مظفر النواب: أيقونة «الشعر العربي» ورفيق الثوار

الاشراق | متابعة.

 في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة 20 مايو/أيار 2022، الشاعر العراقي مظفر النواب يغمض عينيه في مستشفى الشارقة التعليمي في الإمارات العربية المتحدة عن عمر ناهز 88 عاما، بعد صراع مرير مع المرض، تاركاً وراءه إرثاً شعرياً جمع بين قوة الكلمة وجرأة الموقف في حقبة عربية معاصرة تميزت بالتشرذم والاضطراب على كل الأصعدة.

حياة منفى

 ولد مظفر النواب عام 1934  لعائلة عراقية، في جانب الكرخ من العاصمة بغداد. أظهر موهبة شعرية منذ سن مبكرة، وأكمل دراسته الجامعية في جامعة بغداد وأصبح مدرسا، وانخرط في العمل السياسي بعد انتمائه إلى الحزب الشيوعي العراقي.

وبسبب ميوله ومواقفه الثورية، ومعارضته الشديدة للحكومات العراقية المتعاقبة، كان في كل لحظة من حياته يتعرض للمضايقة والاعتقال والتعذيب، منذ عام 1955 حين فُصل من عمله في التدريس، بل إن محكمة عراقية أصدرت حكماً بالإعدام في حقه بسبب إحدى قصائده، وخُفف في ما بعد إلى السجن المؤبد. وفي سجنه الصحراوي (نقرة السلمان) أمضى وراء القضبان مدة من الزمن، ونُقل إلى سجن (الحلة) جنوب بغداد، لكن فرّ منه وعاش في منطقة الأهواز بين الفلاحين والبسطاء من الناس. غادر بلده العراق عام 1963، وتنقل بين عواصم عربية وأوروبية. وفي عام 2011 عاد إلى بلده «زائرا» بعد أربعين عاما من المنفى. وقضى آخر أيامه في إمارة الشارقة تحت وطأة المرض ، بل دخل في غيبوبة قاسية وهو الذي قال جملته القاسية ونُشرت على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «مُتعبٌ مني، ولا أقوى على حملي». وقد لازمه في هذه الفترة الأخيرة صديقه السوري حازم الشيخ، فكان سندا له حين خذله «أنصاف الرفاق».

شاعر ثوري

 اشتهر بقصائده الثورية القوية والنداءات اللاذعة ضد الطغاة العرب، مثل قصيدته «القدس عروس عروبتكم» التي شتمهم فيها بسبب تخاذلهم عن نصرة فلسطين والدفاع عن القدس، وكان يلقب «الشاعر الثوري» نظير ما يحفل به شعره من رموز ثورية مستلهمة من نضال الشعوب العربية والإنسانية، ووصفت لغته بالشرسة، حيث تلجأ إلى استخدام الألفاظ النابية من حين لآخر. وتميز بأسلوبه المتفرد في إلقاء الشعر وأقرب ما يكون إلى الغناء أحياناً، خاصة عندما كان في مواجهة الجمهور. واستخدم في كتاباته الأولى لهجة جنوب العراق، قبل أن يتحول عنها إلى اللغة الفصيحة. وكان صاحب صوت مؤثر ليس في جمهوره الذي كان يحج إلى أمسياته الشعرية وحسب، بل في أجيال من الشعراء المجايلين واللاحقين داخل العراق وخارجه.

ومن أشهر قصائده العامية والفصيحة التي حققت جماهيريته الواسعة، ووضعته في مصاف شعراء الأرض الثوريين: «القدس عروس عروبتكم، وتريات ليلية، الرحلات القصية، المسلخ الدولي وباب الأبجدية، بحار البحارين، قراءة في دفتر المطر، الاتهام، بيان سياسي، بنفسج الضباب، رسالة حربية عاشقة، اللون الرمادي، في الحانة القديمة، جسر المباهج القديمة، قمم، جرس عطلة، ندامى، اللون الرمادي، الريل وحمد، أفضحهم، زرازير البراري، بكائية على صدر الوطن، قل هي البندقية أنت، وقصيدة من بيروت…».

ورغم شهرة هذه القصائد السياسية، إلا أن شعره العاطفي والغزلي، خاصة باللهجمة العامية العراقية لا يقل جمالا وتأثيرا، لكن إلى اليوم لم تُطبع أعماله الشعرية الكاملة.



شهادات ورثاء
حسن ناظم (وزير ثقافة وناقد عراقي):
رحيله يمثل خسارة كبيرة للأدب العراقي لما كان يمثله كنموذج للشاعر الملتزم، كما أن قصائده رفدت المشهد الشعري العراقي بنتاجٍ زاخر تميز بالفرادة والعذوبة».

محمد علي شمس الدين (شاعر لبناني):
خسارة صوت شعري جارح وجميل.

محسن الرملي (روائي عراقي):
مات بحسرة وطن وأمة.. ونحن بمثل حسرته سنموت
مات الذي كان يجلدهم بصوته.. ونحن من بعده لهم لشاتمون
وداعا أيها الكبير مظفر النواب.

لطفية الدليمي (روائية ومترجمة عراقية):
أقرأ قصائد مظفر النواب الشعبية التي تحولت إلى أيقونات وجدانية لدى جيلنا والجيل اللاحق، فأنتشي طربا لبلاغة التعبير وشعرية الصورة وغناها الحسي والوجداني، وأبعادها الرمزية المتواشجة مع ذاكراتنا الجمعية.
لك البقاء والخلود في قلوب محبيك، أيها الصانع الماهر للشعر الشعبي، وأنت الذي قلت من فرط الأسى: (متعب مني، ولا أقوى على حملي). والآن حلقت بك الروح حتى الأقاصي لتحملك برهافة ورقة قصيدة وتنجيك من أوجاعك الأرضية وانخذال الجسد.

المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي:
بأسى عميق تلقينا النبأ الفاجع برحيل الشاعر الكبير والمكافح الجليل مظفر النواب في غربته القسرية. كان «أبو عادل» رمزا في الشعر وفي النضال، جسد، في قصائده وفي مواقفه، الروح العراقية الثائرة وأفقها الإنساني. وتحول مثال حياته إلى أسطورة تلهم الشعراء والمناضلين.
وكانت قصائد نزيل السجون، وشريد المنافي، وغريب الديار، تجول في مدن وشوارع البلاد، وتتألق على ألسنة الملايين من المنشدين، وهي تصور مسيرة الكفاح الثوري لشعبنا، وتمجد الشهداء، وتحتج على الظلم، وتتحدى الاستبداد، وتهز عروش الطغاة، وتغني للعاشقين، وتضيء المشاعر الإنسانية السامية. أضحت هذه القصائد سلاحا بيد الثائرين، وهي تجمع بين صور الحب والكفاح السياسي، لتتحول إلى مشعل يضيء الدروب للساعين إلى أفق الحرية والجمال والعدالة.

عادل عبد المهدي (سياسي عراقي):
عرفت النواب منذ مطلع السبعينيات. وبعد عودتي من فرنسا إلى دمشق في 1973 نزلت عنده لفترة قصيرة في قبوه في حي التجارة. ثم عندما استقر بي المقام في دمشق وغادرها هو إلى بيروت، كان يقضي فترة في داري عندما يزور دمشق. وكنت أجد عندما أزوره في بيروت مبيتاً في سكنه. ولطالما حفظ دفاتره وأشرطته وحقائبه عندي بسبب كثرة تنقله وعدم استقراره. وكنا في معظم سبعينيات القرن الماضي في تيار سياسي مشترك. فنلتقي ونتواصل وننظم مواقفنا يومها بشكل شبه دائم. ثوري بمفاهيم عصره، ويقاربها من الثورة الحسينية المباركة. محارب للاستبداد والطائفية والصهيونية والاستعمار بشدة وعناد.

محمد الكاظم (قاص عراقي):
البقاء في حياتك يا عراق.. رحل الشاعر الكبير مظفر النواب الذي يقول: «وقنعتُ بأن يكون نصيبي في الدنيا كنصيب الطير، لكنْ سبحانك، حتى الطير لها أوطان وتعود إليها، وأنا ما زلت أَطير». ها أنت تحط أخيراً أيها الطائر الغريب. هذه هي نهاية الرحلة. وهذه هي آخر محطة في هذا المشوار المُر. وداعاً أبا عادل.

راسم المدهون (شاعر فلسطيني):
مشواره مع الشعر ظل مترافقا مع الثورة والغضب: مع ذلك لا يجوز لهذا أن يختصر حضوره الفني، إذ هو شاعر النسيج الدرامي للقصيدة، وشاعر الخطابة المسرحية التي تبرع في تشكيل المشهد ورسم صورة الحياة.. زمن طويل مرّ ولم نلتق، وكنت أتابع مرضه عن بعد في العراق وأحس باقتراب خسارته.

محمد الولي (بلاغي مغربي)
القصيدة العربية مصابة في قلبها بوفاة الشاعر العربي العظيم مظفر النواب. مات في هذا الليل الحالك الذي أصبحت فيه الوضاعة الأخلاقية صاحبة النفوذ المطلق، وحيث أغلب المثقفين يتزاحمون على المدود، وبانتشاء رخيص، لنيل أقساط من العلف الوسخ.

شكري المبخوت (أكاديمي روائي تونسي):
رحم الله صاحب «عروس السفائن»… ملأ شبابنا حماسا وكهولتنا شعرا خالصا.

إبراهيم عبد المجيد (روائي مصري)
يا للحزن. مظفر النواب الشاعر المناضل يرحل..

كمال أخلاقي (شاعر مغربي):
ماذا نملك من هذي الأوطان
سوى الحزن
وننتظر الموت وصمت أولي الأمر
وتوزيع الحسنات
إلى اللقاء أيها الشاعر.. مظفر النواب

عمر أبو الهيجاء (شاعر أردني)
وداعا شاعر الثورة المختلف:
«وماذا بعد؟ سرت في اتجاهك العمر كله.. وحين وصلتك انتهى العمر».

لطفي خلف (شاعر فلسطيني):
لا إرث خلفك
لا قصور ولا خدم
لا إثم يطفو عابرا سطح الندم
لكن شعرك ما انحنى
لزعامة أبدا ولم….

بوبكر العموري (شاعر تونسي):
وداعا شاعر المتعبين.. وداعا شاعر الثوار.. وداعا شاعر العروبة والوطن الحزين
وداعا رفيقي الذي تربينا عليه في الصمود والشجاعة والكبرياء
وداعا مظفر النواب… القصيدة والوطن.