الخيارات والمواقف الفلسطينية تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية

الاشراق | متابعة.

تستمرّ المواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا وتزداد سخونتها يوماً بعد يوم، وتسعى الولايات المتحدة الأميركية والغرب لحشد أكبر موقف دولي ضد روسيا، بهدف عزلها سياسياً، بالتوازي مع الخطوات الاقتصادية ضدها، والدعم للقوات الأوكرانية، عسكرياً واستخبارياً.

يتّسم الموقف الفلسطيني، على المستويين الرسمي والفصائلي، بالحياد الإعلامي الذي لم يعلن تأييده أو إدانته لأحد طرفي الأزمة، وهو الموقف الذي لا يعكس بالضرورة التوجهات الحقيقية.

تتفق الأطراف الفلسطينية على أن نقطة التحول في مسار الصراع مع العدو الصهيوني، والتي عززت المشروع الصهيوني، وأدّت إلى تراجع عوامل القوة للقضية الفلسطينية، بدأت مع انهيار الكتلة الشرقية وتفكك الاتحاد السوفياتي، وتحول النظام العالمي إلى نظام القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة على أنقاض النظام الثنائي القطبية، الأمر الذي هيّأ البيئتين الدولية والإقليمية لفرض تسوية تتجاوز الحقوق الفلسطينية، انتهت بتوقيع اتفاقية أوسلو في الـ 13 من أيلول/ سبتمبر 1993، بحيث افتقدت القيادة الرسمية الفلسطينية، ممثَّلة بمنظمة التحرير، هامشَ المناورة، بين القطبين الدوليين.

رعت الولايات المتحدة مفاوضات التسوية منذ توقيع اتفاقية أوسلو، والتي نصت على الاتفاق على قضايا الحل النهائي خلال خمسة أعوام، على أساس قرارات الشرعية الدولية، بحيث تؤدي المفاوضات إلى إنشاء دولة فلسطينية وفق حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967. ونظراً إلى تماهي الولايات المتحدة مع الموقف الإسرائيلي، وضعف تأثير روسيا في إطار الرباعية الدولية، فشل مسار التسوية في إنجاز الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. ومع ذلك، تبنّت روسيا مواقف سياسية داعمة للموقف الفلسطيني في المحافل الدولية.

صنّفت الولايات المتحدة حركات المقاومة الفلسطينية "حركات إرهابية"، وتبعتها الدول الغربية. ولم يعترف الغرب بنتائج الانتخابات التشريعية عام 2006، والتي فازت فيها حركة "حماس"، بينما عدّت روسيا الانتخابات شرعية، ولم تصنّف الحركة "إرهابية"، واستقبلت الدولة الروسية قادة "حماس" عدة مرات.

تدرك قيادة السلطة الفلسطينية وقيادة المقاومة الفلسطينية أن تراجع الهيمنة الأميركية، ونشوء عالم متعدد الأقطاب، يصبّان في مصلحة القضية الفلسطينية، ويحدّان الدعمَ الأميركي المطلق لمصلحة حليفة واشنطن الاستراتيجية في المنطقة، "إسرائيل". ونظراً إلى صعوبة تبنّي الموقف الروسي علناً، في صراعه مع أوكرانيا، إلاّ أنّ الموقف الفلسطيني يؤيد عودة روسيا قطباً عالمياً يُنهي حالة التفرد للقطب الأميركي.

يبدو أن عوامل تبنّي السلطة الفلسطينية موقف الحياد، ترجع إلى الضغوط الأميركية، التي تطلب منها إدانة روسيا علانية، وعدم الاكتفاء بالحياد. وما زالت السلطة تراهن على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن تحريك مسار التسوية، وإعادة فتح مكاتب منظمة التحرير في واشنطن، وإعادة فتح القنصلية الأميركية في شرقي القدس المحتلة. من جهة أخرى، لا تريد السلطة تكرار تداعيات تأييد قيادة منظمة التحرير للعراق في اجتياحه الكويت، الأمر الذي انعكس سلباً على المصالح الفلسطينية في العراق والكويت ودول الخليج بصورة عامة، بعد انتهاء الحرب.

موقف حركة "حماس" والقوى الفلسطينية كان أكثر وضوحاً، بحيث قال القيادي الحمساوي، موسى أبو مرزوق، إن الصراع بين روسيا والغرب مؤشر على تراجع الهيمنة الأميركية، وإن أحد دروس الحرب أن عهد أميركا كقطب متفرد في العالم انتهى. واعتبر أن من لا يتخذ قرار الحرب لا يمكن أن يكون مقرر السياسة الدولية، وهو ما سيؤثّر في مستقبل العدو الإسرائيلي في المنطقة، من دون أن يعبّر عن تأييده العلني للطرف الروسي.

يسعى العدو للخروج بأقلّ الخسائر ومعالجة التحديات التي فرضتها الأزمة بين أوكرانيا والغرب من جهة ، وروسيا من جهة أخرى، ويعمل على استثمار الفرص المتاحة، سواء سعيه لاستجلاب مزيد من المهاجرين اليهود من أوكرانيا، أو استخلاص الدروس العسكرية والاستخبارية من مسرح العمليات الحربية، وحتى دراسة سيناريوهات تموضعه وتحالفاته المستقبلية مع روسيا والصين، كقوتين منافستين لزعامة العالم على حساب القوة الأميركية المهيمنة، الأمر الذي يفرض على القوى الفلسطينية قطع الطريق على تحقيق الأهداف الصهيونية، واستخلاص عِبَر الصراع الجاري ودروسه، على نحو يخدم المصالح الفلسطينية، وأبرزها فتح قنوات اتصال بالدولة الروسية، وعدم الرهان على أيّ تحولات على الموقف الأميركي، وتفعيل الأداتين الإعلامية والدبلوماسية، اللتين تُظهران ازدواجية الغرب تجاه ما يسميه المقاومة الأوكرانية، وتسخير كل وسائل الدعم والإسناد لأوكرانيا عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، وفرض عقوبات وعزلة على روسيا. وفي المقابل، توصَف المقاومة الفلسطينية بـ"الإرهاب". وبدلاً من فرض عقوبات على الاحتلال والعدوان الإسرائيليَّين على الشعب الفلسطيني وتنكُّره لحقوقه المشروعة، يحاصر الغربُ الشعبَ الفلسطيني ويصف مقاومته بالارهاب!!

سيساعد فتح قنوات اتصال بين القوى الفلسطينية والقيادة الروسية على فتح نوافذ فرص لمصلحة دعم الحق الفلسطيني، بينما بقاء موقف الحياد السلبي، واستمرار رهان السلطة الفلسطينية على مواقف أميركية لمصلحتها، لن يؤدّيا إلى تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية المشروعة.