من هو زهران ممداني الذي تحدى ترامب وإسرائيل؟

ishraq

الاشراق

الاشراق | متابعة.

حُسمت معركة بلدية نيويورك لصالح زهران ممداني، ليصبح أول مسلم يتبوأ هذا المنصب في تاريخ المدينة. هذا الفوز لم يكن مجرد تحول في المشهد السياسي لواحدة من أهم مدن العالم، بل كان بمثابة إعلان رمزي عن صعود الأقليات وتحديها لهياكل السلطة التقليدية. وقال المرشح الديمقراطي متوجهاً إلى أنصاره عقب فوزه: «اليوم دخلنا التاريخ... فزنا لأن أهالي نيويورك دافعوا عن مدينة يمكنهم تحمل تكلفة العيش فيها. مدينة يمكنهم فيها القيام بأكثر من مجرد الكفاح من أجل تأمين حاجاتهم».

من هو زهران ممداني؟
وُلد زهران ممداني في أوغندا لعائلة مثقفة من أصل هندي. ونشأ في بيئة متعددة الثقافات صقلت وعيه الاجتماعي في سن مبكرة. لم تكن مسيرته وليدة الصالونات السياسية، بل نبتت من قلب العمل الميداني والنضال المجتمعي. بعد حصوله على شهادة في السياسة العامة من جامعة كولومبيا، كرس حياته المهنية للدفاع عن حقوق المستأجرين ومواجهة سياسات التمييز العنصري في أجهزة إنفاذ القانون.

قبل ترشحه لمنصب العمدة، شغل مقعداً في مجلس مدينة نيويورك، حيث برز كصوت لا يلين في وجه مصالح الشركات العقارية الكبرى والفساد المستشري في الإدارة المحلية. عُرف عنه قربه من الناس، وهو ما لخصه في إحدى كلماته: «لطالما آمنت بأن السياسة الحقيقية لا تُصنع في القاعات المغلقة، بل في الشوارع، بين الناس الذين نخدمهم». هذه الفلسفة هي التي بنت جسور الثقة بينه وبين قاعدة شعبية واسعة، رأت فيه ممثلاً حقيقياً لطموحاتها وآلامها.


زهران ممداني عمدة نيويورك (أ ف ب)
 وقبل أن يصبح عضواً في المجلس التشريعي، كان ممداني مستشاراً إسكانياً ومغني راب من الدرجة الثالثة، يُطلق على نفسه اسم «السيد كارداموم»، وكانت مسيرته الموسيقية القصيرة أحياناً محوراً رئيسياً في إعلانات منافسيه الهجومية.

وأشار أندرو إبستاين، أحد مساعدي الحملة، إلى أن مسيرة ممداني في موسيقى الراب ساعدته بشكل غير مباشر في حملته.

أصول وديانة زهران ممداني
ممداني، وهو اشتراكي ديمقراطي يبلغ من العمر 34 عاماً، سيصبح أول رئيس بلدية مسلم لأكبر مدينة أميركية. وهزم الحاكم الديمقراطي السابق آندرو كومو (67 عاماً)، الذي خاض السباق كمستقل بعد خسارته الترشيح أمام ممداني في الانتخابات التمهيدية.

تعود أصول زهران ممداني إلى الهند، فهو ينحدر من عائلة مسلمة هاجرت من مومباي في أواخر السبعينيات بحثاً عن فرصة أفضل. هذه الخلفية المزدوجة، كأميركي بالولادة وهندي بالجذور، منحته منظوراً فريداً لمعنى الهوية والانتماء.

لم يكن فوز زهران ممداني متوقعاً من قبل المؤسسة السياسية التقليدية. حملته الانتخابية لم تعتمد على تبرعات ضخمة من الشركات، بل على شبكة واسعة من المتطوعين وتنظيم شعبي غير مسبوق.

ونجح ممداني في بناء تحالف انتخابي قوي ومتنوع، ضم مجتمعات المهاجرين، والشباب، والطبقة العاملة، والأقليات العرقية التي شعرت بالتهميش لعقود. وكانت رسالته واضحة ومباشرة: «محاربة الفساد، وتوفير سكن ميسور التكلفة، وإصلاح جهاز الشرطة».

موقفه من القضية الفلسطينية

 يُعد موقف ممداني من القضية الفلسطينية من أكثر مواقفه وضوحاً وثباتاً. لطالما جاهر برفضه للاحتلال الإسرائيلي ووصفه بنظام فصل عنصري. خلال مسيرته، شارك في عدد من الفعاليات الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، ودعا إلى وقف الدعم العسكري لإسرائيل، وربطه بمدى التزامها بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. ويرى ممداني أن النضال الفلسطيني من أجل الحرية والكرامة هو جزء لا يتجزأ من النضال العالمي ضد الاستعمار والظلم.

وكان ممداني من أشد المنتقدين لسياسة إسرائيل واليهود في تصريحاته التي وصفها لاحقاً بأنها «غير مسؤولة»، ولكنه بقي متمسكاً بموقفه المؤيد للفلسطينيين.

وإلى جانب توجهاته السياسية، يواصل ممداني تأكيد دعمه لحقوق الفلسطينيين وانتقاده لإسرائيل، ما يعكس موقفاً مختلفاً عن التوجهات التقليدية في الحزب، وقد يكون هذا العامل محورياً في اتخاذ عدد من الناخبين قرارهم في المدينة التي تضم أكبر تجمع يهودي خارج دولة الاحتلال.

وقد أثار ممداني موجة من الغضب أثناء الانتخابات التمهيدية عندما رفض التبرؤ من مصطلح «عولمة الانتفاضة»، لكن بعد تعبير يهود نيويورك عن استيائهم، تراجع ممداني وقال إنه نصح الآخرين بعدم استخدامه.

يأتي صعود ممداني في وقت يشهد فيه الناخبون اليهود في الولايات المتحدة انقساماً متزايداً، خاصة بين الأجيال، حول سياسات إسرائيل بعد الحرب الأخيرة في غزة. فبينما يُعبّر 56% من اليهود الأميركيين عن ارتباطهم العاطفي بإسرائيل، تنخفض النسبة إلى 36% لدى الفئة العمرية بين 18 و34 عاماً، وفقاً لاستطلاع أجرته صحيفة «واشنطن بوست».

علاقته بترامب وموقفه من إسرائيل
اتسمت علاقة زهران ممداني بالرئيس الحالي دونالد ترامب بالعدائية الشديدة. يمثل ممداني نقيضاً كاملاً لسياسات ترامب، التي استهدفت المهاجرين والأقليات. وقد انتقد ممداني بشدة إدارة ترامب بسبب انحيازها المطلق للحكومة الإسرائيلية. بالنسبة إلى ممداني، فإن مواجهة سياسات ترامب داخلياً وخارجياً هي معركة واحدة من أجل قيم العدالة والمساواة.

وخلال خطاب فوزه، وجه ممداني انتقادات حادة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكداً أنّ «المدينة التي أنشأت ترامب هي ذاتها القادرة على هزيمته».

وقال: «إذا ما تبنينا هذا المسار الجديد والجريء بدلاً من الهروب منه، فسنتمكن من مواجهة الأوليغارشية والاستبداد بالقوة التي يخشيانها، لا بالتودد الذي يرغبان فيه. فبعد كل شيء، إذا كان هناك من يستطيع أن يبين لأمة خانها دونالد ترامب كيف تهزمه، فهي المدينة التي أنشأته. وإذا كانت هناك طريقة لإرعاب طاغية، فهي بتفكيك الظروف ذاتها التي سمحت له بتجميع السلطة. فهذه ليست فقط الطريقة التي نوقف بها ترامب، بل الطريقة التي نوقف بها من سيأتي بعده».

وأضاف: «دونالد ترامب، وبما أنني أعلم أنك تشاهدني، لدي أربع كلمات أوجهها إليك: ارفع الصوت!»، مشدداً على أن إدارته ستعمل على محاسبة الملاك الجشعين للعقارات. وقال إنّ «أمثال دونالد ترامب في مدينتنا أصبحوا مرتاحين جداً في استغلال المستأجرين، كما إنّ المليارديرات مثله يتهربون من الضرائب ويستغلون الإعفاءات الضريبية».

ويُعتبر ممداني منتقداً شديداً لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، والذي توعد باعتقاله إذا زار نيويورك عندما يصبح عمدة المدينة.

مواقف زهران ممداني السياسية من القضايا الدولية
لا تنفصل رؤية زهران ممداني للسياسة الخارجية عن مبادئه في العدالة الاجتماعية على الصعيد المحلي. فهو يرى أن السياسات القائمة على الهيمنة والغطرسة، التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الخارج، هي انعكاس مباشر للظلم الاجتماعي والاقتصادي في الداخل.

لذلك، لم يتردد في اتخاذ مواقف جريئة تنتقد السياسة الخارجية الأميركية، خاصة في الشرق الأوسط، داعياً إلى نهج قائم على احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان بدلاً من منطق القوة والمصالح الضيقة.

أوباما مستشاراً لممداني؟
بصفته أحد أبرز القياديين المؤثرين في الحزب، تواصل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مع ممداني لتهنئته بحملته الانتخابية، معرباً عن استعداده لوضع خبرته في خدمة ممداني. وخلال مكالمة هاتفية مطوّلة، أعرب أوباما عن ثقته في فوز ممداني في الانتخابات المقبلة، كما ناقشا تحديات تشكيل إدارة جديدة وبناء فريق عمل قادر على تنفيذ أجندة ممداني الخاصة بتقليص تكاليف المعيشة في المدينة.

رغم أنه لم يُعلن عن دعمه الرسمي لممداني، وذلك في إطار عادته بتجنب التدخل في الانتخابات المحلية بعد مغادرته منصبه، إلا أن هذه المكالمة التي كانت الثانية بينهما منذ الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي تُعد بمثابة إشارة قوية على تأييد أوباما. في حين أن قادة آخرين في الحزب الديمقراطي حافظوا على مسافة من ممداني، عرض أوباما عليه أن يكون مستشاراً في حال فوزه بالانتخابات.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP