23/09/2025
السياسية 87 قراءة
أغلبية الضحايا مدنيون.. "إسرائيل" بإعتراف غير مباشر!

الاشراق
الاشراق | متابعة.
قبل عشرة أيام، وصل رئيس الأركان السابق هرتسي هليفي لمحادثة مع أعضاء “موشاف عين هبسور” في غلاف غزة. خلال المحادثة التي حاول فيها الاعتذار عن فشل 7 أكتوبر، قال لأعضاء “الموشاف”: يوجد 2.2 مليون مواطن في غزة، أكثر من 10 في المئة منهم قتلوا أو أصيبوا. هذه ليست حرباً لطيفة”. هذه المرة لم تكن الأولى التي تؤكد فيها شخصية إسرائيلية رفيعة على معطيات وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة.
حسب وزارة الصحة الغزية، فقد قتل حتى الآن 65.283 شخصاً، وأصيب أكثر من 166 ألف شخص، أي حوالي 230 ألف شخص بالإجمال. في آذار 2024 أكد نتنياهو على بيانات وزارة الصحة الفلسطينية عندما قال إن إسرائيل قتلت 13 ألف مخرب، و1 – 1.5 مدني مقابل كل مخرب. نتيجة هذه المناورة كانت قريبة جداً من معطيات وزارة الصحة في غزة حول الوفيات. هكذا، في الوقت الذي تنكر فيه إسرائيل المعطيات بصورة رسمية، فإنها تعترف فعلياً بأنها معطيات موثوقة. يجب الذكر أيضاً بأن وزارة الصحة لا تكتفي بنشر أعداد، بل تدعمها بقائمة مفصلة تشمل الاسم الكامل (بما في ذلك اسم الأب والجد) وأرقام هوية القتلى. رقم الهوية تصدره إسرائيل. لو اعتقدت حكومة إسرائيل أن القوائم غير موثوقة، فإن وزارة الصحة الحمساوية قد أعطتها كل الأدوات لدحضها. تنازل إسرائيل عن محاولة دحض القوائم يدل على موثوقيتها أيضاً.
أستوديوهات إسرائيل لا تعنى بالسؤال عن عدد القتلى في غزة، لكن النقاش الأساسي يتركز على مسألة هويتهم – كم يبلغ قتلى مقاتلي حماس والتنظيمات المسلحة الأخرى، وكم عدد غير المتورطين؟ باللغة العسكرية. إسرائيل تطرح ادعاء صحيحاً فيما يتعلق بقوائم وزارة الصحة – يقول إنها لا تميز بين المسلحين والمدنيين. لكن سلسلة طويلة من الأبحاث والتقارير التي نشرت خلال الحرب، وكذلك المقارنة بين معطيات الجيش الإسرائيلي ومعطيات وزارة الصحة في غزة، تزيد الشك بأن المدنيين هم الأغلبية الساحقة من بين القتلى في غزة – نسبة أعلى من المعطيات الرسمية الإسرائيلية (التي تتحدث على الأغلب عن مواطن أو مواطنين قتلى مقابل كل مسلح)، وأعلى من أي حرب أخرى في القرن الحادي والعشرين.
في 20 آب، نشر المتحدث باسم الجيش ملخصاً لعملية “عربات جدعون”، التي بدأت مع خرق وقف إطلاق النار في 18 آذار (التي تحولت بعد ذلك إلى عربات جدعون 1، إزاء بداية عملية عربات جدعون 2). تفاخر الجيش الإسرائيلي في البيان بقتل أكثر من 2100 مخرب. وشمل البيان أسماء 34 قائداً أو زعيماً من حماس، الذين قتلوا في هذه الفترة على يد الجيش الإسرائيلي. في اليوم نفسه، حسب وزارة الصحة الفلسطينية، تم إحصاء 10576 قتيلاً منذ خرق وقف إطلاق النار أي حوالي 20 في المئة من القتلى فقط هم من المدنيين ومن أعضاء حماس. في نفس بيان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، قيل إنه في تلك الفترة كان هناك حوالي 10 آلاف هجوم في القطاع. وبكلمات أخرى، وحسب الجيش الإسرائيلي، في المتوسط، كل مخرب قتل في القطاع يحتاج إلى 5 هجمات منفصلة. الجيش لم يفسر بشأن الـ 80 في المئة من المدنيين الذين قتلوا في كل هجوم.
في التحقيق الذي نشرته الأسبوع الماضي منظمة “موقع الصراع المسلح وبيانات الحادث” (إي.سي.إل.إي.دي)، وهي منظمة أمريكية غير حكومية توثق النزاعات العنيفة، أدعى أن عدد المسلحين الذين قتلوا في هذه الفترة لا يزيد على 1100، أي أقل 10 في المئة. مع ذلك، هذه المنظمة لا تعطي تفاصيل عن كيفية استخراج هذا العدد. هذا المعطى عن النسبة الكبيرة للمدنيين القتلى، يتساوق أيضاً مع بحث من شهر آب أجراه الصحافي يوفال أبراهام في موقع “محادثة محلية” وفي “الغارديان” على أساس قاعدة البيانات التابعة لـ “أمان”. حسب أبراهام، فإنه في أيار تم توثيق في قاعدة البيانات 8900 من رجال حماس و”الجهاد الإسلامي”، كما يبدو قتلى. في الوقت نفسه، بلغ عدد قتلى حماس حوالي 53 ألفاً. المعنى أنه حسب هذه البيانات، كان حوالي 17 في المئة من القتلى مسلحين أو تم تشخيصهم كرجال حماس.
وفي مراحل أكثر تقدماً للحرب، حاول مراسلون وبعض المنظمات فحص بيانات الجيش الإسرائيلي. في شباط 2024 نشرت “بي.بي.سي” تحقيقاً حاول فحص ادعاء الجيش الإسرائيلي الذي يقول إنه قتل حتى ذلك الحين 10 آلاف مخرب، ووجد أن هذا العدد غير معقول. ومنظمة “اير وورز” التي حللت الأسابيع الثلاثة الأولى للحرب وجدت أن نسبة النساء والأطفال القتلى في هذه المرحلة كانت استثنائية في كل مقارنة دولية أخرى. عدد المسلحين الذين قتلوا في هذه الفترة كان صغيراً. من بين الـ 606 هجمات التي وثقتها المنظمة، فإن 26 منها وجدت فيها أدلة على قتل شخص مسلح. الباحث والمدون عيدان لنداو، الذي تابع بيانات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي فيما يتعلق بعدد القتلى، توصل إلى استنتاج مشابه، ومثله المؤرخ لي مردخاي الذي يدير قاعدة بيانات ضخمة حول الحرب. ومنظمة “آكشن اون ارند فيولينس”، التي فحصت البيانات في تشرين الثاني 2024 توصلت إلى استنتاج بأن 74 في المئة من القتلى حتى ذلك الحين هم من المدنيين.
يمكن أيضاً فحص القوائم الاسمية لوزارة الصحة في غزة. يتضح من البيانات أن 46 في المئة من القتلى هم من النساء والأطفال تحت جيل الـ 18، وبينهم أكثر من 940 طفلاً رضيعاً دون السنة. هذا الرقم هو ضعف أي نزاع آخر تم فحصه في الحروب منذ التسعينيات، ويدل -حسب الباحث البريطاني البروفيسور مايكل شفغيت- على حجم المس بالمدنيين.
يمكن معرفة نسبة المدنيين الذين قتلوا في غزة من صمت المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي فيما يتعلق بهجمات محددة طلب منه الرد عليها. قبل ثلاثة أسابيع، طلبت “هآرتس” من المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي رداً على 29 هجوماً موثقاً من آب، التي قتل فيها 180 شخصاً. في معظم الحالات، لم يتم إعطاء رد موضوعي حول سبب الهجوم أو رد على سؤال ما إذا لدى الجيش الإسرائيلي أي دليل على تشخيص القتلى.
في الأسبوع الماضي، سئل الجيش الإسرائيلي مرة أخرى عن موت 23 شخصاً من أبناء عائلة زقوت في غزة. ولكن دون أن تقدم إجابة. في عشرات الأحداث الأخرى التي تم التحقيق فيها بشكل جيد من قبل منظمات حقوق إنسان ومراسلين، تبين أن سياسة إطلاق النار للجيش الإسرائيلي تسمح بقتل جماعي للمدنيين حتى عندما يكون الخطر على حياة القوات ضئيلاً أو أن هدف الهجوم شخص واحد في الجهاز العسكري للعدو.
القتال في غزة يجري خلف ستار دخان. الجمهور الإسرائيلي والمراسلون يجدون صعوبة في استخلاص الحقيقة حول ما يحدث في غزة. ولكن يتبين من بين كل التحقيقات والتقارير والشهادات المتراكمة، وجود صعوبة كبيرة في قبول الادعاءات الإسرائيلية بشأن احترام قوانين القتال والامتناع عن المس بالأبرياء. تفسير هذه السياسة يمكن إيجاده في أقوال هاليفي التي قالها لأعضاء عين هبسورا في لقائه معهم: “بين سنة ونصف وسنة وسبعة أشهر، هاجمنا في كل الشرق الأوسط كثيراً وبكميات ضخمة. لم يقيدني أحد يوماً، حتى المدعي العام العسكري. بالمناسبة، ليس للمدعي العام العسكري صلاحية لتقييدي”.
الانشغال بالأرقام قد يجعلنا ننسى أن خلفها مأساة إنسانية لا يمكن تخيلها. في اليومين الأخيرين، مثلما في معظم الأيام منذ بدء الحرب، نشرت توثيقات لمدنيين قتلى في قطاع غزة: جثث، وأشلاء أعضاء في الشارع، شقيقتان قتيلتان بجانب بعضهما، طفل رضيع جثته محترقة، وكومة جثث محملة على شاحنة. من بين الصور، هناك صورة لأربعة أخوة في عائلة جملة، أخ كبير يحتضن أخاً صغيراً، شقيقتان تقفان بابتسام وخجل أمام الكاميرا. جميعهم تم قتلهم في هجوم على بيتهم في غزة فجر السبت.
من المتحدث باسم الجيش جاء: “الجيش الإسرائيلي يعمل على تقليص المس بالمدنيين والبنى التحتية المدنية وفقاً لقوانين الحرب. هو يبذل جهوداً كبيرة لاتخاذ أساليب حذرة قبل تنفيذ الهجوم. الأرقام المعروضة في التحقيق لا تتناسب مطلقاً مع التقديرات المتواصلة في الجيش الإسرائيلي بالنسبة لحجم الإضرار بنشطاء حماس ومنظومتها، التي ترتكز إلى عدد متنوع من المصادر والمعطيات”.
نقلاً عن هآرتس.. لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.