12/10/2025
ثقافة و فن 35 قراءة
من نيويورك إلى مدريد.. أصوات فلسطين تعيد تعريف حرية التعبير

الاشراق
الاشراق | متابعة.
نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرًا أعدته ثُلّة من مراسليها في مدريد ونيويورك وبرلين وباريس وروما ودبلن، قدموا فيه صورة عن حركة الاحتجاج المؤيدة لفلسطين والمعارضة لحرب غزة، وكيف واجهت هذه الحركة، التي انتشرت على نطاق العالم، قمعًا مستمرًا ومقاومة من المحتجين.
وقالوا إن حركات الاحتجاج والمسيرات الحاشدة التي طالبت بوقف الحرب الإبادية في غزة مثّلت امتحانًا للحكومات وموقفها من حرية التعبير، حيث واجهت هذه التظاهرات بالمنع والاعتقال وتقييد مدى حرية التعبير.
وفي الوقت الذي انتشرت فيه مظاهر الفرح بين الفلسطينيين في غزة والإسرائيليين لنهاية الحرب وموافقة كل من “حماس” وإسرائيل على صفقة توقف الحرب وتسمح بعودة الأسرى لدى “حماس” وانسحاب إسرائيلي من القطاع إلى نقطة متفق عليها، إلا أن الغضب في أوروبا والولايات المتحدة، الذي تمظهر على خلفية الحرب التي وصفتها لجنة تابعة للأمم المتحدة بالإبادية، لم يَخمد، حيث خرجت مظاهرات عارمة في إسبانيا وإيطاليا ولندن في نهاية الأسبوع.
تقول ميلوني إن إيطاليا ستعترف بدولة فلسطينية إذا تم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المتبقين وخروج حركة “حماس” من الحكومة
ومع أن الغضب الذي يغذي الاحتجاجات كان مشتركًا وواحدًا، إلا أن ردّ المتظاهرين والسلطات كان متباينًا من بلدٍ إلى آخر. وإذا كان رد بعض الدول تعسفيًا، فإن التسامح مع الاحتجاجات كان استثناء، وخاصة في الدول التي يدعم فيها الرأي العام فلسطين وقضيتها.
في الولايات المتحدة، قوبل النشاط المتنامي المؤيد للفلسطينيين باعتقالات وإجراءات قانونية وتهديدات متزايدة، ما وفَّر ذريعة لهجوم إدارة ترامب غير المسبوق على حرية التعبير، وحفّز ما يراه الكثيرون انحدارًا في البلاد نحو الاستبداد.
وفي الأشهر الأولى من الحرب، شارك آلاف الأشخاص، كثير منهم يهود، في احتجاجات. وبعد أن أقام طلاب جامعة كولومبيا مخيمًا مؤيدًا للفلسطينيين في الحرم الجامعي في ربيع عام 2024، تبعهم العشرات في جامعات أخرى في جميع أنحاء البلاد. وردّت العديد من الجامعات، واستجابةً لضغوط المشرعين والمانحين والمنتقدين المؤيدين لإسرائيل، بقسوة متناهية على المخيمات واستدعت الشرطة إلى حرمها الجامعي، ما أدى إلى آلاف الاعتقالات.
واستغلت إدارة ترامب مزاعم معاداة السامية ضد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين لشن هجوم غير مسبوق على الحرية الأكاديمية، بما في ذلك خفض تمويل الجامعات بمليارات الدولارات، والتدقيق في آلاف المتقدمين للحصول على تأشيرات بحثًا عن آراء مؤيدة للفلسطينيين، واحتجاز ومحاولة ترحيل باحثين أجانب بسبب آرائهم السياسية.
في بريطانيا، اعتقلت شرطة لندن حتى الآن أكثر من 1,900 شخص في فعاليات مؤيدة للفلسطينيين، غالبيتهم احتُجزوا بزعم التعبير عن دعمهم لحركة الفعل “بالستاين أكشن”، التي قررت الحكومة حظرها هذا الصيف بموجب تشريعات مكافحة الإرهاب.
ودعا المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، إلى إلغاء الحظر، واصفًا إياه بأنه “غير متناسب وغير ضروري”.
ووصف رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، التظاهرات التي نُظّمت في ذكرى هجوم “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر بأنها “غير بريطانية”، وقال إن حكومته ستنظر في فرض المزيد من القيود على الاحتجاجات، بما في ذلك منح صلاحيات محتملة لاتخاذ إجراءات ضد هتافات محددة في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين. كما حثّ ستارمر المتظاهرين على إظهار الاحترام بإلغاء أنشطتهم في أعقاب هجوم على كنيس في مانشستر، أودى بحياة شخصين.
في ألمانيا، التي تأثرت هويتها ما بعد الحرب العالمية الثانية بذكرى الهولوكوست وما قام به النظام النازي، كشفت الاحتجاجات عن توترات بين الشعور الشعبي وتضامن البلاد الراسخ مع إسرائيل.
حتى مع انقلاب الرأي العام ضد هجوم الحكومة الإسرائيلية المتواصل على غزة، حيث اجتذبت مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في برلين مؤخرًا حوالي 100,000 متظاهر، أعادت الحكومات الألمانية المتعاقبة التأكيد على مبدأ أن مسؤولية أمن إسرائيل جزء من “منطق الدولة” في برلين.
مع ذلك، تحدث ناشطون أكثر من مرة عن أن الشرطة كانت مفرطة في ردها، ووحشية في بعض الأحيان، ومخالفة للحماية الدستورية لحرية التجمع والتعبير.
وقد تمحور جزء كبير من الخلاف بين المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين والسلطات الألمانية حول الشعارات المحظورة بموجب القانون باعتبارها معادية للسامية.
في أيار/مايو من العام الماضي، أُدينت ناشطة مؤيدة للفلسطينيين بالتغاضي عن جريمة لاستخدامها شعار “من النهر إلى البحر، فلسطين حرة” في تجمع جماهيري بعد أربعة أيام من هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقالت القاضية إنها “لم تستطع فهم” منطق أحكام المحاكم الألمانية السابقة التي قضت بأن الشعار “غامض”، وأنه من الواضح بالنسبة لها أنه “ينكر حق دولة إسرائيل في الوجود”.
ومع ذلك، استخدم هذا الشعار على نطاق واسع للدعوة إلى المساواة في الحقوق في كل من إسرائيل وفلسطين. وعندما سُئلت شرطة برلين، هذا الشهر، عن حملات القمع ضد النشاط المؤيد للفلسطينيين بعد قضية وحشية مزعومة ضد متظاهر أيرلندي، قالت إنها فتحت تحقيقًا مع الضابط، لكنها نفت وجود نمط من العنف أو انتهاك الحقوق المدنية.
وأشار فنانون ومثقفون إلى الخوف الواسع في ألمانيا من دعم القضية الفلسطينية، منذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث يمكن تشويه سمعة أي انتقاد للأساليب الإسرائيلية في غزة بسرعة باعتباره معاداة للسامية، ما يؤدي إلى سحب الجوائز والمناصب والتمويل العام. وفي الوقت نفسه، وصف قادة يهود شعورهم بالعزلة في ألمانيا وارتفاع معدلات معاداة السامية.
في فرنسا، أعلنت وزارة الداخلية، في أيار/مايو من هذا العام، أنها ستحل جمعية حقوق الإنسان والتضامن مع فلسطين “إريجنس بالستاين”، مشيرة إلى أنها تتسامح مع “حماس” وتدعو إلى انتفاضة في فرنسا وتثير الكراهية والعنف والتمييز ضد اليهود.
وقد طعنت “إريجنس بالستاين” في هذه الادعاءات، قائلة إن خطوة حلها ذات دوافع سياسية وجزء من حملة قمع أوسع على النشاط المؤيد للفلسطينيين. ولم يتم حل الجمعية بعد.
وقالت ماري لور جيفري، مسؤولة الدفاع عن الحريات في منظمة “أمنستي إنترناشونال- فرنسا”، إنه كان هناك “قمع كبير وإسكات للأصوات المتضامنة مع فلسطين”، وإن هذا مستمر.
في إيطاليا، تجلّى مدى معارضة الرأي العام لحرب إسرائيل في 22 سبتمبر/أيلول، عندما خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع مطالبين بإنهاء الصراع في إطار إضراب عام نسقته النقابات العمالية.
وقد طغت على هذا الحدث السلمي في معظمه اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين ملثمين في محطة قطار ميلانو المركزية، ما أتاح لرئيسة الوزراء جورجيا ميلوني فرصة لإدانة هذه المشاهد التي وصفتها بـ “المخزية”، ومهاجمة خصومها اليساريين، بدلًا من إظهار التضامن مع الفلسطينيين.
وازداد الضغط على ميلوني أكثر عندما أثار اعتراض إسرائيل لأسطول “الصمود العالمي” احتجاجات في جميع أنحاء إيطاليا بعد تسعة أيام. وقالت شرطة روما إن ما لا يقل عن 250,000 شخص شاركوا في مسيرة جاءت بعد يوم من مشاركة أكثر من مليوني شخص في إضراب عام ليوم واحد لدعم الفلسطينيين في غزة.
وحاولت حكومة ميلوني مجاراة الرأي العام، وقد ازداد انتقادها، في الأشهر الأخيرة، لقتل إسرائيل للفلسطينيين، حتى مع بقاء إيطاليا واحدة من أقوى حلفاء إسرائيل في الاتحاد الأوروبي.
وتقول ميلوني الآن إن إيطاليا ستعترف بدولة فلسطينية إذا تم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المتبقين وخروج حركة “حماس” من الحكومة.
في أيرلندا، التي انضمت إلى النرويج وإسبانيا للاعتراف بالدولة الفلسطينية في أيار/مايو 2024، تعاملت قوة الشرطة “الغاردا سيوشانا” بشكل معتدل في الغالب مع احتجاجات غزة، التي عادة ما تمر دون حوادث. كما تميل سياسة الحكومة والرأي العام بشدة إلى دعم الفلسطينيين، ما خلق مناخًا داعمًا للمسيرات والمظاهرات.
وقالت زوي لولور، رئيسة حملة التضامن الأيرلندية مع فلسطين: “بشكل عام، إنها نوع من عدم التدخل في عمل الشرطة”. وأضافت: “تمر المظاهرات الوطنية بشكل جيد. في ليمريك، ننظم مظاهرة أسبوعيًا ولا نرى الشرطة، إلا إذا حضر اليمين المتطرف. وإلا، فإننا نكتفي بمراقبة أنفسنا”.
وأضافت لولور أن الشرطة أظهرت أحيانًا “تشدّدًا” في التعامل مع الاعتصامات وأعمال العصيان المدني، لكن ذلك لا يقارن بسلوك الشرطة “المروّع” في بعض الدول الأخرى.
استغلت إدارة ترامب مزاعم معاداة السامية ضد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين لشن هجوم غير مسبوق على الحرية الأكاديمية
وفي الغالب تمتع المتظاهرون في أيرلندا بحرية احتجاج أكبر مقارنة بدول مثل بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا، إلا أن الشرطة الأيرلندية لا تزال بحاجة إلى مراقبة، وفقًا لجو أوبراين، المدير التنفيذي للمجلس الأيرلندي للحريات المدنية. وأضاف: “لقد استمعنا إلى شهادات، بما في ذلك مزاعم عن عمليات تفتيش غير ضرورية بالتجريد من الملابس وتفتيش في الجيوب، ما يثير مخاوف جدية بشأن امتثال الشرطة لأطر حقوق الإنسان والقوانين واللوائح والسياسات الوطنية التي تحكم معاملة الأشخاص المحتجزين”.
ومن بين الدول الغربية، كانت إسبانيا استثناء في ما يتعلق بدعم الحكومة. فبعد فترة وجيزة من إجبار أكثر من 100,000 متظاهر مؤيد للفلسطينيين على إنهاء سباق الدراجات “فويلتا إسبانيا” في مدريد، الشهر الماضي، قبل انتهائه، بسبب مشاركة فريق “إسرائيل بريميير تيك”، اصطف كبار السياسيين الإسبان للتنديد بالضرر الذي ألحقه الاحتجاج بسمعة البلاد العالمية.
ووصفت شخصيات في “حزب الشعب” المحافظ الحادثة بأنها “إحراج دولي”، وقارنت مشاهد شوارع مدريد بـ”سراييفو خلال الحرب”.
لكن شخصية سياسية واحدة اتخذت موقفًا مختلفًا، إذ قال رئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي، بيدرو سانشيز، إنه “يعجب بشدة” بجميع من احتجوا بطريقة سلمية، وبـ”المجتمع الإسباني الذي يحشد ضد الظلم ويدافع عن أفكاره بطريقة سلمية”.
كما أعرب سانشيز، الذي تعرض لانتقادات لاذعة من خصومه، عن أمله في أن تدفع أحداث مدريد الآخرين إلى إعادة النظر في إدراج إسرائيل في الأحداث الرياضية الكبرى.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، تظاهر ما يُقدّر بنحو 200,000 شخص في عشرات المدن الإسبانية للتعبير عن تضامنهم مع فلسطين. وتُظهر الاحتجاجات ودعم رئيس الوزراء لها قوة الرأي العام في بلدٍ يعتقد فيه 82% من سكانه، وفقًا لاستطلاع رأي حديث، أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
كما بدأ خصوم سانشيز المحافظون مؤخرًا في تصعيد انتقاداتهم لسلوك إسرائيل في غزة، بينما استغل الملك فيليب- وهو ليس من محبي إثارة الجدل- خطابًا أمام الأمم المتحدة، الشهر الماضي، ليتوسل إلى إسرائيل “لوقف المذبحة” وإنهاء “أعمالها البغيضة” في غزة.