التطبيع من بوابة نظام البحرين
الاشراق | وكالات.
مُخطئٌ مَن يعتقد أنَّ سياسة التطبيع مع "إسرائيل" في البحرين وليدة المرحلة، أو أنَّها جاءت بالتزامُن مع عملية التحضير لـ"صفقة القرن". هي سياسةٌ سبقت هذه الصفقة بمراحل، كما أنَّ لها جذوراً تاريخيّة لا يمكن القفز عنها.
تاريخياً، شكّلت البحرين أحد الخطوط المُخصَّصة لتزويد تل أبيب بالحديد المُستعَمل لتصنيع الأسلحة، وذلك عن طريق الجوّ (خطّ كلومبو- بحرين- "إسرائيل").
كما تمَّ التسويق للبضائع المُصنَّعة في "إسرائيل" في دول الخليج عبر البحرين، إلى أن أعلن بنك "لاندوشين" السعودي منع فتح اعتمادات لتوريد بضائع "إسرائيل" عن طريق مؤسَّسات وشركات في البحرين، كما ورد في كتاب "يهود البحرين" للكاتب والصّحافي علي الجلاوي.
وكانت عوائل يهودية، أعضاء في البلدية وفي بيت التجار، تمرّر البضائع الإسرائيلية والحديد، ما أثار حينها حفيظة البحرينيين، وحتى الصحافة، التي كتبت بكلِّ جرأةٍ عن هذا الموضوع في تلك المرحلة، كما جاء في كتاب الجلاوي.
بالعودة إلى بدايات المشروع الإصلاحي الذي أطلقه الملك البحريني في العام 2001، فقد بدا جلياً أنّ السلطة أولت المواطنين اليهود اهتماماً خاصاً، سواء عبر تعيينهم في مجلس الشورى أو تكليفهم سفراء. وهذا الاهتمام لم يكن اعتباطياً، بل يمكن قراءته في إطار السّعي لمدّ جسور العلاقة مع "إسرائيل".
في العام 2008، التقى الملك الجالية اليهودية من أصولٍ بحرينيةٍ في لندن، ودعاها إلى العودة إلى البحرين. بعدها جاءت خطوة تعيين عضو مجلس الشورى، هدى نونو، سفيرةً للبحرين في واشنطن، وهي تنتمي إلى الديانة اليهودية، فهل أرادت البحرين استخدام اليهود ممرَ عبور للتطبيع مع "إسرائيل"؟ ولماذا كانت السفيرة يهودية تحديداً؟
يمكن الإجابة على هذين السؤالين من خلال شقّين؛ الأول أنَّ البحرين تسعى إلى التَّسويق لنفسها كمركزٍ للتسامُح الديني عالمياً، وهي تمتلك المقوّمات لذلك، بحُكم التعايُش المجتمعي الموجود والمُتأصّل لدى شعب البحرين القادِر على التمازُج بين مكوّناته. والشق الآخر يتمثل بوجود اليهود في البحرين، ذلك أنَّ من شأنه أن يضع لها قدماً على سكّة التطبيع مع "إسرائيل"، وهو ما حصل.
لقد أدَّت هدى عزرا نونو، خلال فترة عملها كسفيرةٍ في واشنطن، دوراً فاعِلاً في تعبيد الطريق بين البحرين واللوبي اليهودي في واشنطن من جهة، وترتيب لقاءات بين مسؤولين بحرينيين وإسرائيليين من جهةٍ أخرى، وهو ما سرَّبته الصحافة في أكثر من مناسبة. من هنا كانت البدايات الفعليّة، وكلّ ما سبقها كان عملية دوران في فلك التّطبيع.
منذ ذلك الحين، لم تتوقَّف التصريحات البحرينيّة سراً وعلانيةً، تقرّباً من "إسرائيل"، وصولاً إلى تنظيم ورشة المنامة في العام 2019، التي شارك فيها وفد تجاريّ إسرائيليّ تمَّ استقباله بحفاوة. ولا تخفي البحرين سياستها في التطبيع، فهي فعلياً الأكثر تعطّشاً إلى العلاقة مع "إسرائيل" بين نُظرائها الخليجيين منذ بداية الألفية.
وللمُفارَقة، لا يتجاوز عدد اليهود في البحرين أربعين شخصاً، لم يستطيعوا طيلة السنوات الماضية ممارسة طقوسهم الدينية في كنيس المنامة بسبب عدم توافر النصاب، فيما استطاع الوفد الإسرائيليّ أن يُقيم هذه الطقوس في الكنيس بعد مشاركته في ورشة المنامة، بحضور مساعد الرئيس الأميركي ومبعوثه للمفاوضات الدولية، جيسون غرينبلات، الذي غنّى "شعب إسرائيل حيّ".
وللمُفارَقة أيضاً، إنَّ كنيس المنامة هو الكنيس الوحيد في الخليج، ودائماً ما رُفِعت فيه لافتة "الموت لإسرائيل"، ولكنَّ حضور الإسرائيليين وأداءهم الطقوس فيه أسقطا مفاعيل هذه اللافتة.
ولطالما تبرَّع اليهود في البحرين بمبالغ مالية للشعب الفلسطينيّ، وكانت مواقفهم الرسميّة واضحة تجاه الاحتلال الإسرائيليّ لفلسطين، كما وثَّق علي الجلاوي في كتابه.
هل تريد البحرين أن تكون بوابة التطبيع خليجياً؟ للأسف نعم.