيها من قبل بنيامين نتنياهو في عام 1996 عند انتخابه رئيساً للوزراء في الكيان الصهيوني لأول مرة، تبنى هذه الورقة وأعاد صياغتها من ضمن وثيقة القطيعة التامة التي دعت إلى عرقلة عملية السلام التي كانت جارية آنذاك، وإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمشرق العربي. ولا يتوقف تصور عوديد ينون على إعادة هيكلة المشرق العربي بل هو يعتبر أن بنداً رئيسياً يتضمن مصر التي يدعو إلى تقسيمها وإقامة كيان قبطي في عمق الصعيد بعد فصل سيناء عن مصر، معتبراً أن هذا سيؤدي إلى تقسيم باقي البلدان العربية في شمال أفريقيا ومن ضمنها طبعاً الجزائر. 

يبرز في هذا الإطار دور المسيحيين الانجيليين "الصهاينة" في المساعدة على تنفيذ الأجندة الإسرائيلية. إذ بات هؤلاء يخترقون تجمعات المسيحيين المشرقيين ويؤثرون على فئة معينة من الشباب المسيحي بنتيجة إغداق الأموال بالدرجة الأولى. في هذا الإطار ، يجب أن ننوّه بما أعلنته الإعلامية المصرية هند الضاوي التي تقدم برنامج "حديث القاهرة"، إذ أشارت إلى حملة أطلقها مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدرب مئه ألف إنجيلي لتحسين صورة "إسرائيل" لاستعادة شعبيتها بأميركا وحول العالم. وكان اللافت الحملة التي شنتها "إسرائيل" عبر أحد الناطقين الرسميين باسمها ضد الإعلامية هند الضاوي بما يثبت النيات الصهيونية الخبيثة في هذا الإطار. 

بناء على ما تقدم، فإنه يمكننا الاستنتاج بأن "إسرائيل"، وعقب النجاحات التي حققتها في منطقة المشرق العربي لجهة الدفع لإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمشرق العربي، وتقسيمه وفقاً لكيانات طائفية وإثنية وعشائرية، فإنها باتت الآن تحاول استكمال مشروعها عبر الدفع لتقسيم مصر والجزائر وغيرهما من الأقطار العربية في شمال أفريقيا.

وما يساعد "إسرائيل" على تحقيق غاياتها هو حركات الإسلام السياسي المرعية من بريطانيا والولايات المتحدة، والتي تقوم باستهداف المجموعات الدينية المختلفة، المسلمة والمسيحية على حد سواء، لتوجد التبرير لذوي النزعات الانفصالية لتبرير توجهاتهم، على غرار ما يحصل الآن في سوريا التي باتت تحكمها جبهة "النصرة" والتي تستهدف العلويين والدروز والكرد، إضافة إلى استهداف المدارس الصوفية والمدرسة الأشعرية السنية.  

جمال واكيم - أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP