دلالات نشر حزب الله إحداثيات منصّة كاريش

الاشراق|متابعة 

نشر حزب الله اللبناني مقطع فيديو يوضّح إحداثيات منصّات استخراج الغاز عند السواحل الفلسطينية المحتلة، والتابعة لبحرية العدو الإسرائيلي، وسبقتها تصريحات للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، هدّد فيها العدوّ بأنه قادر على استهداف منصة كاريش وكلّ منصات العدو وقِطَعِه البحرية في حال بدأ استخراج الغاز في أيلول/سبتمبر، واعتدى على حقوق لبنان وحدوده البحرية.

فما هي الدلالات والرسائل التي حملها نشر الإحداثيات؟

استهدف حزب الله العدوَّ الإسرائيلي في بث رسائل متتابعة، بدأت في سياق التهديد، من قمة الهرم القيادي في الحزب، ممثَّلاً بالسيد نصر الله. وفي ذلك إشارة إلى العدو، مفادها جدية التهديد وحزمه. وذكر، في سياق التهديد، كلمة الحرب أكثر من مرة، بل ذكر التوقيت، وهو أيلول/سبتمبر، وربطه بنيّات العدوّ بَدْءَ استخراجه الغاز، الأمر الذي يعني أن الزمان والفعل باتا مرهونين بتقدير موقف العدو، لكنّ المكان والساحة وامتدادات الردّ على الخطوة العدوانية، في حال تمت، لن تقتصر على الساحة البحرية، بل ستطال كل فلسطين المحتلة، براً وبحراً، وفق تصريحات السيد نصر الله.

في أعقاب إطلاق التهديد، شرع حزب الله في خطوات تترجم تهديد قائده، بدأها بتحليق المسيّرات الاستطلاعية تجاه منصة كاريش، وثانيتُها نشرُ فيديو يُظهر منصّات العدو في مرمى صواريخ المقاومة اللبنانية، وقد يُقْدِم الحزب على خطوات أخرى وفق التطورات على صعيد مواقف العدو ومسار المفاوضات غير المباشرة بشأن ترسيم الحدود البحرية.

يسعى الحزب لإثارة مخاوف العدو من أنه قادر على استنزافه في الساحة البحرية، وهي من الخواصر الأقل جاهزية في أسلحة العدو، مقارنة بغيرها، ولاسيما سلاح الطيران، فضلاً عن التداعيات الاقتصادية الخطيرة على العدو، الذي يعتمد اعتماداً شبه كليّ على الاستيراد عبر النقل البحري.

يُرسل فيديو الإحداثيات إلى الأطراف الأوروبية رسالةَ تشكيك بشأن محدودية قدرة "إسرائيل" على أن تشكّل أحد البدائل في المنطقة عن الغاز الروسي، وهي الرسالة التي قد تكون منسَّقة بين حزب الله وروسيا، التي ستكون المستفيد الأكبر من إجهاض محاولات الإدارتين الأميركية والأوروبية توفيرَ بدائل عن الغاز الروسي، الأمر الذي يشير إلى إمكان رفع مستوى التنسيق بين الطرفين (روسيا وحزب الله)، وسيفتح نوافذ فرص لأطراف محور المقاومة من أجل استثمار الساحة البحرية والأزمة العالمية لتحقيق مستوى عالٍ من التنسيق، على قاعدة تبادُل المصالح مع روسيا، الأمر الذي سينعكس على مصالح العدوّ وخططه في المنطقة، ولاسيما المسّ بعدوانه واستهدافه مواقعَ متعددة داخل سوريا، في سياق ما يسميه سياسة "المعركة بين الحروب"، التي صاغها رئيس أركان العدو السابق غادي آيزنكوت، وتبناها رئيس أركان العدو الحالي أفيف كوخافي.

لا يخلو مقطع الإحداثيات من رسائل استخبارية ونفسية وإعلامية، تبيّن نوعاً من السيطرة الاستخبارية للمقاومة اللبنانية على السواحل الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي سيُربك خطط العدو، وقد يدفعه إلى التفكير في إعادة انتشار قِطَعِه البحرية. كما أنها إحدى أدوات الحرب النفسية، التي تُعَدّ إحدى وسائل الصراع التي تُستخدم قبل الحروب والمعارك، وفي أثنائها وبعدها. ويبدو أن قيادة المقاومة باتت تدرك أهمية أداة الحرب النفسية، في التأثير في وعي العدو وجيشه وجبهته الداخلية. كما يدرك حزب الله أنه يمكنه تحقيق أهدافه من خلال بثّ رسائل الردع الإعلامية والنفسية والاستخبارية، وفي الوقت نفسه إبداء الجاهزية القتالية والميدانية، والاستعداد العالي للمواجهة العسكرية.

يخشى العدوّ أن تتطوّر لغة الخطاب والتهديد والرسائل عبر المسيّرات وفيديو الإحداثيات، إلى حرب مع حزب الله، سعى (العدوّ) لتجنّبها منذ معركة تموز/يوليو 2006. وهي الحرب التي لم يتوقّعها العدو، وفاجأت مؤسساته العسكرية والاستخبارية والسياسية، ويخشى أن يتكرّر المشهد في عام 2022، ويُفاجئه حزب الله من حيث يحتسب أو لا يحتسب. وما يُضاعف مخاوف العدو أن تتحوّل الحرب المقبلة مع حزب الله إلى حرب إقليمية متعددة الجبهات، وهي الحرب التي لم يَخُضْها العدو من ذي قبل، منذ حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973.

تأتي التطورات وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة يعانيها لبنان، وستساهم موارد الغاز المكتشَفة في سواحله في تحسين حالته الاقتصادية، الأمر الذي يعزّز شرعية حزب الله ومكانته الوطنية، ويؤكد صوابَ تمسُّك الحزب بتطوير سلاحه وقوته العسكرية، باعتبارهما ذراعاً تحمي حقوق لبنان، وتردع العدو عن سرقة غازه ونفطه. وهي رسالة الحزب الداخلية إلى كلّ الأطراف في لبنان.

من جهة أخرى، فإن رسائل حزب الله، عبر المسيّرات ونشر إحداثيات منصّات غاز العدوّ، وصلت إلى كل أطراف محور المقاومة، الأمر الذي سيرفع مستوى الجاهزية والاستعداد لدى مكونات المحور لسيناريو المواجهة العسكرية.

يدرك العدو رسائل حزب الله الأخيرة، ويقرأها بعمق، ويعي خطورتها وجديتها، ويسعى لتقدير الموقف، ويستعين بأدواته الاستخبارية من أجل قراءة نيّات الحزب. كما أنه سيُبدي رغبة أكبر في الرضوخ للمطالب اللبنانية عبر المفاوضات الجارية، حتى لا يجد نفسه في أتون حرب مع حزب الله، قد تتمدّد إلى حرب واسعة، بات يخشاها، ويتخوّف منها، الأمر الذي سيُعَدّ نصراً لحزب الله عبر رسائله الجريئة.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة