العوامية .. موجات النزوح الهاربة من أزيز الرصاص
اعداد القسم السياسي في قناة الاشراق
موجات نزوح علنية تشهدها بلدة العوامية بمحافظة القطيف شرق السعودية، جراء تصاعد العمليات العسكرية فيها، عدسة الإعلام الرسمي وغيره، تغيب عن التقاط صور النازحين السعوديين وضحايا السلطات الأمنية القمعية هناك
وتعيش العوامية، البلدة ذات الغالبية الشيعية في السعودية، أوضاع إنسانية مزرية، منذ ثلاثة أشهر، جراء محاصرتها من قبل السلطات الحكومية في الرياض، ما جعلها تعيش وطأة حصار مروع لا أنفكاك منه إلا عن طريق المواجهة أو الموت.
وكشف شهود عيان وناشطون، عن مقتل مدني وإصابة آخرين، برصاص القوات الأمنية السعودية، بعدما عملوا على مساعدة سكان المدينة وإجلائهم لمناطق أكثر أمناً
وأضاف الناشطون أن "بلدة العوامية فجعت بنبأ مصرع الشاب محمد الرحيماوي، أحد أبناء البلدة"، مبينين أن "الرحيماوي قتل بنيران الأمن السعودي لدى محاولته مساعدة عوائل مدنية في العوامية على الهروب "
وأشار الشهود إلى "إصابة عدد من المدنيين داخل العوامية لدى اندلاع الاشتباكات والمداهمات العشوائية في البلدة"، مؤكدين "هجرة المئات من السكان بحثاً عن موطن آمن لهم من الرصاص الملتهب في سماء المنطقة الشرقية بالسعودية "
الخراب يطال مساكن المدنيين في العوامية
وتحاول قوات الأمن السعودية منذ شهرين ونصف القضاء على ناشطين ومتظاهرين في العوامية وهي بلدة صغيرة يقطنها نحو 30 ألف نسمة تشكل بؤرة احتجاجات من جانب اتباع اهل البيت في السعودية ،
وتصاعدت حدة التصعيد منذ الأسبوع الماضي عندما دخلت قوات خاصة البلدة بعدما بدأت السلطات في مايو/ أيار حملة لهدم حي المسورة التاريخي الذي يعود تاريخه إلى 400 عام، الأمر الذي أثار جدلًا محليًّا ودوليًّا .
جرافات السلطات السعودية وهي تتوجه لهدم الاحياء التاريخية في العوامية
و طالبت الأمم المتحدة السلطات السعودية بوقف عمليات الهدم التي تعتزم القيام بها في المناطق التاريخية وقال بيان مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إن ما يحدث يمثل انتهاكا لحقوق الإنسان وطالب البيان "بالوقف الفوري لأعمال الهدم الجارية في الحي الذي تخطّى تاريخ تشييده الـ400 سنة".
وأضاف البيان الأممي «رغم محاولاتنا المتعددة في التعبير عن قلقنا ومن سعينا الدائم للحصول على أي تفسير من الحكومة بشأن أعمال الهدم المخطط لها، يبدو أن الجرافات وغيرها من آليات الهدم بدأت في 10 مايو، وبمساندة قوى عسكرية مسلحة، هدم المباني والمنازل في حي المسَوَّرة التاريخي وفي أماكن أخرى من العوامية، مُوقِعةً جرحى وقتلى ومكبدة أماكن إقامة المدنيين خسائر مادية
أستهداف البلدة وسكانها مستمر منذ عام 2011
ومن جانبهم، اشتكى أهالي العوامية من قطع متعمد للكهرباء والمياه لدفعهم لمغادرة منازلهم. واتهم نشطاء قوات الأمن بإجبار مئات السكان على الخروج من العوامية بإطلاق النار عشوائياً على محال تجارية ومنازل وسيارات. وانتقد مغردون ما قالوا إنه حرب على المدينة وأهلها.
الصفقة الكندية كشفت حصار البلدة
ويتساءل علي الدبيسي رئيس المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان عن ماهية "الحاجة إلى إطلاق رصاص ثقيل على محل تجاري أو إحراقه فضلا عن التصويب على المدنيين بشكل معتمد وهستيري؟". ويقول إن "الأحداث سببت أكبر موجة نزوح من المنطقة وهو سلاح السلطة الموجه للأهالي، رغم تحمل الأهالي الرصاص والهجمات لكن الأمر خرج عن نطاق التحمل مع التصعيد العسكري وتغير نوعية السلاح المستخدم وزيادة كمياته والاستهداف لكل ما يتحرك على الأرض كل ذلك أرعب الناس ويضيف الدبيسي إن "ما جعل الأضواء تسلط على أحداث العوامية رغم محاولات الدولة السعودية للتعتيم هو صفقة المدرعات المزمعة مع كندا والتي تبلغ قيمتها 15 مليار دولار".
علي الدبيسي رئيس المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان
وأشار الناشط السعودي إلى "رفض كندا لما حصل من انتهاك لحقوق الإنسان في المنطقة الشرقية، ما جعل الإعلام يسلط الضوء إلى حد ما على القضية"، مؤكداً "تصاعد رفض عدد من الجهات لما قالوا إنه استخدام الأسلحة الكندية لمواجهة مدنيين ما قد يهدد إتمام الصفقة".
تسييس عقوبة الاعدام
ومن الأكيد أن المملكة السعودية تمتلك سجلًا حافلًا لدى الأمم المتحدة فيما يخص المناطق الشرقية وحريات السياسية والعقائدية، فالسعودية كانت قد قطعت من قبل رأس الشيخ الشيعي نمر النمر بالسيف، بذريعة الإرهاب، وحينها أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، زيد بن الحسين، عن أسفه العميق لتنفيذ عقوبة الإعدام، وذكر الدبلوماسي أنه قد توجه عام 2015 إلى الحكومة السعودية باستفسار حول مسألة الحكم بإعدام نمر النمر، وهو الأمر الذي يفتح الباب عريضًا حول تسييس السلطات السعودية عقوبة الإعدام.
جدير بالذكر أن العوامية هي مسقط الشيخ نمر النمر، الذي أعدم مطلع العام الماضي، وتقع بلدة العوامية ذات الغالبية الشيعية في إمارة المنطقة الشرقية من المملكة إلى الشمال من مدينة القطيف.
الشهيد الشيخ نمر النمر
ويرجع بعض المراقبين انتهاكات السلطة السعودية في العوامية إلى أن الهدف من الهجوم على المناطق والبلدات الشرقية والتشديد على مواطنيها انتقام من الأهالي على اعتراضاتهم السلمية في العام 2011، حيث كان مسقط رأس الشيخ النمر مركزًا أساسيًّا لتلك التحركات، ومن الواضح أن الهدف الأساسي للنظام السعودي القضاء على جذور تلك المعارضة والانتقام من أهالي المنطقة وتحويلها إلى منطقة تجارية.
فيما يرى الباحث والناشط السياسي السعودي الدكتور فؤاد إبراهيم، إن توقيت هذه الهجمات لإيصال رسالة، فالهجوم الأول على العوامية قبل شهرين جاء بالضبط يوم إعلان تحرير الموصل، والتصعيد الأخير جاء اليوم الذي أعلن فيه خطاب لحزب الله بخصوص تحرير جرود عرسال، وكأن «النظام السعودي يعوض عن خسائره بالخارج من خلال هذا التصعيد والإجرام الذي يرتكبه بالداخل».
السياسي السعودي الدكتور فؤاد إبراهيم
ويرى آخرون أنه من المؤكد أن السلطات ستتمكن في نهاية المطاف من إنهاء الموقف في حي المسورة والسير قدمًا في مخطط تطوير الحي، لكن المشكلة الراهنة ليست سوى تعبير عن أزمة كامنة ومستمرة منذ سنوات، وجوهرها شعور المواطنين الشيعة في السعودية بالتهميش ونظرة السلطات لأي مطالب ينادون بها بأنها بإيحاء من إيران، حيث يقول الناشط السعودي المعارض، حمزة الحسن، إن استهداف النظام للعوامية محاولة لاختزال المعارضة في منطقة صغيرة والإجهاز عليها كما حصل في دوار اللؤلؤة في البحرين، مضيفًا أن المعارضة تعم أرجاء المنطقة الشرقية، رغم تصوير الإعلام الرسمي بأنها محصورة في القطيف أو العوامية أو المسوّرة أو بشخص الشيخ نمر النمر.
وحول بعض المواجهات المسلحة الدائرة في العوامية، يقول رئيس المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان، علي الدبيسي، إن حمل السلاح هو مسار خاطئ، لكنه ناتج عن الاستخدام السيئ من قِبَل الحكومة السعودية للسلاح الذي في أيديها في المقام الأول، حيث رصدنا في المنظمات الحقوقية مجموعة من المعارضين قتلوا في مظاهرات سلمية، ورصدنا أيضًا قتلًا خارج إطار القانون، كالقتل في السجون والقتل التعسفي، وكل هذا العنف الشديد الذي مارسته المملكة ولَّد عنفًا مضادًّا.