"واشنطن بوست" .. أهلًا بكم في "فوضى العالم الجديد"

ishraq

الاشراق

الاشراق | متابعة.

صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تنشر مقالاً يناقش الأزمة الإنسانية العالمية وتداعيات الفوضى السياسية الدولية، مع التركيز على السودان كمثال صارخ.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

يبدو أنّ ديناميكية مقلقة تُحدّد ملامح السياسة العالمية. إذ تتفاقم الأزمات الإنسانية وتتهاوى أنظمة الدعم والتعاون الدولي اللازمين لمواجهتها. ويتجلّى ذلك بوضوح في ظلّ الحرب المستمرة في السودان، التي تُعدّ من أكبر الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث، حيث يحتاج 30 مليون شخص إلى المساعدة، ويواجه 20 مليوناً آخرون مستويات خطيرة من انعدام الأمن الغذائي. وقد فشلت جهود مجلس الأمن ومجموعة من القوى الأجنبية في إنهاء الصراع، في حين أدّى النقص الكبير في الموارد المخصصة لوكالات الإغاثة إلى عواقب وخيمة على بعض السودانيين.

ويتصدّر السودان قائمة المراقبة الطارئة لعام 2026 الصادرة عن لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة إنسانية بارزة. وتضمّ القائمة 20 دولة، تشمل أيضاً الأراضي الفلسطينية المنكوبة بالصراع، وجنوب السودان، وإثيوبيا، وهايتي، وميانمار، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، تمثّل 12% من سكان العالم، لكنها تضمّ نحو 89% من 300 مليون شخص حول العالم بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

وبات تقرير لجنة الإنقاذ الدولية، الذي نُشر يوم الثلاثاء، مؤشراً سنوياً دقيقاً ومُحبطاً على أكثر الأزمات الإنسانية إثارةً للقلق في العالم. تحدّثتُ إلى السياسي البريطاني السابق ديفيد ميليباند، الرئيس والمدير التنفيذي الحالي للجنة الإنقاذ الدولية، حول موضوع التقرير لعام 2026 - "الفوضى العالمية الجديدة" - وما تخبرنا به إخفاقات الوضع الراهن عن شكل السياسة العالمية. ويُشير مصطلح "الفوضى العالمية الجديدة" إلى ما يحدث في مناطق النزاع حول العالم، حيث يُترك 230 مليون شخص معتمدين على المساعدات الإنسانية. وتتمثّل هذه الفوضى في انتهاك القانون الدولي الإنساني في الحروب، وتدويل الحروب الأهلية، بحيث لم تعد مجرّد صراعات داخلية بين طرفين، بل أصبحت صراعات دولية متعدّدة الأطراف على النفوذ. كما تُبرز الفوضى العالمية الجديدة تزايد أهمية الربح على حساب الحماية في مناطق النزاع. كما تُقدّم هذه الفوضى إطاراً لكيفيّة تأثير الجغرافيا السياسية على حياة الفئات الأكثر ضعفاً في العالم، وهم المدنيون العالقون في براثن النزاعات.

ما هو الشيء "الجديد" فيها بشكل واضح؟
أعتقد بأننا تجاوزنا نقطة تحوّل حاسمة في النظام القديم. ولم يعد بإمكاننا القول إنّ النظام القائم على القواعد يُعدّ الركيزة الأساسية للنظام العالمي، وإنّ هناك بعض المشكلات في تطبيقه. نحن اليوم أمام حالة أساسية من الفوضى، حالة بات اتباع القواعد فيها أمراً غير مألوف، بدلاً من عدم اتباعها. وأعتقد بأنه من غير الواضح بتاتاً أننا سننتقل إلى نظام جديد. وبالنسبة لي، ليس واضحاً ما إذا كنا نتجه نحو عالمٍ تسوده مناطق النفوذ. ولا أعتقد بأنك، إن كنت يابانياً، ستنضمّ إلى منطقة نفوذ صينية. وإذا كنت أوروبياً، فلن تنضم إلى النفوذ الروسي. وإذا كنت من أميركا اللاتينية أو برازيلياً، فلن تنضمّ إلى النفوذ الأميركي.

كذلك، ليس واضحاً ما إذا كانت الهيئات الإقليمية كالاتحاد الأوروبي ستصبح ذات تأثير حاسم. وأعتقد بأننا قد نعيش في ظلّ هذا الشكل الفوضوي من العولمة، حيث يسود مبدأ "القوة تصنع الحقّ"، وهو ليس عكس العولمة، بل شكل أكثر فوضوية منها وبلا قواعد. 

قبل عامين، تحدّثتم عن تزايد "عصر الإفلات من العقاب" وتآكل أنظمة المساءلة. الأمور لا تتحسّن كثيراً. أليس كذلك؟

أرى أنّ عصر الإفلات من العقاب بات أكثر انتشاراً من أيّ وقت مضى، وذلك بسبب انتهاك الحقوق القانونية لحماية المدنيين، وانتهاك الحقّ القانوني في تلقّي المساعدات، وانتهاك قوانين الحرب، وقصف المستشفيات والمرافق الصحية، وقتل عمّال الإغاثة. وقد لقي 50 ألف مدني حتفهم في النزاعات هذا العام.

وتُثار نقاشاتٌ كثيرة حول تراجع الضوابط والتوازنات على استخدام السلطة في الدول الديمقراطية، لكنّ أبرز الأمثلة على الإفلات من العقاب هي بلا شكّ النساء اللواتي خرجن من مدينة الفاشر السودانية ليخبرن بأنهنّ وكلّ من يعرفن قد تعرّضن للاغتصاب. وهذا هو عصر الإفلات من العقاب، بأبشع صوره. وأعتقد بأنّ ما يجب علينا معالجته هو أنّ العالم، من بعض النواحي، أصبح أكثر ترابطاً من أيّ وقت مضى، لكنّ التعاطف بات أكثر انقساماً. وأصبح العالم أكثر ترابطاً لأنّ الحقيقة ستظهر في النهاية، لكن يبدو أنّ "تسييس الألم" أدّى إلى انقسام التعاطف. 

لماذا يبدو السودان وكأنه حالة ميؤوس منها؟
أعتقد بأنّ المستفيدين من الحرب يهتمون بها أكثر منا نحن الذين نتمنّى انتهاءها، ومن الواضح أنّ لديهم نفوذاً أكبر من ضحاياها، لأنها لم تبدأ كصراع جماعي بين مختلف الطوائف السودانية، بل كصراع بين نخبة من الجنود. والمدنيون عاجزون عن إيقافها. هذا الخلل الجوهري يُعدّ السبب الرئيس في كونها أسوأ من دارفور في العقد الأول من الألفية، ومع ذلك فإنّ الاستجابة لها أقلّ بكثير.  

يبدو أيضاً أنّ النظام الدولي - الأمم المتحدة وغيرها - عاجز عن التعامل مع الوضع بفعّالية. 

إنها عَرَضٌ لمشكلات بنيوية. ولهذا السبب يُعدّ السودان مثالاً صارخاً على الفوضى العالمية الجديدة. ومن الواضح أنّ الوضع في السودان متطرّف، ولا نقول إنّ هذا الوضع سيصل إلى كلّ مجتمع في العالم غداً، لكن هذا ما يحدث عندما تغيب القواعد والضوابط والقوانين والنظام القائم على القواعد، لأنّ فقدان النظام هو نتيجة ضعف القيود التي فُرضت على أفضل نماذج التسوية التي أعقبت عام 1945.

ما هو تأثير تفكيك إدارة ترامب لوكالة التنمية الدولية الأميركية على النظام الإنساني؟ يبدو أنّ وكالات الإغاثة في جميع المجالات تعاني من نقص التمويل. 

نشهد ما يُعرف بـ"تأثير المقصّ"، بحيث نجد أعداداً قياسية من المحتاجين، ثم فجأةً ينخفض حجم المساعدات انخفاضاً حادّاً - أي ما يقارب نصف المساعدات الإنسانية في غضون عام واحد. وقد خسرت مؤسستي نحو 400 مليون دولار، وفقد مليونا عميل إمكانية الوصول إلى الخدمات.

أعتقد بأنّ هناك 3 جوانب مهمة في هذه القصة. أوّلها قلّة الإنجازات، وأنّ المحتاجين - سواء كانوا لاجئين سودانيين في جنوب السودان أو أطفالاً في أفغانستان محرومين من التعليم - هم الأكثر تضرّراً. ثانياً، هناك شكل من أشكال السلوكية التبادلية قصيرة الأجل أعتبره بالغ الأهمية. وقد شهد العالم 57 حالة تفشٍّ للحصبة خلال العام الماضي. ولا يمكن تبرير التخفيضات التي تُجرى على الصحة العالمية بمصلحة الدول المانحة. ثالثاً، نُضاعف جهودنا في مجال الابتكار 4 مرات، ولدينا فرق تعمل على استخدام الذكاء الاصطناعي لتشخيص جدري القرود في أفريقيا. كما نُضاعف جهودنا لإيجاد حلول جديدة للمشكلات الكبيرة بما يُمكّننا من تحقيق أقصى استفادة من التمويل.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي الصحيفة حصراً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP