فريد بواسونا… لوحات من مصر القديمة!

ishraq

الاشراق

الاشراق | متابعة.

ضمن فعاليات (أسبوع القاهرة للصورة) المنتهي مؤخراً، وفي معهد غوته في القاهرة أقيم معرض للمصور السويسري فريد بواسونا (1858 ــ 1946)، جسّد ووثق من خلاله لقطات لمعظم المناطق المصرية، في رحلة استمرت ما يُقارب العام، أشبه بالاستكشاف للمكان والناس. وكان ذلك بتكليف من ملك مصر فؤاد الأول (1868 ـ 1936)، بهدف عمل كتاب مصوّر يضم جميع مظاهر الحياة المصرية في تلك الفترة، وقد نُشر الكتاب عام 1933 بعنوان «مصر»، وتم الاحتفاء به في حفل كبير أقيم في الجمعية الجغرافية الملكية في القاهرة.

يكشف بواسونا من خلال اللقطات العديدة التي وثق بها الطبيعة المصرية عن مدى اختلاف هذه الطبيعة وتباينها الشديد، من عالم الصحراء إلى البحر، مروراً بالنيل، فكل بيئة ولها عالمها وناسها ومخلوقاتها، وطقوسها وهو أهم ما كشفت عنه اللقطات، ومنها يمكن التساؤل عن أي منهما قد صاغ الآخر؟ طقوس جنائزية في الجنوب تقترب أكثر من جداريات مصر القديمة، بغض النظر عن الديانة وتحولاتها. هناك ملمح آخر في هذه اللقطات وهو أنسنة المكان كالجبال والصحارى، ليبدو كل منها وكأنه توثيق لحالته في لحظة معينة، حالة الأنسنة هذه تتأكد من خلال الشخوص ومدى ارتباطها أو علاقتها بعالم الطبيعة. هذه العلاقة أيضاً تتضح من خلال العمارة وتفاعل المصري معها، معابد وجوامع وكنائس، فهذه البنايات الغارقة في القِدم تبدو أكثر حياة بفعل وجودها بين الشخوص، فلم تعانِ إهمالاً أو ما شابه كتذكار من تذكارات الماضي، كلعب الأطفال بين الكباش الفرعونية في طريق الكباش، أو البيوت الطينية والطيور الداجنة على جانبي النخيل في دير مواس.


ومن المكان وتنوعاته الكثيرة تظهر تفاصيل من حياة الناس، من البيع والشراء في الأسواق، أو لعب الأطفال، حتى أداء الطقوس الدينية والشعبية على اختلافها، فالأماكن تشبه ناسها والعكس صحيح، كسكان ورواد باب زويلة في القاهرة، أو نساء أسيوط في موكبهن الجنائزي، وكذا أصحاب المراكب النيلية، أو سكان الخيام في سيناء.

التقنية والتشكيل

رغم أن اللقطات بالأبيض والأسود، إلا أن فريد بواسونا اعتمد عنصر الإضاءة كأساس للتصوير، وهو بذلك يحوّل اللقطة العادية ـ من وجهة نظر عادية ـ إلى لقطة جمالية/سينمائية، سواء من خلال العدسة أو زاوية التصوير، أو عملية تحميض الصورة نفسها، هذا في ما يختص بالتقنية. أما التشكيل فتوجد العديد من اللقطات التي يتحكم فيها الفنان بالتكوين من خلال الشخصيات ووضعياتهم داخل الكادر،

كما في الرجل الذي يصلي داخل الجامع الأزهر، أو وضعيات وقوف الشيوخ عند أبواب الجامع، سواء في مقدمة الكادر أو في العمق. أما في حال المجموعات، فتصبح الزاوية والإضاءة هما الأساس، حتى تتهيأ له لحظة مناسبة لالتقاط الصورة، كما في الموكب الجنائزي مثالاً، أو أن يبدو الاصطناع التام جلياً كترتيب وضعيات سكان دير مواس بين نخلاتهم.

اللوحات

ومن الطبيعي أن تقترب الفوتوغرافيا من السينما ـ حسب طبيعة السينما ـ إلا أن عين الفنان هنا تحاول أن تتجاوز الفوتوغرافيا الجافة أو الإخبارية لتصنع لوحات تلتزم قواعد الفن التشكيلي، ومن خلال الضوء والظلال تبدو اللقطات كلوحات زيتية مخلصة تماماً لفن التصوير، وهو ما تحقق في كل من المناظر الطبيعية، أو التي تحتوي على شخصيات أو كائنات تنتمي لبيئتها.

وجهة النظر

ومن اللافت أيضاً في اللقطات أنها تبتعد تماماً عن إرث لوحات المستشرقين، وهذه النظرة المتعالية التي تبدو في لوحاتهم، أو أنهم يرون الشرق وعالمه كصفحة من صفحات كتاب ألف ليلة وليلة، وربما هو الأمر الذي جعل من هذه الصور سجلاً مهماً وأميناً إلى حدٍ كبير عن مصر وحياة المصريين في ذلك الوقت.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP