تورط تجار إماراتيون وإسرائيليون في تهريب آثار عراقية إلى أمريكا

 

هذه المقالة نشرت أولاً على رصيف 22

 

مرة جديدة، تتكشف فضائح وخبايا حول متورطين في ملف الآثار العراقية المسروقة، لتؤكد حجم الكارثة وعمق الجرح المفتوح، وتحديداً منذ الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003.

طالت الفضيحة هذه المرة شركة "هوبي لوبي" Hobby Lobby الأمريكية لبيع الأعمال الفنية واليدوية بالتجزئة، وذلك بعد اتهام وزارة العدل الأمريكية لها باللجوء إلى مهربي آثار لشراء نحو 5500 قطعة أثرية تمّ شحنها إلى الولايات المتحدة عبر بيانات مزيفة تصف محتويات الطرود بأنها "بلاطات من السيراميك" مصدرها تركيا.

وكشف بيان الوزارة تورط أطراف خارجية مع "هوبي لوبي"، إذ يشير إلى وصول الطرود إلى الولايات المتحدة عبر الإمارات وإسرائيل، وبينها قطع نادرة وقيّمة كـ"الأقراص المسمارية".

سرعان ما عبرت الشركة الأمريكية عن أسفها لما جرى، على اعتبار أنها "كانت جديدة على عالم الآثار حين بدأت شراء القطع التاريخية لمتحفها للكتاب المقدس في العام 2009"، معترفة أنها "أخطأت حين اعتمدت على تجار وشركات شحن لم يفهموا الطريقة السليمة لتوثيقها وشحنها".

وافقت الشركة على دفع ثلاثة ملايين دولار لتسوية الاتهامات المدنية، فيما أوضح رئيس الشركة ستيف غرين أنه "خلال فترة زمنية قصيرة اشترت هوبي لوبي قطعاً من تجار بالعراق أو من أي أحد أشار إلى حصوله على قطع من هذا البلد"، آسفاً بالقول "نتحمل المسؤولية وتعلمنا الكثير... وقد بدأت الشركة تطبيق سياسات وإجراءات".

في المقابل، لم يشفع "جهل" الشركة لها أمام ممثلي المدعين العامين والفدراليين في بروكلن الذين أكدوا أن الشركة، ومع بدء تكوين مجموعتها، تلقت تنبيهاً من خبير في قانون حقوق الملكية الثقافية حول ضرورة توخي الحذر عند شراء الآثار من العراق لأنها في بعض الحالات سرقت من مواقع أثرية.

وأوضحوا أنه "على الرغم من التحذير وتحذيرات أخرى فإن الشركة اشترت في ديسمبر كانون الأول 2010 آلاف القطع من وسيط دون أن تلتقي بالمالك المزعوم".


من القطع الاثرية المهربة

وبحسب المدعي العام، فقد كان شراء "هوبي لوبي" لتلك القطع، في ديسمبر العام 2010، مشوباً بالريبة، إذ لم تتلق الشركة معلومات متضاربة حول أصل القطع وحسب، بل لم يجتمع ممثلوها أبداً أو يتحدثوا مع الموزع الذي يفترض أنه يمتلكها، وفقاً لما جاء في الشكوى.


"هوبي لوبي" والهلال الخصيب

تُعرف "هوبي لوبي" بأنها صاحبة مشروع متحف "الكتاب المقدس"، الذي يفترض افتتاحه أواخر العام الحالي بتمويل يصل إلى 500 مليون دولار. ويضم المعرض أكثر من 44 ألف قطعة من البحر الميت إلى أجزاء الكتاب المقدس في غوتنبرغ.

وتشتمل بعض الأجزاء المهمة على قطع قديمة من العهد الجديد، مما لم يتم نشره بعد، وأكبر مجموعة من لفائف التوراة والطبعات الأولى من الكتاب المقدس، إضافة إلى الكتاب المقدس القمري و هو أول كتاب مقدس ينقل إلى جرم سماوي آخر.

وكانت الشركة ربحت في العام 2014 دعوة ضد حكومة أوباما في قضية وسائل منع الحمل باعتبارها انتهاك للمعتقدات الدينية، وقضت المحكمة بحماية الشركة بموجب قانون استعادة الحرية الدينية من "العبء الكبير" الذي فُرض على حريتها الدينية من قبل الحكومة.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن مالكي الشركة، المسيحيين الإنجيليين، قد أظهروا منذ فترة طويلة اهتماماً بالشرق الأوسط "المذكور في الكتاب المقدس"، إذ بدأوا في العام 2009 بجمع التحف الأثرية من منطقة الهلال الخصيب.

ليست خلفية الشركة وتورطها في السوق السوداء ما يجعل قضية الآثار العراقية شديدة الحساسية، بل أسباب عديدة أخرى ترتبط أساساً بحجم السرقات التي طالت هذه الآثار والتدمير الذي لحق بما تركته الحضارات العراقية. يُضاف إليها حملة الهدم والتهريب التي ارتكبتها الجماعات المتطرفة و"داعش" تحديداً في هذا المجال كما اعتماده على الآثار كمصدر تمويل، فضلاً عن التورط الإماراتي والإسرائيلي في هذه القضية.

ماذا جرى مع المهربين من الإمارات وإسرائيل؟

وفقاً لما نقلته مجلة "ذا أتلانتيك"، اشترت الشركة آلاف القطع الأثرية المهربة من العراق عبر الإمارات وإسرائيل بين عامي 2010 و2011. وفي العام 2010، زار رئيس الشركة الإمارات مع خبراء آثار لتفقد 5548 قطعة أثرية كانت معروضة بشكل عشوائي في صناديق من دون وضع ورق حماية يفصلها، ومن بينها أقراص مسمارية تظهر الكتابة المستخدمة في بلاد ما بين النهرين.

التقى غرين بتاجر إماراتي وتاجرين إسرائيليين قالوا إن المعروضات تعود إلى عائلة شخص إسرائيلي ثالث، كانت قد حصلت عليها بصورة قانونية من خلال المشتريات التي تمت في الستينيات.

وبحسب التقرير، ادعت الشركة أنها سمعت أنه في السبعينات تم تخزين المقتنيات في الولايات المتحدة تحت حراسة أحد الأشخاص، ولكن تبين أن الشخص المعني لم يقم بالتخزين للطرف الإسرائيلي الثالث (المالك المفترض)، كما أن الشركة لم تتواصل مع "الحارس" الذي سمعت عنه للتأكد من صحة المعلومة.

يُذكر أن خبير آثار بعث رسالة إلى محامي الشركة جاء فيها أنه يتحفظ على اقتناء آثار يرجح أنها نهبت من العراق، موضحاً أن ما بين 200 إلى 500 ألف قطعة نهبت من مواقع أثرية عراقية منذ مطلع التسعينات، وبينها أختام أسطوانية وأقراص مسمارية.

كما نبّه المعنيين لديها بأن المقتنيات الأثرية العراقية محمية بموجب القانون، ومثل هذه الصفقة قد ترتب عقوبات جنائية وغرامات طائلة. على الرغم من ذلك تابعت "هوبي لوبي" إجراء الصفقة.

وبحسب تقرير المجلة، أرسل التاجر المقيم في الإمارات القطع إلى ثلاثة عناوين مختلفة تابعة للشركة في أوكلاهوما في الولايات المتحدة، متبعاً أسلوب مهربي الآثار في حماية أنفسهم من مراقبة جهاز الجمارك، في حين حولت "هوبي لوبي" مبلغ 1.6 مليون دولار (ثمن القطع) إلى خمسة حسابات مصرفية مختلفة بأسماء مختلفة.

أعلنت الحكومة الأمريكية أنها ستنشر إشعاراً عبر الإنترنت يمنح أصحاب القطع الأثرية 60 يوماً للتقدم للمطالبة بها، بعد ذلك، يمكن للحكومة العراقية تقديم مطالبها الخاصة، بينما تقرر وزارة العدل الأمريكية في نهاية المطاف مصير القطع.

على هامش آخر، تفيد الإشارة إلى أن تقارير عدة صنفت إسرائيل باعتبارها بين أكبر المتورطين بسرقة الآثار العراقية، وقد استفادت من فترات الحصار في التسعينات، ومن ثم من الاجتياح الأمريكي. وتشير التقارير إلى صفقات تمت بين دبي وأبو ظبي ولندن وباريس وصولاً إلى إسرائيل.

المصير المجهول

وإن اتخذ المسؤولون الأمريكيون موقفاً صارماً من تورط "هوبي لوبي" في هذه الصفقة المشبوهة، إلا أن تفاصيل التورط الأمريكي في تدمير آثار العراق ما زال طازجاً في الذاكرة العراقية.
بعد مرور أكثر من 14 عاماً على الغزو الأمريكي للعراق، لا يزال مصير مئات الآلاف من القطع الأثرية التي تعرضت للنهب والسرقة مجهولاً، وذلك بعد سرقة ما يقارب 15 ألف موقع أثري وتدميره، بالإضافة إلى تعرض المتحف العراقي الوطني في بغداد إلى ما بات يُعرف بأكبر عملية سرقة آثار في التاريخ.
وعلى سبيل المثال، وثقت "الأونسكو" في تقرير يقيّم الأضرار في موقع بابل الأثري استخدامه كقاعدة عسكرية لقوات التحالف من العام 2003 وحتى العام 2004.
وبينما أغلق المتحف العراقي سنة 2003، قبيل الغزو، أبوابه، كان يفترض بحسب المواثيق والمعاهدات الدولية أن تقوم سلطات الاحتلال الأمريكي/البريطاني بحماية الآثار فيه، لكنها لم تفعل، ما أتاح نهب وتدمير الكثير من محتويات المتحف العراقي، وقد بلغت حصيلة السرقة 11 ألف قطعة أثرية، يعتبر معظمها نادراً جداً.
في إحدى المقابلات معه، قال منقب الآثار العراقي البارز عامر عبد الرزاق "بعد أن احتلت القوات الأمريكية العراق حدث ما لم يكن متوقعاً. كانت مفاجأة كبرى لنا كمختصين بالآثار وللشعب العراقي والعالم بأن يتعرض المتحف العراقي الوطني في بغداد إلى أكبر عملية سرقة في التاريخ".
ويشرح عبد الرزاق "دخل أشخاص منهم من أهل البلد ومن الخارج المتحف العراقي في منطقة العلاوي وسط بغداد، وسرقوا ما يمكن سرقته وهشموا ما لا يستطيعون سرقته، كله حدث على مرأى ومسمع من القوات الأمريكية التي كانت قريبة من المتحف"، مؤكداً أن "القوات الأمريكية استخدمت عشرات المواقع الأثرية في شمال وجنوب العراق كثكنات عسكرية لها".
ولا يزال العراق يطالب باستعادة آثاره، لكن هذا الملف يبقى شائكاً، لا سيما بعد فقدان السجلات التي توثق مواصفات القطع وأسمائها، إذ بات من الصعب إمكانية حصرها وبالتالي المطالبة بها