17/10/2025
دولي 31 قراءة
"لوموند" عما جرى في "شرم الشيخ"..سيرك دبلوماسي!

الاشراق
الاشراق | متابعة.
في مقال بصحيفة “لوموند” الفرنسية، قال المؤرخ الفرنسي فينسان لومير، الذي رافق الوفد الفرنسي المشارك في قمة شرم الشيخ للسلام، يوم الإثنين الماضي، إنه يجب سد الثغرات في خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل قطاع غزة بالخطة الفرنسية-السعودية.
قال دونالد ترامب، منتشيًا بنجاحه وهو يقف على المنصة المزدانة بصوره في قمة شرم الشيخ، يوم الإثنين 13 أكتوبر الجاري: “لقد أنجزنا الأصعب، والباقي سيمضي من تلقاء نفسه”. وفي طريق عودته إلى باريس، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عند سلم الطائرة: “إنه يوم تاريخي، لكن علينا أن نكتب فصول هذه القصة، فالمراحل المقبلة كثيرة”، يُشير الكاتب.
لقد كان اليوم تاريخيًا بالفعل – يقول المؤرخ الفرنسي – إذ تم إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء، وتوقفت المجازر في غزة. الصفحة الدامية التي فُتحت في 7 أكتوبر 2023 طُويت أخيرًا. وسيتمكن سكان غزة من الأكل والشرب والنوم والعلاج دون الخوف على حياتهم. كما سيتمكن الإسرائيليون من التنفس، والاستيقاظ من كابوس طويل، وربما فتح أعينهم على حرب الإبادة التي شُنّت باسمهم. لكن بقية القصة ما تزال قيد الكتابة، ومن الواضح أن دونالد ترامب مخطئ في أمر جوهري: الأصعب لم يأتِ بعد.
وتابع المؤرخ الفرنسي فينسان لومير معتبرًا أن الفجوة بين “خطة ترامب” و“الخطة الفرنسية السعودية”- التي تطرح خارطة طريق نحو حلّ الدولتين بين إسرائيل وفلسطين- تكمن تحديدًا في هذا الاختلاف بين حماسة ترامب الخطابية الفعالة على المدى القصير ولكنها متقلبة، وبين العمل الدبلوماسي المثابر والجماعي والهادئ الذي يسعى لتحويل وقف إطلاق النار إلى تهدئة، والتهدئة إلى سلام عادل ودائم. ومثّل اليوم الصاخب في شرم الشيخ لقاءً غير متوقَّع بين زمنين مختلفين ورؤيتين متباينتين للتاريخ، يقول المؤرخ الفرنسي.
عرض إمبراطوري
بدأ اليوم بتأخير طويل بسبب الخطاب الممل الذي ألقاه ترامب في الكنيست الإسرائيلي في القدس، حيث سخر من رؤساء الدول الذين ينتظرونه في مصر، قائلاً: “ربما سيفقدون صبرهم ويغادرون، من يدري؟”. ولم يلتفت كثيرًا إلى النائبين البرلمانيين عوفر كاسيف وأيمن عودة اللذين رفعا لافتتين كتب عليهما “إبادة جماعية” و“الاعتراف بفلسطين”. وقد ذكّره البرلمانيان، أحدهما يهودي والآخر عربي، بالمطلبين الأساسيين لتحويل وقف إطلاق النار الهش إلى مسار سلام: العدالة والأفق السياسي. لكن هذه التفاصيل لم تهمّ ترامب، يقول فينسان لومير.
عندما وصل أخيرًا إلى شرم الشيخ، واصل الرئيس الأمريكي عرضه الإمبراطوري على منصة كتب عليها “السلام 2025”. وقد استقبل رؤساء الدول واحدًا تلو الآخر وكأنهم أتباع له، مبرزًا هيمنة بلاده. لكن المفارقة أن ترامب، بينما كان يستعرض، كان الأوروبيون والعرب يعملون في الكواليس. وكلّما طال عرضه، زاد وقتهم للعمل، يُشير المؤرخ الفرنسي، موضحًا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استغل الانتظار لعقد لقاءات ثنائية مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، ثم نظّم معهم “قمة مصغّرة أوروبية عربية” انضمّت إليها أيضًا رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وآخرون.
كما التقى ماكرون بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي دُعي في اللحظة الأخيرة لتعزيز فكرة إقامة إدارة فلسطينية مستقبلية في غزة. وقد أجبر ترامب على مصافحته أمام عدسات الكاميرات، رغم أنه كان قد رفض منحه تأشيرة لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة.
سيرك دبلوماسي
في الكواليس، – يُواصل المؤرخ الفرنسي فينسان لومير- تحدّث ترامب عن إمكانية تعيين توني بلير لرئاسة “مجلس السلام” لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة، لكنه تراجع بعد تحفّظات على رمزية الانتداب البريطاني القديم على فلسطين. وحاول أيضًا إحضار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى القمة، لكن القادة العرب ثنوه عن ذلك.
وفي خضمّ الفوضى الدبلوماسية، بدأت نتائج إيجابية تلوح في الأفق: عباس حضر، بلير تراجع، نتنياهو عُزل، يقول المؤرخ الفرنسي، معتبرًا أن الجهد الأوروبي-العربي انصبّ على ثلاثة ملفات أساسية:
أولًا، الملف الإنساني، حيث يتعيّن مضاعفة عدد الشاحنات التي تدخل غزة. فخطة ترامب تنص على 600 شاحنة يوميًا، بينما كان العدد قبل 7 أكتوبر 2023 نحو ألف شاحنة يوميًا.
ثانيًا، الملف الأمني، في ظل الفوضى وانتشار السلاح في غزة والضفة الغربية. وهنا يجب سدّ ثغرات خطة ترامب بالخطة الفرنسية-السعودية، خصوصًا في ما يتعلق بـ“بعثة الاستقرار” التي بدأت دول عديدة تُبدي استعدادها للمشاركة فيها، وربما تحظى بتفويض من مجلس الأمن الدولي.
أما في الضفة الغربية، فالمشكلة الأخطر هي تسليح المستوطنين، إذ مُنح أكثر من 200 ألف منهم تراخيص سلاح منذ أكتوبر 2023، ما أدى إلى مقتل أكثر من ألف فلسطيني في عامين، أي ما يعادل تقريبًا ضحايا خمس سنوات من الانتفاضة الأولى. وهذا وحده كفيل بفرض عقوبات عاجلة على المستوطنين المتطرفين ووزراء حكومة نتنياهو المتواطئين معهم، لكن أحدًا لم يتحدث عن ذلك في شرم الشيخ، يشير فينسان لومير.
الإصلاح السياسي وانتخابات 2026
على الصعيد السياسي، – يتابع المؤرخ الفرنسي – تتركز الجهود على صياغة دستور فلسطيني جديد وتنظيم انتخابات عامة قبل نهاية عام 2026، وذلك بمساعدة أدوات رقمية تتيح للفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس الشرقية التصويت عبر هواتفهم المحمولة، لتفادي منع الاحتلال لمكاتب الاقتراع كما حدث عام 2021.
ويبرز اسم مروان البرغوثي كأكثر المرشحين حظًا لقيادة الشعب الفلسطيني، وهو يقضي اليوم عقوبة السجن المؤبد منذ عام 2004، وقد أمضى 23 عامًا خلف القضبان. فهو عضو في حركة “فتح”، ومناضل ضد الفساد ومن أجل المساواة بين الجنسين، وزعيم “حركة الأسرى” التي تضم مختلف الفصائل الفلسطينية. وقد كتب “نداء الأسرى” عام 2006 داعيًا إلى دولة فلسطينية ضمن حدود يونيو 1967. وفي مقابلة عام 2002 مع واشنطن بوست، أكّد رفضه استهداف المدنيين الإسرائيليين.
فينسان لومير: تحدّث ترامب عن إمكانية تعيين توني بلير لرئاسة “مجلس السلام” لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة، لكنه تراجع بعد تحفّظات على رمزية الانتداب البريطاني القديم على فلسطين
تُظهر استطلاعات الرأي أنه سيفوز بسهولة في الانتخابات الرئاسية إذا أُفرج عنه، لكن إسرائيل تستثنيه باستمرار من قوائم تبادل الأسرى رغم المطالبات الدولية بالإفراج عنه.
نحو نقطة التقاء جديدة
ومضى فينسان لومير قائلًا إنه في غضون شهر واحد، أدّى اعتراف 11 دولة غربية، منها فرنسا وكندا وأستراليا والمملكة المتحدة، بدولة فلسطين، إلى تحوّل كبير في ميزان القوى، ما أجبر دونالد ترامب على الضغط على نتنياهو للقبول بوقف إطلاق النار.
لكن هذا الزخم قد يتبدّد سريعًا إن لم يجد امتدادًا شعبيًا ودبلوماسيًا، لذلك دعا المؤرخ الفرنسي إلى تعبئة دولية من أجل الإفراج عن مروان البرغوثي، لتصبح قضيته محورًا جامعًا كما كانت قضية نيلسون مانديلا في الثمانينيات رمزًا للنضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. فالدعوة إلى حرية مروان البرغوثي يمكن أن تكون اليوم نقطة التقاء لكل من يؤمن بسلام عادل ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يختم فينسان لومير مقاله في صحيفة لوموند الفرنسية.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.