إعمار الموصل.. تحدياتٌ بعد ألنصر

اعداد وترجمة القسم السياسي - قناة ألاشراق.

بعد تحرير الموصل من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، تواجه الحكومة العراقية، عدة تحديات لعودة الحياة إلى المدينة مجدداً. ومن أبرز هذه التحديات إعادة تأهيل وإعمار المدينة، في ظل أزمة أقتصادية مازالت تلقي بظلالها على الموارد الاقتصادية للدولة. 

وكان رئيس الوزراء، حيدر العبادي، قد أعلن فور وصوله لمدينة الموصل في العاشر من تموز الحالي،  تحقيق "النصر الكبير" في المدينة "المحررة"، بعد أقل من  تسعة أشهر من انطلاق عملية استعادة ثاني أكبر مدن البلاد. وكتب العبادي، على صفحته الرسمية في فيسبوك، انه "وصل مدينة الموصل المحررة وبارك للمقاتلين الأبطال والشعب العراقي بتحقيق النصر الكبير".

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أثناء أعلان أكمال عمليات التحرير.

وبدأت القوات العراقية هجومها لاستعادة ثاني أكبر مدن العراق في 17 تشرين الأول. وخلال الأيام الماضية، قتلت القوات الأمنية العراقية عناصر من تنظيم داعش لدى محاولتهم الفرار من آخر مواقعهم في غرب الموصل.


الموصل قبل اجتياح داعش 

قبل سقوط المدينة بيد تنظيم داعش في العاشر من حزيران/ يوليو من العام2014، كانت الموصل مركزا للصناعات العراقية و مصانع لصناعة الأدوية، فضلاً عن  كوادرها الحرفيين في صناعة الاثاث؛ الادوات؛ السلع الجلدية والمنسوجات.

صورة من الجو لمدينة الموصل قبل سيطرة التظيم الارهابي عليها عام 2014.

وعمل التنظيم المتطرف لدى احتلاله للمدينة على إعادة العديد من ورش العمل فيها بغية إنتاج العبوات الناسفة، إلا أن القوات الامنية المشتركة، تمكنت من تدمير تلك المصانع في عمليات تحرير الموصل.  فقد تعرضت مصانع الأدوية الحديثة للقصف من قبل التحالف في عام 2016 بعد ان كان مرتبطة بتصنيع الاسلحة الكيميائية من قبل داعش. لذا استعادة هذه الصناعات بات أمراً بالغ الاهمية لاعادة الحياة إلى المدينة.


محاولات إنعاش المدينة 


استعادة الموصل من قبضة تنظيم داعش الارهابي، وقدرة الحكومة العراقية على جذب القطاع الاستثماري للمدينة واعادة اشعال الاقتصاد المحلي فيها، يقضي على أي عملية تمرد سياسي وعسكري داخل المحافظة المضطربة منذ العام 2003. حيث يعد تحريرها اليوم "نقطة تحول" في واحدة من أظلم الفصول في تاريخها تاريخ والعراق.

وعقدت الحكومة العراقية، في وقت سابق من هذا الشهر، مؤتمراً اقتصادياً في العاصمة البريطانية، لندن، بحضور اصحاب الاعمال العراقيين والاجانب الى جانب المسؤولين الحكوميين والخبراء لمناقشة الفرص والحواجز امام تنمية اقتصاد البلاد.

وأكد  وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري المشارك في أعمال المؤتمر "حاجة العراق إلى خطة مارشال"، في إشارة إلى المشروع الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. 

وزير الخارجية العراقي في مؤتمر ألتجارة وألاستثمار-ICTI London

بدوره،دعا مسؤولون غربيون إلى ضرورة إفشاء عملية المصالحة المجتمعية بين أبناء الشعب العراقي بعد القضاء على داعش، و أكد جريح هانزر (وزير الدولة للتجارة والاستثمار البريطاني) أن "الفوز في الحرب خطر عندما يفقد السلام".
 
من جهتها دعت منظمة الأمم المتحدة إلى توفير 985 مليون دولار لتجهيز الاحتياجات الانسانية العاجلة في العراق، وتعهدت بعض الدول بالتمويل، حيث بلغت مبالغ التبرعات   423.5 مليون دولار فقط.

وتشير   التخمينات إلى أن كلفة اعادة اعمار الموصل واسعة جداً، لكن المسؤولين العراقيين يناقشون خطة تكلف حوالي 100 مليار دولار اي مايزيد قليلا عن نصف التكلفة الاجمالية لخطة مارشال. في حين تمنع المخاوف الأمنية في العراق المسؤولين الغربيين من الإشراف على المشاريع إعمار المدن المحررة من تنظيم داعش .

وتتطلع الحكومة العراقية الى سد أو ملأ الفجوة مع الاستثمار الخاص لان ذلك قد يساعد على اقامة علاقات تجارية طويلة الامد مع الدول الاجنبية ولان المستثمرين الفرديين حريصين للتأكد من ان اموالهم تنفق بشكل جيد.

وتسعى بغداد الى تعزيز الشراكات بين الشركات الاجنبية والمقرضين لإعادة أعمار تطوير البنى التحتية للبلاد وقد حظيت هذه الجهود بقبول حسن في الخارج وقد وفرت المملكة المتحدة نحو 12 مليار دولار لدعم الاستثمارات الخاصة في البنى التحتية العراقية وذلك من خلال تمويل الصادرات في المملكة المتحدة. 

ويقول لويس تايلور (رئيس الوكالة التجارية في المملكة) "ليس هناك شك في اننا حريصون على دعم الاقتصاد العراقي" واضاف" لكننا بحاجة الى مشاريع تحقق عائداً ماليآ".

مخاوف المستثمرين الغربيين 

عدم تقديم الضمانات والمقترحات من شركاء الاعمال العراقيين، قلق يراود المستثمرين الغربيين في العراق، ويقول رائد حنا مدير المالية الذي يدعم المشاريع الاستثمارية في العراق "يجب حماية الاوراق القانونية ونحن بحاجة الى معرفة مع من نعمل". 

ويتابع قوله "ومن الحقائق غير المقبولة ان ممارسة الاعمال التجارية في مناطق مابعد الصراع تستلزم قدرا من الفساد"،


الحاجة الضريبية و توسيع الاقتصاد

يحتاج العراق الى الازدهار عن طريق صناعة خاصة تؤدي الى توسيع القاعدة الضريبية وتنويع الاقتصاد حيث تمثل صناعة النفط 99% من الايرادات الحكومية.في الوقت الحالي فأن سعر النفط اقل من 45 دولار للبرميل. 

ويوضح سامي الاعرجي رئيس الهيئة الوطنية للأستثمار في العراق،"لقد اخذت بيروقراطياتنا الكثير من مواردنا لاهدارها"، مشيراً إلى "ضرورة أن العمل على تنويع الاقتصاد العراقي لتوسيع سوق العمل وكذلك توفير قاعدة ضريبية مستقرة ولكي يتحقق ذلك تحتاج بغداد الى السيطرة للتخلي عن احتكارها".

 وتسيطر الحكومة العراقية على قطاعات الطاقة والنفط والخدمات الاخرى من خلال شركات تابعه للحكومة وفي محاولة لزيادة الايرادات فقد حاولت الدولة في كثير من الاحيان ان تتنافس بقوة مع الشركات الخاصة بدلا من تجهيز نمو القطاع الخاص. 

ويحتاج العراق إلى نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم والتي تتطلب استثمارات خارجية وهذا لم يتم الا بعد ثقة المستثمرين في سلامه المؤسسات العراقية حيث يتوقف الوصول الى تلك المرحلة عن طريق اعتماد الحكومه العراقية برنامجا جذريا للأصلاح الاقتصادي.

و اوقفت الحكومة العراقية في كانون الثاني الماضي، صفقة بقيمة 104 مليار دولار مع شركة جنرال الكتريك لتوسيع امدادات الطاقة وتحديث التوربينات العاملة بالغاز في البلاد والاكثر اثارة للجدل ان الحكومة تتطلع الى خفض توفير الكهرباء المدعومة وتحويل العراقيين الى عقود مدفوعة الاجر.

ويعلق الأعرجي على ذلك "قد لايكون هناك شعبية من الناحية السياسية؛ ولكن علينا ان نوقف الاعانات" وكلما قامت الحكومة بتقليص الرواتب والاعانات كلما زاد الانفاق على البنى التحتية الجديدة وعلى الاراضي المحررة مثل الموصل فهي حاليا بدون كهرباء.ولذلك فإن العراق يقف في لحظة حاسمة. هناك إمكانية لإصلاح اقتصادي جاد لدفع عملية إعادة الإعمار، وبالتالي بناء طريق لتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة. وهناك أيضا احتمال" خطير" بأن يؤدي الشلل البيروقراطي والفساد إلى تقويض الإصلاح ومنع الاستثمار من دخول المناطق المحررة وفي الوقت الراهن، فإن المستثمرين الدوليين والحكومات الأجنبية حذرون، في انتظار معرفة ما إذا كانت بيئة الاستثمار تتحسن. وفي الوقت نفسه، فإن مستقبل العراق في أيدي العراقيين.

 

نشرت أولاً في مجلة The Atlantic

بقلم Jack Merlin Watling