شريحة الأطباء بين مطرقة العشائر وسندان الإغتيالات

خلال الأيام القليلة الماضية تعرّض مجموعة من الأطباء لاعتداءات بالقتل والتهديد، أجبرت العشرات منهم على ترك عمله، بينما اختار بعضهم مغادرة البلاد والتفكير بالهجرة، فيما يعمل آخرون في السرّ بعيداً عن الأنظار.

الأسبوع الماضي توفي الطبيب سليم عبد الحمزة متأثرا بطعنات تعرض لها من قبل مسلحين مجهولين اقتحموا عيادته الخاصة في منطقة المعامل ببغداد، كما اختطف الطبيبان محمد علي زاير الذي يعمل في مستشفى الحكيم في مدينة الصدر وسعد عبد الحر في عيادته الخاصة ببغداد الجديدة، وقتلت طبيبة الأسنان شذى فالح في مركز صحي في منطقة الوشاش، جميع هذه الحوادث جرت في بغداد في أسبوع واحد.

وزارة الداخلية فتحت تحقيقاً في هذه الحوادث، وأعلنت اعتقال ثماني عصابات متورطة بخطف وقتل الأطباء في بغداد، ولكن العراقيين الذين انشغلوا منذ أيام بهذه الحوادث كان لهم رأي آخر، ويقولون إن هناك مخططا لاستهداف الكفاءات العلمية، والأكثر من ذلك فان الأطباء بدؤوا بترك مستشفياتهم وعياداتهم الخاصة والتخطيط لمغادرة البلاد.

في منطقة الحارثية أحد أحياء بغداد الراقية والمعروفة بكثرة العيادات الطبية، اقتحم مسلحون مجهولون عيادة الطبيب الجراح سامر العطار وضربوه بقوة حتى فقد الوعي، وبينما سارع سكرتيره إلى نقطة التفتيش القريبة من العيادة طلبا للنجدة، كان المسلحون قد لاذوا بالهروب.

الطبيب سامر قرر عدم إبلاغ الشرطة خوفا على حياته، واتخذ قرارا حاسما بإغلاق عيادته بهدوء واصطحب عائلته إلى إقليم كردستان، ويفكر الآن بمغادرة البلاد، ويقول في اتصال هاتفي "لا احد يحمي الأطباء في العراق وهناك عصابات مسلحة تستهدفنا، والقوانين العشائرية، والأجهزة الأمنية عاجزة عن حمايتنا".

في 25 من الشهر الماضي نظم الأطباء في بغداد وغالبية المحافظات اعتصاما موحدا داخل المستشفيات احتجاجا على تصاعد ظاهرة استهداف الأطباء في البلاد، ورفعوا شعارات تطالب وزارة الصحة والحكومة بحمايتهم، وحذروا من تناقص أعداد الكوادر الطبية بسبب هذه الاعتداءات.

مدير عام صحة بغداد في جانب الكرخ جاسب الحجامي قال إن "الجرائم التي تستهدف الأطباء في الآونة الأخيرة خسارة للبلد، وتستهدف إفراغ العراق من أطبائه وكفاءاته العلمية ذات التخصصات النادرة وهؤلاء ثروة لا يمكن تعويضها بسهولة".

ويؤكد الحجامي أن "الكثير من هذه الكفاءات هاجرت خارج البلاد في الأعوام السابقة نتيجة لأفعال القتل والخطف ويجب بذل الجهود من اجل حماية ثروات وعقول البلد العلمية".

ظاهرة استهداف الأطباء أعادت ذكريات مؤلمة إلى العراقيين عندما تصاعدت عمليات قتل الكفاءات العملية بشكل ممنهج من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات من قبل مجاميع مسلحة مجهولة. 

نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي اعتبر في بيان رسمي أن "ما جرى يشير إلى عودة ظاهرة اغتيال الأطباء والكوادر العلمية، هذه الممارسات الإجرامية النوعية توصل رسالة مهمة مفادها أن مرحلة ما بعد داعش لن تكون آمنة بل وأكثر دموية لإفراغ البلاد من كل الطاقات القادرة على قيادة مرحلة البناء وإعادة الإعمار".

المسلحون المجهولون ومافيات السرقة الذين يمارسون القتل والخطف والابتزاز ليست المشكلة الوحيدة للأطباء، وأيضاً هناك القوانين العشائرية التي تلاحقهم في كل مكان، فالطبيب الذي يفشل في معالجة احد المرضى قد يدفع الثمن عبر قانون "الفصلية" ويعني دفع أموال طائلة إلى عائلة المريض، وقيمة الأموال تحددها العشائر.

الطبيب سرمد عبد الأمير المختص في أمراض القلب كان ضحية القوانين العشائرية، قبل ستة أشهر أجرى عملية خطيرة في القلب لرجل كبير في السن لم يكتب لها النجاح، أقدمت قبيلة المتوفى على إغلاق عيادته بالقوة وكتبت عليها عبارة "مطلوب عشائريا" وتعني في المفهوم الشعبي خيارين إما يتعرض للأذى وربما القتل أو دفع أموال الدية.

ويقول عبد الأمير "استطاعوا الوصول إلى منزلي وهددوا عائلتي، اضطررت بعدها إلى دفع مبلغ دية قدره مئة ألف دولار لعائلة المتوفى برغم أن التقارير الطبية قبل إجراء العملية كانت تشير إلى أن نسبة نجاحها محدودة وعائلته وافقت على تحمل النتائج، وبعد إجراء العملية تنصلوا عن ذلك".

قرر عبد الأمير أيضا مغادرة البلاد إلى الأردن، ولكنه ما زال يمارس مهنته في العراق بشكل سري، ويقول "اتفقت مع إحدى مستشفيات بغداد بحجز مواعيد للمرضى على أن ازور المستشفى لمدة أسبوع في كل شهر بشكل سري، أقوم خلالها بمعالجة المرضى من زبائني المعروفين وأقربائهم، وبعدها أعود إلى الأردن لثلاثة أسابيع".

هجرة الكوادر الطبية إلى خارج البلاد أوجدت أزمة حقيقية بين المواطنين الذين بدؤوا بدورهم السفر واللحاق بأطبائهم أو أطباء الدول المجاورة، وتعتبر لبنان والأردن وإيران والهند بلدان مفضلة للعراقيين للعلاج، وهو ما أضاف أعباء مالية كبيرة على كاهل العراقيين.

وتنتشر العشرات من المكاتب في بغداد والمحافظات المختصة بالتنسيق بين المرضى العراقيين ومستشفيات الهند، عبر توفير الفيزا والاستشارة الطبية والمترجمين عند وصول المرضى إلى هناك، بعض هذه المكاتب مجازة من قبل وزارة الصحة العراقية، ولكن الأغلب منها تكون غير مجازة وتلجأ المكاتب إلى إنشاء صفحات على فيسبوك لجلب الزبائن، لاحقا يُفاجأ المرضى بسوء الخدمة الطبية عندما يصلون إلى الهند.