16/10/2025
دولي 17 قراءة
ثلاثة مسارات لإلغاء المحاكمة..نتنياهو ينتقل إلى مربّع الهجوم!

الاشراق
الاشراق | متابعة.
دخلت محاكمة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، منعطفاً جديداً، بعدما جدّد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، دعوة نظيره الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، إلى منْح «بيبي» عفواً يُسقط عنه تُهم الفساد. ومن «الكنيست»، توجّه ترامب إلى هرتسوغ، قائلاً: «سيدي الرئيس، لديّ فكرة، لماذا لا تمنحه عفواً؟»، ثمّ أضاف: «للمناسبة، لم يكن هذا ضمن خطابي، لكنّني معجب بهذا الرجل، ويبدو كلامه منطقيّاً جدّاً، سواء أحببنا ذلك أم لا، فهو أحد أعظم الرؤساء في وقت الحرب». وقلّل، في الوقت ذاته، من خطورة الاتّهامات الموجّهة إلى نتنياهو، بالقول: «السيجار والشمبانيا؟ مَن يهتمّ بهذا؟».
لكنّ جلسات محاكمة رئيس حكومة الاحتلال في ملفات الفساد، استؤنفت صباح أمس، بعد نحو شهر من توقّفها، ليسارع نتنياهو، إلى الطلب من المحكمة إنهاء إفادته باكراً، بادّعاء إصابته بـ«التهاب الشعب الهوائية»، علماً أنه طلب في وقت سابق إلغاء الجلسة بذريعة زيارة رئيسَي إندونيسيا وقبرص، إلّا أنّ الأخيرَين ألغيا زيارتيهما، ما اضطرّه إلى المثول أمام المحكمة. ورغم حضوره، وتشديده على كونه «يعاني من الرشح الشديد»، من دون أن ينجح في التملّص من الجلسة، فهو تلقّى مغلّفاً دفَعه إلى مغادرة القاعة، قبل أن يعود إليها لاحقاً.
وظهر أنّ دعوة ترامب، إلى منح نتنياهو عفواً، هيمنت على أجواء المحاكمة، التي هاجمها وزير القضاء الإسرائيلي، ياريف ليفين، واصفاً إيّاها بأنها «تتعارض مع العدالة ومصلحة الدولة». وأعلن أنه سيدعم مشروع قانون يتيح لوزير الأمن تقليص أو تقييد عدد جلسات محاكمة رئيس الحكومة في أثناء مدّة الحرب، معتبراً أنه «ما كان يجب أن يُقدَّم إلى المحاكمة أصلاً».
وينصّ مشروع القانون على «تقليص عدد الجلسات لدواعٍ تتعلّق بأمن الدولة، فيما سيكون وزير الأمن مخوّلاً في كل وقت بعد تقديم لائحة الاتهام وقبيل النطق بالحكم وبالتشاور مع وزير القضاء، التوجّه برسالة مفصّلة إلى المحكمة خلال 180 يوماً، للإيعاز بتقليص الإجراء الجنائي، في حال كانت الجلسات بوتيرتها العادية تمسّ فعلاً بأمن الدولة، على أن يكونا مخوّلَين أيضاً في ما بعد تمديدها لفترات إضافية لا تتخطّى كلّ منها الـ180 يوماً».
وفي إطار حملة الدعم لنتنياهو أيضاً، وصل أعضاء «كنيست» ووزراء إلى مبنى المحكمة المركزية في تل أبيب، حيث واجههم متظاهرون خارجها، وأطلقوا هتافات ضدّهم، متّهمين رئيس الحكومة بمحاولة منع إجراء انتخابات حرّة، ومطالبين المحكمة العليا بإلغاء تعيين رئيس «الشاباك» المعيّن حديثاً، دافيد زيني، وحماية الديموقراطية.
في المقابل، وفي محاولته حماية نفسه، يتحرّك نتنياهو، ضمن عدّة مسارات لمنع إدانته، يتقدّمها إحداث التغييرات الضرورية في الجهاز القضائي. وفي هذا الإطار، ذكرت مصادر عبرية أنّ نتنياهو، يتّجه إلى إقالة المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف-ميارا، وتعيين خلفٍ لها، يكون أول قرار على جدول أعماله إلغاء محاكمة رئيس الحكومة، وإلغاء التحقيقات في قضيّة «قطر غيت» التي تورّط فيها، وقضية تسريب مستشاريه وثيقة سرّية إلى صحيفة «بيلد» الألمانية، وإلغاء أيّ تحقيق في المستقبل يكون «بيبي» ضالعاً فيه.
الرسالة الهجومية التي وجّهها ترامب، ضدّ محاكمة نتنياهو، كانت بتنسيق مسبق بينهما
وسيترافق ذلك، مع قيام نتنياهو، بتشريع أنظمة تضمن فوز ائتلافه في الانتخابات؛ ولأنّ الوقت بات محدوداً، مع ارتقاب إجراء الانتخابات منتصف العام المقبل، يتّجه رئيس الحكومة إلى «إطاحة المستشارة القضائية في الأسابيع القريبة، إذ يصبح من الصعب على الائتلاف إطاحتها، وتعيين خلفٍ لها وتنفيذ التشريعات».
أمّا المسار الآخر، فيتمثّل في الاستعانة بترامب، وحثّه على الضغط على المسؤولين في إسرائيل، لإصدار عفو عام عن رئيس الحكومة، خاصة وأنّ الدعوة التي أطلقها الرئيس الأميركي من «الكنيست»، ليست بأيّ حال الأولى من نوعها، إذ سبق أن طلب نتنياهو من ترامب، في حزيران الماضي، التدخّل لإلغاء محاكمته، أو منحه عفواً فوريّاً. وفي حينه، ذكرت صحيفة «هآرتس» أنّ الرسالة الهجومية التي وجّهها ترامب، ضدّ محاكمة نتنياهو، كانت بتنسيق مسبق بينهما، وأنّ الأخير يعمل على استغلال علاقاته مع الرئيس الأميركي لتوظيف «الإنجازات العسكرية» الأخيرة ضدّ إيران، كورقة ضغط على القضاء الإسرائيلي، لإنهاء محاكمته من دون إدانة أو إقرار بالذنب.
وذهب الرئيس الأميركي إلى حدّ التهديد بقطع المساعدات الأمنية الأميركية عن إسرائيل، في حال استمرّت المحاكمة، فيما وصفت الصحيفة ذلك، بأنه «فكرة خطيرة زرعها نتنياهو نفسه في رأس ترامب»، واعتبرتها «أمراً مقزّزاً» في سياق استغلال العلاقة مع ترامب، لأهداف شخصية وداخلية بحتة.
وبالنسبة إلى المسار الثالث، فهو محاولة بناء معارضة داخلية لمحاكمته، عبر تحشيد قادة «الليكود» وأعضاء الائتلاف الحاكم، وهو ما ظهر جليّاً في جلسة محاكمته، أمس، بعدما تبيّن أنّ كبار مسؤولي حزبه تلقّوا دعوة عاجلة للحضور إلى المحكمة المركزية للإدلاء بشهاداتهم في محاكمة رئيس الوزراء. وقال مسؤول كبير في «الليكود» إنّ «ترامب قال بصوت عالٍ ما يفكر فيه الكثيرون سرّاً. حان الوقت ليسمع النظام القضائي… نتنياهو ليس وحيداً».
وكان رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية، القاضي يتسحاق عميت، والمستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف-ميارا، استُبعدا من المراسم الاحتفالية التي ألقى فيها ترامب، خطابه في «الكنيست»، ما فتح فصلاً جديداً في الصراع الحادّ بين السلطات، وهو ما استنكره هرتسوغ، قائلاً: «هذا مساس خطير بالنهج المؤسّساتي واحترام سلطات الحكم. في يوم الوحدة، هذا عمل غير لائق»، ليقابَل بردّ من رئيس «الكنيست»، أمير أوحانا، الذي قال: «من المؤسف أن يتوقّع الرئيس ممَّن يدوس على الكنيست أن يتلقّى دعوة شرف منها. لقد تجاوزت السلطة القضائية حدود صلاحيّتها عندما تدخّلت في قوانين أساسية». وتابع أوحانا أنه «ما دمت أنا رئيس الكنيست»، لن تُدعى بهاراف-ميارا، التي اتّهمها بأنها «تتجاهل الرسائل والأدلّة حول تسريبات خطيرة».
وصعّد نائب نتنياهو ووزير العدل، بدوره، من لهجته، معتبراً أنّ «القاضي يتسحاق عميت، لم يُنتخب بشكل قانوني رئيساً للمحكمة العليا، والمستشارة بهاراف-ميارا، أُقيلت بشكل قانوني بقرار من الحكومة. مَن يعمل من دون صلاحية، لا يجب أن يعظ حول النهج المؤسّساتي». وأكمل: «أتوقّع من رئيس الدولة أن يقف إلى جانب الكنيست والحكومة. لقد ولّت الأيام التي كنّا فيها نخفض رؤوسنا أمام النظام القضائي، ولن تعود».
منشور للكاتب أحمد العبد.