العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا: نتائج المرحلة الأولى

الاشراق | متابعة.

 بعد 30 يوماً على بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، يمكن الخروج باستنتاجات وإعطاء التقييمات واستخلاص العبر، اعتماداً على الوقائع على الأرض، وما نشره رسمياً الطرفان الروسي والأوكراني عن سيرها ونتائجها الأولية.
الحرب الروسية الأوكرانية.. 5 سيناريوهات للنهاية آخرها يهدد «وجود العالم» |  المصري اليوم
خلال شهر مِن القتال، استطاعت القوات الروسية أن تتوغل عميقاً داخل الأراضي الأوكرانية، وتفرض حصاراً على العاصمة كييف وثاني المدن الأوكرانية خاركوف. أما في الجنوب، وخصوصاً على الضفة اليمنى لنهر دنيبر، فإن القوات الروسية تسيطر على مقاطعة خيرسون بالكامل، وعلى مقاطعتي نيكولايف وزابورجيه جزئياً، حتى إن طلائع القوات الروسية أصبحت على مشارف مدينة زابورجيه، كما أنها تسيطر بالنار على مدينة نيكولايف.

 وفي الوقت نفسه، فإن عملية تمشيط ماريوبول مِن بقايا كتيبة آزوف المتطرفة والقوات الأوكرانية دشّنت خواتيمها، ولن يستغرق تطهيرها بالكامل سوى أيام معدودة. إلى جانب ذلك، فإن المجموعة الموحدة للقوات الأوكرانية على محور دونباس باتت شبه محاصرة ومهدّدة بالإبادة. ولولا التعزيزات التي تلقّتها هذا المجموعة مِن جنوبي أوكرانيا وغربيّها ووسطها، لحسمت المعركة على هذا المحور في أواسط آذار/مارس، إلا أن هذه التعزيزات لم توقف الانهيار، بل أجّلته لبعض الوقت فقط، وإن العدّ التنازلي لهذا الوقت قد بدأ فعلاً. في المقابل، تم إضعاف محور خاركوف، ما أدى إلى سقوط مدينة إزيوم الاستراتيجية في أيدي القوات الروسية، بما فيها مِن آليات ومعدات عسكرية.

 وإذا تحدثنا عن خسائر القوات الأوكرانية في الآليات والمعدات العسكرية، فإنها بلغت أرقاماً مذهلة. وكما يبدو، إن تقارير وزارة الدفاع الروسية عن حجم هذه الخسائر ليس فيها الكثير مِن المبالغة، خلافاً للتقارير الأوكرانية عن حجم الخسائر في صفوف القوات الروسية، سواء في الأرواح أم في الآليات والمعدات، والتي تحمل طابعاً دعائياً بالدرجة الأولى لرفع المعنويات والتشجيع على التعبئة العسكرية.

وإذا تحدّثنا عن نسب الخسائر في الآليات والمعدات العسكرية، فإن أوكرانيا خسرت نصف دباباتها وآلياتها المدرعة ونصف مدفعيتها وربع راجمات صواريخها. أما إذا تحدثنا عن البحرية، فيمكن القول إن أوكرانيا لم تعد تمتلك أسطولاً في بحر آزوف، أما أسطولها في البحر الأسود فهو مسمّر في قواعده، ولا يشارك في أي عمليات عسكرية، بعد أن فرض الأسطول الروسي حصاراً تاماً على الموانئ الأوكرانية.

المصير نفسه يتقاسمه سلاح الطيران الأوكراني، الذي دمّر بشكل شبه تام، باستثناء عدد محدود للغاية مِن المسيّرات، كذلك بالنسبة إلى قدرات الدفاع الجوي الأوكرانية. وتجدر الإشارة إلى أن استهداف روسيا لورشات صيانة الأسلحة الأوكرانية، يجعل ما تبقّى لدى كييف مِن آليات ومعدات عسكرية مجرد حديد خردة. وعلى هذا الأساس، فإن كل ما يمكن أن تقاتل به أوكرانيا في الأسابيع المقبلة هو إمدادات السلاح اليدوي المتوسط، كالصواريخ المضادة للدروع والطائرات، التي تحصل عليها مِن دول حلف شمال الأطلسي.

لكن الضربات الدقيقة الأخيرة لمخازن وأكداس هذا السلاح في مقاطعات غرب البلاد، ولا سيما في ميدان "يافوروفسكي" بالقرب مِن الحدود البولندية، يجعل هذه الإمدادات عرضة للاستهداف الدائم. وحتى المرتزقة الذين أبدوا حماسة في الأيام الأولى للقتال ضد الجيش الروسي في أوكرانيا، سرعان ما فقدوا هذه الحماسة، وبدأوا يغادرون جبهات القتال بعد مصرع العشرات منهم في قصف روسي عالي الدقة وعمليات عسكرية خاصة في مناطق مختلفة.

 أما الخسائر الروسية، فهي من دون شك أقل بمرات مِن الخسائر الأوكرانية، نظراً إلى الفارق الكبير بين الطرفين المتحاربين في التجهيزات العسكرية، وكذلك بسبب الأسلحة العالية الدقة التي يستخدمها الجيش الروسي لتوجيه ضربات عن بعد، من دون تماس مباشر مع القوات الأوكرانية.

 وإذا رجعنا إلى حجم الخسائر في الأرواح، فإن موسكو تحدثت عن نحو 1,400 قتيل في صفوف قواتها، إضافة إلى نحو 4,000 جريح. وهذا الرقم يبدو منطقياً. أوكرانيا هي الأخرى تتحدث عن رقم مماثل مِن الخسائر في صفوف قواتها. لكنّ مصادر أوكرانية غير رسمية تقول إن الخسائر الفعلية أكبر بعشر مرات، أي نحو 15,000 قتيل، وأكثر مِن 30,000 جريح.  

 من المهم الإشارة إلى أنّ روسيا تتفوّق استراتيجياً، كمّاً ونوعاً، على أوكرانيا، سواء أكان بقدرة الدفع بالمزيد مِن الآليات إلى جبهات القتال، أم في ما يتعلق باستدعاء الاحتياط. صحيح أن كييف استطاعت أن تعلن موجتين مِن التعبئة منذ اندلاع المعارك، لكنّ الإقبال على مراكز التجنيد يبقى ضعيفاً.

زد على ذلك أن مئات الآلاف ممّن يستطيعون حمل السلاح غادروا أوكرانيا كلاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي، ولا يبدو أنهم متعطّشون للقتال. ويجب أن لا نُسقط مِن الحسابات أيضاً أن أكثر مِن ثلث الأراضي الأوكرانية أصبح تحت سيطرة القوات الروسية، وهذا يعقّد التجنيد في هذه المناطق.

 ممّا تقدم يمكن الاستنتاج أن القوات الأوكرانية غدت على وشك الانهيار، وهذا ما يفسّر توسّل الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى الغرب، طلباً للسلاح وفرض حظر جوي فوق أوكرانيا. وإذا عدنا إلى تقديرات خبراء عسكريين روس قريبين مِن المؤسسة العسكرية الروسية، فإن المرحلة الأولى يفترض أن تستغرق شهراً ونصف شهر، وتنتهي في منتصف شهر نيسان/ أبريل بتحرير مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك بالكامل، والسيطرة على مساحات واسعة على الضفة الشرقية مِن نهر دنيبر، لإقامة حزام أمني عميق لحماية دونباس، مع إبقاء الحصار على كييف وخاركوف لاعتبارات سياسية بالدرجة الاولى.

 أما المرحلة الثانية، فهي تتعلق باحتمالات نشوب حرب عصابات في أوكرانيا، ولكن لكل حادث حديث.

تقرير تابعته الاشراق للكاتب سلام العبيدي.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.