ترعبها منشورات فيسبوك وترد بالاعتقالات : إسرائيل الوجه الاخر

 

 

تخوض إسرائيل معركة ضاربة مع الشيوخ والشبان الفلسطينيين، فهي لا تريد لشيخ أن يدعو بالنصر عليها، ولا تريد لشاب أن ينعي  استشهاد رفيقه على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، التي يتابعها نحو 80% من الفلسطينيين.

وتحت ذريعة أن هذه الأفعال تهدف للتحريض على تنفيذ المزيد من الهجمات ضدها، أقنعت إسرائيل سابقًا مؤسس فيسبوك أن «بعض الدماء الإسرائيلية تسيل على يد مديره»، ثم أخذت تصدر القوانين لإخضاع الشبكات لسياساتها ومصالحها، وعلى الأرض تواصل اعتقال الفلسطينيين على خليفة نشر صورة أو منشور، الأمر الذي زادت وتيرته بعد أحداث القدس القائمة الآن.

إسرائيل يرعبها «يَتِّم أطفالهم ورمِّل نساءهم»

«يَتِّم أطفالهم ورمِّل نساءهم»، هذا الدعاء استنفر قوات الاحتلال الإسرائيلي في القدس من أجل اعتقال قائل العبارة السابقة، وتمكنت بالفعل من ذلك في الثالث والعشرين من يوليو (تموز) الحالي. لقد كان فلسطينيًا من سكّان وادي الجوز (القدس)، يقف أمام البوابات الإلكترونية المنصوبة بالقرب من باب الأسباط، وقد أخذ يدعو غضبًا من إجراءات الاحتلال الأخيرة لدخول المسجد الأقصى، اعتقال الرجل الذي جاء ضمن «جهود مكافحة التحريض»، كان خبرًا تعامل معه الفلسطينيون بسخرية شديدة، ورأوا فيه هوسًا وخوفًا إسرائيليًا من كل شيء.


 

مصلون في باب الأسباط

يقول الكاتب الإسرائيلي «آساف غيبور» : «المسجد الأقصى أرض خصبة للتحريض ضد إسرائيل؛ لأنه برميل بارود متفجر يمكنه إشعال الأراضي الفلسطينية والعالم الإسلامي برمته»، ويتابع المتخصص في الشؤون العربية «غيبور»، القول – في مقاله بموقع «إن آر جي» العبري: «هذا التوتر بشأن الأقصى يشجع الحركة الإسلامية والتنظيمات الفلسطينية على خلق خطاب تحريضي ضد إسرائيل، وتأييد العمليات ضدها، من أجل الحفاظ على قدسية المسجد، واتهام إسرائيل بأنها تهاجم المصلين المسلمين فيه، وتخرق الوضع القائم في المكان المقدس لديهم».

من جانبها، تؤكد الباحثة الإسرائيلية في معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب «أوريت فارلوف»: «أن هناك العديد من الطرق التي تجعل من هذا الفضاء الافتراضي ساحة للتحريض على مزيد من العنف، ومنها صور منفذي العمليات وهم مصابون وغارقون في دمائهم، مما يستجلب دعوات فلسطينية بالانتقام»، وتضيف المتخصصة في شبكات التواصل الاجتماعي أنه: «يمكن تسجيل حالة من الفشل الإسرائيلي في صراعها عبر شبكات التواصل، لأنه ما إن يغلق حساب شخصي أو صفحة عامة، تنشأ في المقابل مائة صفحة أو حساب على الفور».


نواب اليمين المتطرف في الكنيست الإسرائيلي (ا ف ب)

ويؤكد لنا المختص في الإعلام الالكتروني «أمين أبو وردة» أن الاحتلال الإسرائيلي يعتبر نشاط الفلسطينيين على شبكات التواصل الاجتماعي جزءً من المعركة التي يخوضها ضد الفلسطينيين، مضيفًا: «هذه المعركة تنطبق الآن على ما يجري في محيط الحرم القدسي، فالاحتلال يعتبر كل صورة أو منشور تتعلق بالأحداث جزء من التحريض الممارس ضد إجراءاته، بالتالي هو يلاحق هؤلاء، ليحصي هذه الاحتلال في الأسبوع الأول للأحداث 600 ألف منشور اعتبرها تحريضية ضد الإسرائيليين، وتم على إثرها اعتقال فلسطينيين حتى في الضفة الغربية».

ويوضح «أبو وردة» لـ«ساسة بوست» المقيم بنابلس أن هناك دوائر إسرائيلية مختصة، في ملاحقة الفلسطينيين، وهناك لوائح اتهام توجه للفلسطينيين، على خلفية منشورات؛ لأن الاحتلال يعتبر شبكات التواصل الاجتماعي منصات في غاية الخطورة على الأمن الإسرائيلي، فيقوم بإنزال عقوبات مشددة علي الشبان الفلسطيني، ويجبرهم على إغلاق صفحاتها أثناء التوقيف والملاحقة.

الفلسطينيون في إسرائيل.. الأكثر عرضة للاعتقال

«تأييد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عبر شبكات التواصل الاجتماعي»، بسبب هذه التهمة اعتقلت إسرائيل في مارس (آذار) الماضي، الفلسطيني «خالد مواسي»، ابن العشرين عامًا من قرية عبلين في الجليل، وحكمت عليه بالسجن الفعلي لمدة عام، إذ أقرت لائحة الاتهام الإسرائيلية أن الشاب نشر في شهر يوليو (تموز) العام الماضي منشورات على صفحته على فيسبوك تحريضية نحو العنف والإرهاب.


الفلسطيني «خالد مواسي» (الفيسبوك)

لم يكن «مواسي» وحده الذي تطاله اليد الإسرائيلية؛ ففلسطينيو إسرائيل هم الأكثر عرضة للاعتقال على خلفية ما يسمى بـ«التحريض»، وتعد واحدة من أشهر القضايا وأطولها هي قضية الفلسطينية، الشاعرة دارين طاطور، التي – منذ العام 2015، وهي – تعاني مع المحاكم الإسرائيلية بسبب قصيدة نشرتها على شبكات التواصل الاجتماعي، واعتبرتها إسرائيل تحريضية، فقد سجلت صوتها في قصيدتها «انتفضوا أبناء شعبي انتفضوا» ولم تكتف إسرائيل باعتقال الفتاة ثلاثة شهور، بل أطلقت سراحها نحو الاعتقال المنزلي الذي ما زال مستمرًا حتى اليوم مع منعها من استخدام الإنترنت، وقد يصل الحكم على «طاطور» بالسجن لمدة ثمانية أعوام.

وتعتبر المحاكم الإسرائيلية أن تهمة «التحريض» جنحة، حكمها يتراوح بين شهر إلى حوالي ثلاث سنوات، وقد تمكنت إسرائيل بين عامي 2015 و2016، من اعتقال أكثر من 400 فلسطيني بسبب منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، ادعت أنها تحمل مضامين «تحريضة»، منهم 200 شخص من ضمن أولئك يتعرضون لمحاكمات جنائية، ويتفاقم الأمر الآن بعد وقوع عملية القدس التي قام بها ثلاثة شبان من عائلة «جبارين» من مدينة أم الفحم، إذ لم تكتف إسرائيل كما طلب وزير الأمن الداخلي فيها «جلعاد إردان»، بإغلاق عشرات الصفحات المواطنين الفلسطينيين عرب، بل كثفت الشرطة الإسرائيلية من اعتقال العديد من فلسطينيي الداخل، وخاصة في مدينة أم الفحم على خلفية النشر في صفحات التواصل الاجتماعي.

 
الشيخ رائد صلاح خلال اعتقاله الأخير

ولم تكن حملة القمع إلا لتنال من النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي، فقول عضو الكنيست عن القائمة المشتركة، أحمد الطيبي: «أن القدس مدينة عربية إسلامية فلسطينية، وكذلك المسجد الأقصى، هكذا كان وسيبقى إلى الأبد»، يدخله الآن في دوامة تهمة «التحريض» من قبل عدد من أعضاء الكنيست اليمينيين، وقد وصل الأمر لحد مطالبة رئيس الكنيست بالإطاحة بالطيبي من موقعه، تحت الرغبة الإسرائيلية بعدم التوقف عن «العمل على تطهير الكنيست من هذه الجهات المحرضة»، كما قالت رئيسة قائمة حزب البيت اليهودي عضو الكنيست «شولي رفائيلي».

ولن تنسى إسرائيل في هذه المعركة «عدوها اللدود» الشيخ «رائد صلاح»، الذي تعتبره «أخطر من يستغل التوترات حول الأقصى، ويوزع مشاعر الكراهية تجاه إسرائيل بزعم اقتحاماتها الدائمة للمسجد، وهو صاحب لقب (شيخ الأقصى)»، وفق تعبير الكاتب الإسرائيلي «آساف غيبور».

ماذا عن التحريض الإسرائيلي ضد الفلسطينيين على الإنترنت إذًا؟

«اغتصبوا جميع العرب وألقوا بهم إلى البحر»، «صباح مليء بطاقات ذبح العرب»، الجمل التحريضية السابقة هي أخف ما يمكن أن تقرأه وتتابعه بالعبرية على شبكات التواصل الاجتماعي ضد الفلسطينيين.


فلسطينيون في إسرائيل يرفعون لافتات احتجاج ضد التحريض عليهم (الجزيرة)

في العام الماضي، ارتفعت عدد المشاركات التحريضية التي نشرها الإسرائيليون اليهود ضد العرب والفلسطينيين إلى أكثر من الضعف في العام 2016، مقارنة بالعام 2015، وحسب ما نشره المركز العربيّ لتطوير الإعلام الاجتماعيّ (حملة)، في تقرير يرصد العنصرية والتحريض في منشورات الناشطين الإسرائيليّين على الشبكات الاجتماعيّة، فإن: «60 ألف متصفح إسرائيلي كتبوا على الإنترنت منشورًا عنيفًا واحدًا على الأقل ضد العرب، حيث وجد 675000 منشور عنصريّ أو تحريضيّ كتب ضد العرب على الشبكات الاجتماعيّة في عام 2016، بمعدل منشور كل 46 ثانية، غالبيّتها على فيسبوك، أي ضِعف ما كان عليه العدد في عام 2015، والذي نشر فيه 280000 منشور مشابه».

ويؤكد التقرير السابق أن: «نصف المعتقلين الفلسطينيين على خلفية التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يتعرضون لمحاكمات جنائية، بينما لم يُسمع عن أي ملف يفتح بحق الإسرائيليين المحرّضين»، كما يؤكد الكتاب السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب والصادر في يناير (كانون الثاني) الماضي، على أن السنوات الأخيرة تشهد ظاهرة متزايدة من الشعارات العنصرية التي يوجهها اليهود ضد الفلسطينيين في إسرائيل، فـ«هناك تنظيمات يهودية متطرفة تستغل حرية التعبير لتوجيه رسائل تحريضية ضد العرب، وتشجع الفتيان اليهود على ارتكاب جرائم عنف وإرهاب ضدهم، ويحظون بغطاء واسع من زعمائهم الدينيين اليهود، ومن أهمها منظمة تدفيع الثمن»، حسب تقرير المعهد.

قوانين إسرائيلية حازمة لملاحقة «المحرضين ضدها» 

استهلت إسرائيل هذا العام، بتصديق «الكنيست» فيها على قانون الرقابة على فيسبوك، وهو قانون يتيح إزالة وحذف أي منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي تندرج تحت بند «مضامين تحريضية وإرهابية ضد إسرائيل»، ويسمح للشرطة الإسرائيلية باعتقال الناشر ومحاكمته.

 

متطرفون يهود في الحرم القدسي

أما مشروع القانون الذي صدر في يوليو (تموز) الحالي، فهو «يمنح الصلاحيات للسلطة التنفيذية والشرطة بحجب المواقع الصحافية ووسائل الإعلام ووسائل الإعلام الاجتماعي بذريعة التحريض»، وقد تمت المصادقة عليه أيضًا، وهو قانون يوجب على مزودات الإنترنت منع الوصول إلى مواقع تنشر نشاطات ذات طابع إجرامي أو جنائي أو «تحريضي» بحسب وجهة النظر الإسرائيلية، ويقضى القانون أيضًا، بإغلاق مواقع على شبكة الإنترنيت تحث وتدعو للتحريض، حسب ما جاء في القانون، الذي أدخل أيضًا تعديلات على قانون «الإرهاب» في إسرائيل.

وقد سبق صدور هذا القانون تعليمات من مسؤولين إسرائيليين برصد التدوينات والمنشورات التي تعتبر من وجهة نظرهم تحريضية، ومن ثم التوجه إلى شركة فيسبوك ومطالبتها إزالة وشطب المنشورات أو الصفحة التحريضية، وقد تمكنت إسرائيل في سبتمبر (أيلول) الماضي، من توقيع اتفاق مع شركة فيسبوك يقضي بملاحقة ما تعتبره إسرائيل «محتوى تحريضي»، وبالفعل قام فيسبوك بحجب المحتوى الفلسطيني عن صفحات إخبارية يتابعها ملايين المستخدمين، وحذف حسابات نشطاء فلسطينيين.

نشر أولاً على صفحات ساسة بوست .