الرحلة غير المتوقعة للـUgly Sweater!

ishraq

الاشراق

الاشراق | متابعة.

في عالم الموضة، نادراً ما يتحوّل خطأ ذوقي إلى ظاهرة ثقافية عالمية. لكن قميص Ugly Sweater، أو ما يُعرف عربياً بـ«الكنزة القبيحة»، كسر هذه القاعدة، وانتقل من قطعة مثيرة للسخرية إلى رمز موسمي له حضوره في عروض الأزياء، والحملات التسويقية، وحتى ثقافة البوب.

هذه القطعة، التي ترتبط اليوم بموسم الأعياد واحتفالات نهاية العام، تحمل تاريخاً اجتماعياً وثقافياً أعمق بكثير مما توحي به ألوانها الصاخبة وزخارفها المبالغ فيها.

من الحياكة المنزلية إلى الموضة الشعبية

  • تعود جذور قميص Ugly Sweater إلى بدايات القرن العشرين
    تعود جذور قميص Ugly Sweater إلى بدايات القرن العشرين

تعود جذور قميص Ugly Sweater إلى بدايات القرن العشرين، عندما كانت الملابس المحبوكة يدوياً جزءاً أساسياً من الحياة اليومية في أوروبا وأميركا الشمالية. وكانت النساء يقمن بحياكة الكنزة الصوفية لأفراد العائلة بهدف الحماية من البرد، لا من أجل الجمال أو الأناقة.

في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بدأت هذه الكنزة تأخذ طابعاً أكثر زخرفة، مع انتشار الرسومات الشتوية مثل الرنّة، وأشجار الميلاد، ونجوم الثلج. ومع ذلك، لم تكن تُعتبر «قبيحة» في ذلك الوقت، بل عملية ومناسبة للمنازل والمناسبات العائلية.
التحوّل الحقيقي بدأ في الثمانينيات، عندما دخلت هذه الكنزة إلى الثقافة التلفزيونية الأميركية.

الثمانينيات والتسعينيات: التلفزيون يصنع الصورة النمطية

  • من المسلسل التلفزيوني The Cosby Show
    من المسلسل التلفزيوني The Cosby Show

لعبت المسلسلات التلفزيونية في الثمانينيات، مثل The Cosby Show، دوراً محورياً في ترسيخ صورة الكنزة المبالغ بها. شخصيات تلفزيونية كانت ترتدي كنزات بألوان صارخة ونقوش مزدحمة، ما جعلها رمزاً لذوق «غير عصري».

في التسعينيات، ومع تغيّر معايير الموضة باتجاه البساطة والحد الأدنى، أصبح هذا النوع من التصاميم مثالاً على كل ما هو قديم أو خارج السياق. وهنا وُلدت فكرة «القبح» المرتبطة بها، ليس لأنها سيئة الصنع، بل لأنها لا تتماشى مع الذوق السائد آنذاك.

من السخرية إلى الاحتفال: ولادة ظاهرة الـUgly Sweater

  • عرض «ستيلا مكارتني» لعام 2008
    عرض «ستيلا مكارتني» لعام 2008

شهدت بداية الألفية الجديدة تحوّلاً جذرياً، حين بدأت حفلات Ugly Sweater Party بالانتشار في الولايات المتحدة وكندا، حيث يتنافس المشاركون على ارتداء «أقبح كنزة ممكنة» خلال موسم الأعياد.

هذا التحوّل يعكس توجهاً ثقافياً أوسع نحو النوستالجيا والسخرية الذاتية. القميص لم يعد رمزاً لذوق سيئ، بل أصبح وسيلة للتعبير المرح والتمرّد على معايير الأناقة الصارمة.
وبحلول عام 2015، قُدّرت مبيعات كنزات الأعياد في الولايات المتحدة وحدها بأكثر من 1.5 مليار دولار سنوياً، وفق تقارير نشرها موقع «فوربز».

الموضة تتبنّى «القبح»

  • كنزة Ugly Sweater من «غوتشي»
    كنزة Ugly Sweater من «غوتشي»

ما كان يُرتدى بدافع السخرية، سرعان ما جذب انتباه المصممين. علامات مثل «بالنسياغا» و«غوتشي» أعادت تفسير فكرة Ugly Sweater ضمن سياق الموضة الفاخرة، باستخدام خامات عالية الجودة وتصاميم مدروسة تحاكي «القبح المقصود».

وتندرج هذه الظاهرة ضمن مفهوم Ugly Fashion أو «الموضة القبيحة»، التي تعتمد على كسر التوقعات وإعادة تعريف الجمال. هنا، لم تعد الكنزة مجرد نكتة موسمية، بل بياناً ثقافياً يعكس تغيّر علاقة المستهلك بالموضة، حيث أصبحت الشخصية والمرح أهم من الكمال البصري.

البُعد الثقافي والاقتصادي

ثقافياً، تمثّل كنزة Ugly Sweater نوعاً من الحنين الجماعي واحتفالاً بالبساطة والعائلة، خصوصاً في المجتمعات الغربية التي تربط الأعياد بالذكريات المنزلية.

أما اقتصادياً، فقد تحوّلت إلى منتج موسمي مربح، تستثمر فيه علامات الأزياء السريعة مثل «أتش أند أم» و«زارا»، إلى جانب منصات التجارة الإلكترونية.

ويكمن نجاح هذه القطعة في قدرتها على خلق تجربة اجتماعية، لا مجرد منتج يُشترى، وهو ما يتماشى مع توجهات السوق الحالية التي تفضّل «القصة» على القطعة نفسها.

في المحصلة، تُعدّ كنزة Ugly Sweater مثالاً نادراً على كيفية تحوّل ما هو هامشي إلى سائد، وما هو سخرية إلى احتفال. من حياكة منزلية متواضعة إلى ظاهرة ثقافية وتجارية عالمية، يعكس هذا التصميم تطوّر علاقتنا بالموضة، حيث لم تعد الأناقة مسألة جمال فقط، بل تعبيراً عن الهوية والمرح والانتماء. وفي عالم يبحث عن الأصالة، يبدو أن «القبح» أحياناً هو أكثر ما يلفت الانتباه.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP