العواميـة والمعركة السرية مع الرياض

لماذا يتغاضى العالم عنا .؟ سـؤالٌ استنكاري يطرحه اهالي وناشطو مدينة العوامية السعودية المحاصرة منذ ثلاثة أشهر من قبل السلطات الحكومية في الرياض، فيما ترزح المدينة تحت وطأة حصار مروع لا أنفكاك منه إلا عن طريق المواجهة أو الموت.   

تعد العوامية إحدى أقدم المدن في السعودية، حيث يبلغ عمرها نحو 400 عام، وتوجد في المنطقة الشرقية، وتحديدا في محافظة القطيف.

يقطن المدينة نحو 30 ألف شخص، معظمهم من اتباع اهل البيت (ع)، كما أنه ينحدر من المدينة عالم الدين الشهير، الشيخ نمر النمر، الذي أعدمته السلطات السعودية قبل أعوام، بسبب اتهامه بتأجيج الاضطرابات في السعودية في أعقاب ثورات ما يسمى "الربيع العربي" عام 2011.


واقـع مـروع 

صحيفة بريطانية، كشفت مؤخراً شهادات مفصلة عما يحدث داخل مدينة العوامية المحاصرة، من النشطاء السلميين الذين يعيشون خارج البلاد، حيث أكدت وقوع معركة سرية بين متظاهرين محتجين على سلوكيات الحكومة في الرياض والسلطات الأمنية فيها.  

ونقلت "الإندبندنت" عن ناشط مناهض للحكومة في مقابلة نادرة مع وسائل الإعلام الغربي، قوله: "كنت متظاهرا سلميا، ويعيش معظمنا في العوامية، حتى قررت الحكومة إدراجنا كإرهابيين مطلوب القبض عليهم، وكل ما طالبنا به هو الاستمرار في دعوات الإصلاح".

وتابع قائلاً "سكان المدينة لا يخافون من النظام، فتم استهداف المدينة كلها".

وقال إن "القوات الحكومية اقتحمت منزله في بداية الحصار، وضربت زوجته، وأشهرت الأسلحة في وجه ابنته ذات الخمس سنوات، وهددوا بإسقاط طفلته ذات الثمانية أشهر"، مضيفا "قالوا للطفلة الصغيرة سنقتل والدك، ثم ألقوها تحت ساقي".

ومضى قائلا "لم يكن لدينا خيار، إلا الدفاع عن حياتنا ونسائنا، وهو أمر واجب، لقد دمرت المنازل بالقنابل وإطلاق النيران المكثف وبقذائف آر بي جي، وكان الجميع هدفا لقذائفهم".

ويصف النشطاء بأن الهدف للسلطات السعودية لم يكن هدم المدينة القديمة وإعادة تطويرها، ولكن الهدف هو القضاء على تلك المدينة.

ونقلت الصحيفة عن آدم كوغل، الباحث في الشرق الأوسط بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" قوله: "وثقت الصراع في السعودية من قبل، ولكن لم آر شيئا من هذا القبيل، لقد شاهدت احتجاجات، لكن لم أشهد على تحولها إلى مواجهات مسلحة بتلك الطريقة".

وأضاف الناشط قائلا "التفاصيل هنا واضحة على الأرض، فهناك اشتباكات عنيفة بين الدولة ومواطنيها، وهذا أمر غير مسبوق".


العواميـة .. حصارٌ دائـم

ونقلت الصحيفة عن نشطاء قولهم إن المدينة تعاني من حصار دائم، وسط مخاوف عميقة من استمرار استهدافهم سواء بالقصف أو عن طريق القناصة، والكثيرون يخشون مغادرة منازلهم.

كما أشارت إلى أنه تم قطع كافة خطوط المياه والكهرباء عن مناطق عديدة بالعوامية، وترك آخرون من دون مياه عذبة أو تكييفات هواء رغم حرارة الصيف في تلك المنطقة.

وقال ناشط من المدينة يعيش في الولايات المتحدة: "الناس يخشون من أن هناك العديد من الجثث تركت في الشوارع لعدة أيام".

وأشارت "الإندبندنت" إلى أن تقارير عديدة زعمت أن سيارات الإسعاف والصرف الصحي تواجه صعوبة في الوصول للمدينة.

ونقلت أيضا عن علي أدوباسي، مدير مجموعة الناشطين الأوروبيين السعوديين لحقوق الإنسان، الذي غادر المملكة عام 2013، إن "المواجهة الحالية في العوامية لا يمكن أن يتم اختزالها في أنها مجرد قضية طائفية".

وتابع قائلا "أعتقد أنهم سيدمرون بنفس الطريق أي منطقة معارضة، فهم يريدون تفريغ البلد من الناس وإنهاء الاحتجاجات".

وأصدرت السلطات السعودية، يوم الجمعة الماضي، إخطارا جديدا بضرورة إخلاء سكان العوامية للمدينة، ومغادرتها من طريقين تم اختيارهما من قبل السلطات الأمنية.
ونفت الرياض كافة التقارير التي تتهم السلطات باستهداف المدينة وإطلاقها النار عشوائيا على المدنيين ومنازلهم وسياراتهم.

واستمرت الصحيفة البريطانية في نقل تصريحات الناشط الذي يعيش في الولايات المتحدة، وقال: "هناك مئات الأشخاص هربوا من المدينة، 90% منهم من السكان المحليين، ولا يزال عالقا ما يقرب من 3 آلاف أو 5 آلاف شخص".

وأدانت الأمم المتحدة، في مايو/ أيار الماضي، خطط إعادة تطوير العوامية، واتهمت السلطات بأنها تحاول إزالة السكان قسرا من دون تقديم خيارات كافية لإعادة توطينهم، كما أن تلك العملية تهدد "التراث التاريخي والثقافي للمدينة، بضرر لا يمكن إصلاحه".

وأوضحت الصحيفة البريطانية أنها حاولت الاتصال بالسفارات السعودية في بيروت ولندن للتعليق على تلك التصريحات، ولكن لم يتوفر أي رد عليها حتى الآن.