حفظ التراث اليمني: لقاء في الجامعة الأميركية في بيروت

ishraq

الإشراق | متابعة.

بعيداً من جبهة إسناد غزة، والاشتباك الذي يخوضه اليمن اليوم ضد العدوان الأميركي الإسرائيلي والبريطاني، خصّ "مهرجان بيروت للأفلام الفنية الوثائقية"، اليمن، بحلقة عن تراثه الثقافي في برنامجه للعام الجاري 2025. 

هكذا، وتحت عنوان "إنقاذ التراث الثقافي لليمن"، استضافت الجامعة الأميركية في بيروت بالتعاون مع "المتحف الأثري"، حلقة عُرضت فيها جوانب من التراث اليمني، تخللتها نقاشات بين الحاضرين، فضلاً عن عروض أفلام وثائقية عن التراث والعمارة في اليمن.

وبحسب مراجع المهرجان، فإن اختيار اليمن كموضوع للتراث جاء لما يتمتع به هذا البلد من مكانة فريدة بين دول الشرق الأوسط بفضل موقعه المميّز على طرف شبه الجزيرة العربية، بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، وعند مفترق الطرق بين آسيا وأفريقيا. كما يتميّز اليمن بسكانه، سكان الجبال والمجتمعات المُدُنية، حاملي التقاليد الثقافية القديمة. وقال الحاضرون إنّ "انفتاح البلاد مؤخراً على العالم الخارجي"، كشف عن تراث مثير للاهتمام، مع تسليط الضوء على تراث رائع، بتحدّيات الانتقال إلى الحداثة. 

أسوار صنعاء
جرى عرض فيلم "أسوار صنعاء" إنتاج 1971 (15 دقيقة)، للمخرج الإيطالي بيير باولو بازوليني. يكشف فيه عن الكنوز المعمارية لصنعاء المهدّدة بالتدهور بفعل الزمن، وضغط مفاهيم وقيم المجتمع الاستهلاكي. كما تحدّث بازوليني من خلال متابعته للتراث اليمني، عن موضوع أسوار صنعاء، حيث يقول: "شعرتُ بمشاكل صنعاء كأنها مشاكلي. التدهور، الذي يستولي عليّ ببطء كالجذام، آلمني بالألم والغضب والشعور بالعجز، وفي الوقت نفسه، برغبة كبيرة في فعل شيء ما دفعني للتصوير، وهذا الفيلم الوثائقي تحوّل إلى ما يشبه نداء استغاثة لليونيسكو، لعلها تبادر إلى خطوة تحفظ تراثه، وتحميه من المخاطر التي تتهدّده".

حرائق اليمن
ومن الحلقات، عَرْضٌ شفهي قدّمه المؤلف خير الله خير الله عن انهيار اليمن. فخيرالله واكب الكثير من تطوّرات البلد، بصفته صحافيّاً وكاتباً، ومراقباً دقيقاً لانهيار اليمن، وقد شهد على الاضطرابات فيه منذ عام 1986 وحتى يومنا هذا. خير الله وعبر مواكبته للتطوّرات اليمنية، وضع كتاباً عنوانه "حرائق اليمن: قصص من الداخل.. من انهيار الدولة الجنوبية... إلى انهيار الدولة"، قدّم تحليلاً للتاريخ الحديث للبلاد، ومشهدها السياسي المعقّد، والصراعات العديدة التي تُدمّرهذا البلد العريق بتاريخه وتراثه.

العمارة اليمنية

من حلقات المناسبة أيضاً، محور العمارة اليمنية في محاضرة بالانكليزية للمهندسة المعمارية، سلمى سمر الدملوجي، بمشاركة من مهندس المناظر الطبيعية، فلاديمير ديوروفيتش.

وتحدّثت الدملوجي عن ثقافة اليمن في مرحلة ما بعد الصراع. ففي عام 1982، بدأت الدملوجي، المتخصصة في العمارة العربية التقليدية، بإجراء أبحاث متعمِّقة حول تراث البناء الترابي في اليمن، وقد توّجت هذه الدراسات، التي أجريت على مدى أكثر من عقدين من الزمن، بنشر كتابها "عمارة اليمن: من يافع إلى حضرموت" عام 2007. 

وفي العام 2021، نُشرت طبعة جديدة غنية، تتضمّن رسومات ووثائق وفصلاً عن مشاريع البناء وإعادة الإعمار التي نُفّذت بين عامي 2008 و2014 في منطقتي حضرموت وداوان، تحت عنوان "عمارة اليمن وإعادة إعمارها" من قِبل "دار لورانس كينغ" للنشر.

وتُعتبر إعادة تأهيل وإعادة إعمار التراث المعماري اليمني أمراً أساسياً في مسيرة الدملوجي المهنية،  فهي المؤسس المشارك لمؤسسة داوان للهندسة المعمارية (DAF)، وبصفتها كبيرة المهندسين المعماريين ومديرة المؤسسة (2008 - 2024)، فقد أمّنت تمويلاً لمشاريع إعادة الإعمار في حضرموت. وهي عضو مجلس أمناء مختبر هندسة الأرض الذي أسسته عام 2022 مع زملاء لها في لندن. 

فسيفساء اليمن
أما حلقة "فسيفساء اليمن" فتضمّنت عرض مقتطفات من فيلم "فسيفساء اليمن"، ومحاضرة باللغة الإنكليزية، قدّمها برنت هوفمان، أستاذ في كلية ميديل للصحافة بجامعة نورث وسترن، ومخرج أفلام وثائقية حائز على جوائز عديدة، يصنع منذ عام 2022 فيلماً روائياً عن كفاح اليمنيين لإنقاذ تراثهم الثقافي المذهل. 

في فيلم "فسيفساء اليمن"، وهو عبارة عن مجموعة مختارة من 3 مقتطفات، تركيز على جهود إعادة الإعمار المموّلة عالمياً لحماية التراث (ALIPH)، وفيه يتناول المخرج 3 مدن هي: شيبام وتعز وذمار، حيث يوثّق المتخصّصون اليمنيون، وكثير منهم من النساء، تراثهم، ويحمونه، ويحافظون عليه.

وركّز البروفيسور هوفمان على الشعب اليمني الذي يكافح للحفاظ على تراثه المهدّد بالنهب، وتغيّر المناخ، والحرب، ولفت إلى حرص اليمنيين على بيئة وديان وجبال بلادهم، وأنهم يعاملونها بطريقة تمنع التلوّث فيها. مع العلم أنّ هوفمان أخرج الفيلم الوثائقي الحائز على العديد من الجوائز "إنقاذ ميس أينك" (2016) حول الكفاح لإنقاذ مدينة بوذية قديمة في أفغانستان. 

ما هو اليمن؟

اشتقّ اسم اليمن من "اليُمن" فعرف منذ القدم "باليمن السعيد"، واليُمن هو الرخاء والبركة. ويمتد اليمن على رقعة جغرافية واسعة تقع جنوب غرب الجزيرة العربية.

منذ العام 1300 ق.م. شهد اليمن القديم العديد من الدول، والممالك العريقة فنشأت الدولة "السبأية"، والدولة "المعينية"، والدولة"الحميرية"، وغيرها، لكن أكبر وأشهر الدول التي برزت في اليمن كانت دولة "سبأ"، وكانت عاصمتها "مأرب" وتدل الآثار المنتشرة في موقع "مأرب" اليوم على جلال المدينة القديم وكبرها.

ويعتبر اليمن من أعرق بلاد العالم لما له من تاريخ حافل يعود لآلاف السنين، وقد أدّى موقعه الاستراتيجي على مضيق باب المندب دوراً هاماً في التاريخ، فالمضيق هو واحد من أهم ممرات الخط التجاري القديم - الجديد الذي يعبر بين آسيا وأوروبا.

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP