فلسطين في "بينالي البندقية"..سردية بصرية لشعب يقاوم!

الاشراق | متابعة.

في "غاليري 8" وسط "قصر مورا" التاريخي بمدينة البندقية، تتجاور أعمال تسعة عشر فناناً فلسطينياً تتنوّع بين التطريز والرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي وتركيب بوسائط متعددة، إلى جانب أفلام ومقتطفات من التاريخ الشفهي، في مساحة تبلغ 560 قدماً مربعاً.

المعرض الذي افتُتح تحت عنوان "من فلسطين مع الفن" يمثّل أوسع مشاركة في تاريخ "بينالي البندقية" منذ تأسيسه عام 1895، بعد محاولات متواصلة حثيثة لتقديم الفن الفلسطيني واجهتها معوّقات عديدة بذريعة أنّ ذلك يأتي في سياق معاداة السامية، كما كانت تزعم بعض التيارات في الصحافة الإيطالية.

مشاركة ينظّمها "متحف فلسطين - أميركا" الذي تأسّس عام 2018، ضمن البينالي الذي انطلق في الثالث والعشرين من الشهر الماضي، ويتواصل حتى السابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، حيث يحضر كلّ من الفنانين: محمد الحاج، وسناء فرح بشارة، وسمر الحسيني، وغسان أبو لبن، وجاكلين بجاني، وسامية حلبي، كريم أبو شقرة، ونبيل عناني، ورانيا مطر، ونمير قاسم، وتقي سباتين، وسوزان بشناق، وإبراهيم العزة، ولوكس إتيرنا، وحنان عوض، ومحمد خليل، وسلمان أبو ستة، وناديا إرشيد غيلبرت، ورولا حلواني.

تتدخّل السياسة في الفن وتنظيم المظاهرات الثقافية

في حديثه الذي تابعته الاشراق، يشير مؤسّس ومدير المتحف فيصل صالح إلى أنّ "مشاركات لفنانين فلسطينيين في البينالي خلال سنوات سابقة بصورة فردية أو جماعية لم تزد عضويتها عن سبعة أشخاص، وكلّ هذه المشاركات كانت منظّمة بدعم مالي من عدد من المؤسسات أو الغاليريهات"، مستدركاً "مع أن هذه الجهود كانت مهمّة جدّاً، لأنها قدّمت الرواية والفن الفلسطيني قدر الإمكان. ولأن الناس في المجتمعات الغربية لا تعرف كثيراً عن إبداع الفلسطينيين. لكن هذه المشاركات كانت في الغالب تتمّ تحت غطاء مؤسسات أو غاليريهات غير فلسطينية (عربية أو أجنبية). وهذا كان يُضعف الفكرة الترويجية لفنون فلسطين".
جانب من الجناح الفلسطيني في "بينالي البندقية" (نمير قاسم)
جانب من الجناح الفلسطيني في "بينالي البندقية" (نمير قاسم)
ويضيف: "عندما شارك "متحف فلسطين - أميركا" لأوّل مرة، واجهته صعوبة كبيرة، من ناحية التمثيل الرسمية، حيث تتدخّل السياسة في الفن وتنظيم المظاهرات الثقافية. وبرز السؤال المركزي لدينا كالتالي: كيف نقف أمام العالم لنسرد روايتنا الحقيقية؟ هل نقف فرادى تحت مظلّات الآخرين؟ أم تكون لنا منصتنا المستقلة؟ وهذا ما لا تريد الصهيونية العالمية تحقّقه".

ويوضّح صالح أنّ مؤسّسة المتحف نجحت في كسر الطوق لأوّل مرة، وأصبح للفن الفلسطيني منصته الخاصة ليخاطب كل الناس كمؤسّسة فلسطينية باسم فلسطين، وهو إنجاز يحمل بعداً سياسياً ومعنوياً للفلسطينيين، في وقت تسعى خلاله "إسرائيل" واللوبي الصهيوني في العالم لإبعاد الفلسطينيين عن المنصّات المؤثرة في العالم ليشرحوا ويقدموا روايتهم، من أجل طمس الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال.

يسعى اللوبي الصهيوني لإبعادنا عن المنصّات المؤثرة

ويشير إلى أنّ الدعاية الصهيونية دأبت على مدى عقود طويلة على شيطنة الشعب الفلسطيني وتصوير فلسطين على أنها أرض بلا شعب، وأن من يعيش في تلك البقعة من العالم ما هم إلا مجموعة من البدو الرحّل، لذلك تمّ اختيار عنوان المعرض الذي يحيل إلى أن الشعب الفلسطيني عرف الثقافة والفنون من قرون طويلة مضت، ولديه تراثه الغني بالإبداع، وأن كلمة "مِن" تعني وجود مكان اسمه فلسطين بخلاف ادعاءات العدو.

وعند سؤاله عن الرؤية التي حكمت اختيار الفنانين التسعة عشر وأعمالهم الثلاثين، يعود صالح إلى النقاشات المعمّقة التي أُجريت بين منظّمي هذه المشاركة، حيث طرح كان السؤال الجوهري الآتي: كيف نقدم الإبداع الفلسطيني للغرب بأفضل شكل وطريقة؟ لتمثل الاختيارات مجمل أوجه الإبداع المعاصر بشكل أفقي، من حيث الفئات العمرية من المبدعين، ومن حيث أساليب ولغات الإبداع المختلفة.

من المشاركات الفلسطينية (نمير قاسم)من المشاركات الفلسطينية (نمير قاسم)
ويتابع: "إننا لا نسعى إلى إظهار فنان عبقري بذاته (ولدينا الكثير منهم)، بقدر ما كنّا نسعى إلى إبراز ثقافة شعب بكامله وعرض رموزه الوطنية كالأثواب المطرزة وشجرة الزيتون ومفاتيح البيوت التي ترمز إلى حق العودة وخريطة فلسطين من سنة 1877، والتي تمثل فلسطين من النهر إلى البحر.

من جهة أخرى، يوضّح صالح بأنه بعد تخطيط وتحضير استغرقت مدّته حوالي سبعة شهور، تمّ افتتاح أول متحف فلسطيني في النصف الغربي من الكرة الأرضية، بهدف عرض الإبداع الفني الفلسطيني بكل أنواعه أمام الجمهور هناك، وتعزيز الهوية الفلسطينية في صفوف الفلسطينيين أينما كانوا، وسرد الرواية الفلسطينية للعالم أجمع عن طريق الفن.

ويذكّر بأن المتحف يحتوي أكثر من مئتي عمل فني تعود إلى حوالي سبعين فنان فلسطيني من كافة أنحاء فلسطين المحتلة والشتات. كما يوجد عدد من التماثيل البرونزية، وأكثر من مئة صورة تاريخية، وكذلك العديد من الأثواب الفلسطينية الأصلية المطرزة، والكتب القديمة النادرة، وجدارية تصور المناضلة الأميركية راتشيل كوري وعمل فسيفساء للفنانة رزان النجار، بالإضافة الى مئتين من رسومات أطفال غزة.