20/12/2025
تقاریر 19 قراءة
"فورين أفيرز" عن الصين .. استعدت لحرب اقتصادية مع أمريكا تستمر لعقود!
.jpg)
الاشراق
الاشراق | متابعة.
حملت الإجراءات القوية التي اتخذتها الصين ردا على قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التجارية، رسالة لا لبس فيها وهي أن بكين قادرة على استيعاب أي ألم لكي تمارس ضغطا حقيقيا على الولايات المتحدة. ففي أبريل/نيسان الماضي وبعد تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية باهظة على المنتجات الصينية، ردت بكين بفرض قيود على تصدير 7 معادن أرض نادرة حيوية للصناعات العسكرية والتكنولوجية الأمريكية.
وفي مايو/أيار أوقفت بكين استيراد فول الصويا الأمريكي الذي يمثل أكبر سلعة تصديرية أمريكية للصين من حيث قيمة الصادرات. وفي أكتوبر/تشرين الأول، وبعد أن وسعت إدارة ترامب نطاق قيود التصدير لتشمل الشركات التي تمتلك شركات صينية حصة الأغلبية فيها، أضافت بكين 5 معادن أخرى إلى قائمة معادن الأرض النادرة الخاضعة لقيود التصدير.
وفي تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية قالت تسونج يوان تسو ليو الباحثة الزميلة في برنامج مارويس آر جرينبرج للدراسات الصينية في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية إن النهج الصيني في التعامل مع قرارات ترامب كان جريئا، إلا أنه لم يكن متهورا. فباختيارها الرد المحسوب، حافظت بكين على نافذة التفاوض، وأبقت منافذ التراجع مفتوحة. ومع ذلك، لا ينبغي الخلط بين المرونة والضعف.
باختيارها الرد المحسوب، حافظت بكين على نافذة التفاوض، وأبقت منافذ التراجع مفتوحة. ومع ذلك، لا ينبغي الخلط بين المرونة والضعف
فإلى جانب تحركاتها المعلنة، طورت الصين ترسانة قوية من الحواجز غير الجمركية والأدوات القانونية التي تستطيع استخدامها عند الحاجة. وبتخليها عن ضبط النفس الاستراتيجي الذي ميز نهجها السابق تجاه الولايات المتحدة، أظهرت الصين استعدادها لتسخير هيمنتها على سلاسل التوريد كسلاح في صراعها مع واشنطن.
ومما يعزز هذا الموقف المتشدد اعتبارات سياسية داخلية. فالقادة والمفاوضون الصينيون عازمون على تجنب ردة الفعل الشعبية الغاضبة التي أعقبت اتفاقية المرحلة الأولى التجارية لعام 2020 بين بكين وإدارة ترامب الأولى، والتي بدت في نظر العديد من المعلقين الصينيين مجحفة بحق الصين. بالنسبة للرئيس الصيني شي جين بينج، الذي تعهد بإنهاء “قرن الإذلال” الذي عاشته الصين، أصبحت رغبته في مواجهة واشنطن وسيلة لترسيخ مكانته كزعيم أعلى للبلاد، مبشرا بـ”نهضة وطنية”.
مع ذلك، لا يمكن اختزال نهج بكين باعتباره مجرد تكتيكات انتقامية أو نزعة قومية، وإنما باعتباره استراتيجية وطنية تمت بلورتها على مدى سنوات. فقد أمضى قادة الصين وقتا في الاستعداد لعودة ترامب إلى السلطة في واشنطن. كما أنهم ينظرون إلى الحرب التجارية كجزء من صراع أوسع نطاقا يمكن أن يستمر لعقود.
على المدى القريب، تتمثل أولوية بكين في الحصول على التنازلات اللازمة بشأن الحصول على التكنولوجيا المتقدمة لتسريع تطوير أشباه الموصلات المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات. أما على المدى المتوسط، فتهدف إلى تعزيز قدراتها التكنولوجية، وتنويع أسواق التصدير، والاستحواذ على حصة أكبر من أسواق الصادرات ذات القيمة المضافة في سلاسل التوريد العالمية، للحد من النفوذ الأمريكي. أخيرا وعلى المدى البعيد، تعتزم بكين إقامة بنية تجارية ومالية عالمية بديلة للبنية التحتية التي يسيطر عليها الدولار الأمريكي، بما يكفي لتجريد الولايات المتحدة من قدرتها على فرض عقوبات أحادية الجانب.
وترى تسونج يوان تسو ليو مؤلفة كتاب “صناديق الثروة السيادية: كيف يمول الحزب الشيوعي الصيني طموحاته العالمية”، أنه مع تراجع واشنطن عن التعددية الدولية وانغماسها المتزايد في الاستقطاب الداخلي، ستواصل بكين استغلال الفرص لتعزيز أهدافها الجيوسياسية. ومن الناحية النظرية تستطيع الصين عمل ذلك بالفعل، فهي تمتلك موارد مالية ضخمة وتسيطر على سلاسل إمداد الطاقة النظيفة، وتقود أكبر جيش نظامي في العالم، وقد أثبتت شركاتها المتخصصة في الذكاء الاصطناعي قدرتها على مواكبة نظيراتها الأمريكية. لكن الولايات المتحدة تحتفظ بأشكال أخرى من النفوذ العالمي يصعب على الصين مجاراتها.
وكما يشير تحليل دقيق لما تملكه كل دولة من العوامل الأربعة المعروفة باسم “فور سي” وهي الابداع والتفكير النقدي والاتصالات والتعاون، فإن التنافس بين واشنطن وبكين لن يحسم فقط بناء على امتلاك كل دولة لأفضل نماذج الذكاء الاصطناعي أو أكبر عدد من السفن، وإنما ستكون الديناميكيات التي يصعب قياسها بنفس أهمية المزايا العملية المباشرة والقوة العسكرية. لذا، ستحتاج الولايات المتحدة إلى فهم أفضل لما تسعى إليه الصين، وكيف تعزز قوتها في مواجهة القوة الأمريكية في مختلف المجالات، ونقاط ضعف سياسات واشنطن نفسها.
تستند قوة الصين العالمية إلى تعداد سكانها الهائل ومواردها الضخمة، أو ما يمكن تسميته بقدراتها الاستثنائية. وقد أقيمت النهضة الاقتصادية غير المسبوقة للصين على أكتاف العمال الصينيين المهاجرين داخليا، وهم شريحة من القوى العاملة الصينية التي ازداد عددها من حوالي 30 مليون عامل عام 1989 إلى ما يقرب من 300 مليون عامل عام .2024 وقد ساهم هؤلاء العمال ذوو الأجور المنخفضة في دفع عجلة النمو الهائل للبلاد، وجعل الصين القوة الصناعية الأولى في العالم.
واليوم، يراهن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين على أن جيش البلاد الضخم من المهندسين والعلماء قادر على فعل الشيء نفسه في مجال التكنولوجيا والابتكار. وقد اقتربت الصين بالفعل من اللحاق بالولايات المتحدة في الإنفاق على البحث والتطوير. وينشر الباحثون الصينيون الآن عددا أكبر من الأبحاث في المجلات العلمية المرموقة، ويقدمون طلبات براءات اختراع أكثر من نظرائهم الأمريكيين. وراء هذه الأرقام يكمن مخزون هائل من المواهب البشرية: إذ تخرج الصين ما يقرب من 6ر3 مليون خريج في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات سنويا، أي أكثر من أربعة أضعاف إجمالي عدد خريجي الجامعات في الولايات المتحدة سنويا.
ومع ذلك، تشكل هذه القدرة الهائلة أحد أكبر التحديات التي تواجه الصين. فقد أدت إلى اختلال التوازن في الاقتصاد الصيني، واعتماده على الأسواق الخارجية لاستيعاب فائض الإنتاج، مما أدى إلى تصاعد التوتر مع العديد من الحكومات الغربية. كما دفعت هيمنة الصين على سلاسل التوريد العديد من الدول إلى تقليل اعتمادها عليها، مما أدى إلى تآكل مصدر النفوذ الرئيسي لبكين. وهكذا، تشكل القوة الصناعية الاستثنائية للصين مفارقة: فبإمكانها إنتاج أي شيء تقريبا بتكلفة زهيدة وعلى نطاق واسع، لكن كلما زاد استخدامها لهذه القوة، زادت حدة السخط العالمي ضدها.
في الوقت نفسه أثبت التاريخ أن القدرة وحدها لا تصنع قوة عظمى. ففي أوائل القرن العشرين، تفاخرت ألمانيا بقاعدة صناعية رائدة عالميا ومواهب هندسية متميزة، لكنها فشلت في نهاية المطاف في ترسيخ هيمنة إقليمية مستدامة. ومنذ ستينيات القرن الماضي، تمتعت اليابان بعقود من الهيمنة على صناعة السيارات والإلكترونيات، لكنها عجزت عن تحويل هذه الميزة إلى قوة جيوسياسية قبل أن يلحق بها بقية العالم. وحتى عندما ساهمت القدرة في بناء قوة عظمى، فإن هذا الوضع قد يكون قصير الأجل إذا كانت الجوانب الأخرى ضعيفة، كما حدث مع الاتحاد السوفيتي السابق.