ملتقى «خبز ونت».. معركة الحقيقة في ميادين التكنولوجيا

ishraq

الاشراق

الاشراق | متابعة.

انتهى ملتقى «خبز ونت» الذي تنظّمه مبادرة «سمِكس» في مدرسة الإدارة العليا للأعمال (ESA) في بيروت، وقدّم صورة مكثّفة عن الصراع المعقّد بين التكنولوجيا وحقوق الإنسان في المنطقة.

المؤتمر الذي يجمع سنوياً ناشطين وصحافيين ومبرمجين وصنّاع سياسات، فتح هذا العام ملفّاً بالغ الحساسية: من يملك الكلمة الأخيرة في زمن الحرب؟ ومن يقرّر أيّ رواية تُكتب في التاريخ؟

في جلسةٍ حملت عنوان «من يملك القول الفصل؟ الصراع على السرد في النزاعات المسلحة»، قدّم كلّ من جاستن صالحاني، منى شتاية، وقاسم منجه مداخلاتٍ بيّنت الوجه الآخر للحروب الحديثة، الوجه الرقمي الذي يتلاعب بالرؤية ويُسكت الشهود ويعيد تشكيل الوعي.

الإنترنت سلاح
انطلق النقاش من السؤال الذي يواجه كلّ منطقةٍ منكوبة: ماذا يعني أن تُقطع شبكة الإنترنت في لحظةٍ يقتل فيها الناس؟

أشار منجه إلى أن قطع الاتصال في مناطق النزاع يوازي القصف في أثره النفسي، فالعزلة الرقمية تزرع الذعر وتحرم المدنيين من المعلومة وتفصلهم عن العالم. ضرب مثالاً بقطاع غزّة حيث شكّل الإنترنت البطيء أصلاً (2G فقط) هدفاً لتكتيك متكرّر لإسكات كلّ ما يمكن أن ينقل الصورة من الداخل.

قبل الانقطاع الكامل، بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) كان 15 من أصل 19 مزوّد خدمة إنترنت خارج الخدمة، ما جعل معظم الفلسطينيين في القطاع بلا وسيلة للتواصل أو التوثيق. المشهد نفسه تكرّر في السودان حيث استخدم جميع الأطراف سلاح العزل الرقمي لتعتيم ما يجري.


الخوارزميات تصنع الحروب
تحدّثت منى شتاية عن الخطر الكامن في الخوارزميات نفسها. فشركات التكنولوجيا التي فرضت رقابة صارمة خلال الجائحة تتغاضى عن سيل الأكاذيب خلال الحروب.

تضخّم الخوارزميات الأخبار الكاذبة وتمنحها أولويةً على الحقائق. تعطل حساباتٍ فلسطينية مثل «الكاشف» التي كانت تعمل على تفنيد التضليل، فيما تُترك صفحاتٌ تنشر محتوىً خطيراً يبرّر قتل الصحافيين في غزّة، كما حصل مع أنس الشريف وحمزة الدحدوح.

هذه الشركات تمارس شكلاً من التمييز الممنهج عبر سياساتها التي تُسكت الضحية وتُبرّئ الجلاد.

الذكاء الاصطناعي في خدمة الاحتلال
استعاد منجه البعد التقني مشيراً إلى أنّ غزّة كانت لسنوات مختبراً لتجارب التكنولوجيا الإسرائيلية. الذكاء الاصطناعي أصبح جزءاً من منظومة الحرب، يُستخدم لتحديد الأهداف وتصنيف الأشخاص وتوسيع المساحات الرمادية بين المدني والمقاتل.

بهذه الأدوات تتحوّل البيانات إلى ذخيرةٍ حقيقية، وتصبح السيطرة على تدفق المعلومة إحدى استراتيجيات الحرب. يعيش العالم اليوم عسكرةً متسارعةً للتكنولوجيا المدنية، إذ تُعاد صياغة أدوات الاتصال نفسها لتتحوّل إلى سلاحٍ نفسي ومعنوي.

الصحافة بين الفخ والسرد
من زاويةٍ أخرى، تناول جاستن صالحاني مسؤولية الصحافة في مواجهة هذه البيئة المشوَّهة. رأى أن دور الصحافي يتجاوز نقل الوقائع إلى مساءلة من يملك القوة والكشف عن الأنماط التي تتكرّر عبر الزمن.

روى حادثةً من الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان: أعلن متحدث باسم جيش الاحتلال وجود مخزن أسلحة تحت أحد المستشفيات في الضاحية الجنوبية، فسارعت وسائل الإعلام المحلية والدولية إلى هناك. وبعدما لم تجد شيئاً، زعم المتحدث أن المخزن في غرفةٍ مجاورة، لتبدأ جولة جديدة من الجري وراء الوهم.

هذا الأسلوب تكتيك مدروس لتضييع الوقت وتفريغ الصحافة من جوهرها، إذ يُدفع الصحافي لمطاردة سردية من يملك القوة بدلاً من مساءلتها.

تراجع القدرة على الفعل
السؤال الذي بقي معلقاً في نهاية الجلسة هو: ما الذي يمكن فعله؟

توافق المتحدثون على أن لا إجابات جاهزة حتى الآن أمام صعود اليمين العالمي الذي أحكم قبضته على شركات التكنولوجيا الكبرى. محاولات الانتقال إلى بدائل مثل «سيغنال» أو «بلو سكاي» تواجه مقاومةً اجتماعية ناتجة عن العادة والثقة.

تظهر إشارات أمل في الجيل الجديد من الناشطين الذين بدأوا يواجهون هذا الانحراف التكنولوجي ويدعون إلى مساءلة الشركات كما تساءل السلطة نفسها.

في زمنٍ كهذا، تصبح مهمة الدفاع عن المعلومة دفاعاً عن الوجود الإنساني نفسه.

للكاتب علي عواد.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP