الحرب الجرثومية والمشاريع السريّة.. ماذا عن "كورونا"؟
الاشراق | متابعة.
الرُعب هو التّعبير الحقيقيّ الذي يُمكن أن يصف الشعور الذي ينتاب الناس اليوم على مساحة العالم جرَّاء مشاهِد تساقُط البشر ببساطةٍ في شوارع الصين بسبب انتشار فيروس "كورونا الجديد". هذه المشاهد أعادت إلى الأذهان الأوبئة التي حصدت ملايين البشر في العصور السابقة، وأعادت إلى الألسُن الحديث عن الحرب الجرثومية واحتمالات التدخّل البشري المقصود في هذا التطوّر الكارثي.
مع بداية العام الحالي، اجتاح الرُعب العالم مع كلِّ خبرٍ عن تزايُد حالات الإصابة بفيروس "كورونا الجديد" في الصين، والذي انتشر في عشرات الدول حتى الآن. الدول جميعها تعيش استنفاراً جدّياً لمواجهة أيِّ احتمالٍ لانتقال العدوى إلى أراضيها عبر مُسافرين قادمين من الصين أو أية طريقة أخرى.
كندا وروسيا وإيطاليا وألمانيا والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة والعشرات غيرها من الدول، اكتشفت حالات إصابة أكيدة في أراضيها، وهي تتعامل مع هذه الحال بقمَّة الجدّية، فيما تترقّب دول أخرى الوضع بحذرٍ بالغٍ، عسى أن يعفيها القَدَر من هذه الكأس المرَّة.
مقاطِع الفيديو التي انتشرت عبر الإنترنت للشوارع الخالية في مدينة ووهان وسط الصين التي انتشر منها الفيروس، مُخيفةٌ بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فيلم رُعبٍ حيّ بكامل شروطه. أناسٌ يطرقون على الأواني المعدنية ويُنادون بعضهم بعضاً من النوافذ بنداء: "كونوا أقوياء" أمام الموت الذي يتجوَّل في الشوارع الخالية باحٍثاً عن جسدٍ يُطفئه.
هذا الوضع يُثير في الذِهن أفكاراً أخرى مُرتبطة بالحرب الجرثومية وخطورة التفكير فيها حتى، وما إذا كان ما يجري مُرتبطاً بالحروب الاقتصادية والتنافُس التجاري، والصِراع على صَدارة العالم، والاجتياح البيولوجي، أم أنه مُجرّدُ نوع مرضيّ جديد بريء الإطلالة!
وهنا لا بدَّ من استعادة المحطَّات التي انتشرت فيها حول العالم مشاعِر الخوف من التهديد الكيميائي والبيولوجي أو الجرثومي.
اتهامات الحرب الكيميائية
شهدت الحرب السورية في مسارها الممتدّ على 9 سنواتٍ محطّاتٍ ارتفعت فيها حِدَّة الاتهامات حول استخدام أسلحة كيميائية في مُجريات الحرب، وثبت وجود آثار استخدام مواد كيميائية في أكثر من مناسبةٍ من قِبَل جماعات إرهابية، في حين تمّ تسييس ملف الأسلحة الكيميائية من خلال اتهام الدولة به في أكثر من مناسبةٍ أخرى.
وبين هذا وذاك، عاش العالم جرَّاء هذه الاتهامات هاجِسَ انتشار هذه المواد خارج سوريا أو استخدامها على نطاقٍ أوسع بين المُتقاتلين أو ضد المدنيين، لكن ذلك يفتح الباب مُجدَّداً لبحث الحرب الجرثومية.
يُشكِّل القضاء على أسلحة الدمار الشامل أحد أهم المبادئ المؤسِّسة للأمم المتحدة. في صيف العام 2016، وفي جلسة نقاش عقدها مجلس الأمن الدولي، قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، إنَّ العالم ليس مُستعدّاً بصورةٍ كافيةٍ لمنع الحروب البيولوجية، مُحذّراً من قُرب انفجارها في أكثر من دولةٍ حول العالم، وخصوصاً مع تنامي تأثير التطوّر التكنولوجي في انتقال المواد البيولوجية والإشعاعية والكيميائية عبر الحدود، إذ يُمكن لهذا النوع من الحروب أن يكون أكثر فتكاً وأشدّ وطأة من كل ما أدَّت إليه الحروب العسكرية من دمارٍ وموتٍ وخراب.
وتعني الحرب البيولوجية الاستخدام المُتعمَّد للجراثيم أو الفيروسات أو غيرها من الكائنات الحيَّة وسمومها، بغرض نشر الأمراض والأوبئة بين البشر والحيوانات والنباتات. هذا النوع من الحروب ليس جديداً على البشرية، فكثيراً ما لجأت شعوبٌ في الماضي إلى بثّ المواد السامّة في مصادر الغذاء أو الشراب لأعدائها، بُغية إضعافهم، أو إلهائهم، أو تشتيت قوَّتهم، أو ضرب محاصيلهم وتوهين اقتصادهم.
ويُمكن استخدام العديد من الأنواع ضمن إطار الحرب البيولوجيَّة، من مثل البكتيريا والفُطريات والفيروسات، أو السموم النباتية والحيوانية، أو النباتات المؤذية، أو الحيوانات المعضلية ناقِلة العدوى... وتُنقَل هذه العدوى من خلال اللمس، أو الطعام والشراب، أو الهواء، أو عبر حاملاتٍ مُطوَّرة، كالقذائف والصواريخ والمعدَّات الأخرى المُناسِبة.
ونظراً إلى صعوبة حَصْرِها، فإنَّ الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية أو الجرثومية يُمكن أن تخرج بسرعةٍ عن سيطرة مُستخدميها، لتتحوَّل إلى سلاحٍ ضدّهم، لكونها لا تُميِّز بالمبدأ بين مَن يتعرَّض لها، إن كان مُستخدِمها أو عدوّه، على عكس الأسلحة التقليدية.
وعلى الرغم من إقرار الكثير من الدول بخطورة هذه المواد، وتوقيعها على المُعاهدات التي تُحارِب انتشارها، فإنّ أميركا و"إسرائيل" بقيتا مُمتنعتين عن الانضمام إلى اتفاقية جنيف التي تمنع اللجوء إلى مثل هذه الأسلحة.
"إسرائيل" وأميركا والحرب الجرثومية الانتقائية
كثيرةٌ هي الأخبار التي انتشرت في الصحافة العربية والأجنبية حول لجوء كياناتٍ مُعيّنةٍ إلى تطوير أسلحة بيولوجية انتقائية لاستخدامها بوجه أعدائها. كانت "إسرائيل" أكثر الكيانات التي تمحورت حولها هذه الأخبار. في العام 1998، نشرت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية تقريراً صحافياً عن مشروعٍ إسرائيلي لإنتاج قنبلةٍ جينيةٍ عِرقيةٍ لقتل العرب من دون غيرهم.
وتضمَّن التقرير أنَّ مشروعاً عِلمياً إسرائيلياً شديد السرّية لتحقيق هذا الهدف، قام بناءً على أبحاثٍ طبيةٍ استطاعت أن تُميِّز جيناً مُعيَّناً يتواجد لدى العرب من دون غيرهم. ويتمّ العمل على هذا المشروع في معهد الأبحاث البيولوجية في "نيس تزيونا"، الذي يُعتَبر المركز الرئيس للأبحاث المُتعلّقة بترسانة "إسرائيل" السرّية من الأسلحة الكيماوية والجرثومية، على الرغم من تأكيد أصحاب رأي آخر أنّ إنتاج مثل هذا السلاح مُعقّدٌ للغاية.
وبقي الرأي الغالِب في المجتمع العِلمي المُتخصِّص في هذا الإطار يقول إنَّ إنتاج ما يُسمَّى بـ"القنبلة العرقية" مُمكن على المستوى النظري، وخصوصاً أنَّ إعلان الاكتشاف الحيوي الكبير للخريطة الجينية أو ما يُعرَف بـ"مشروع الجينوم البشري" سهَّل عملية تحديد المُميِّزات لكلِّ عرقٍ من الأعراق.
كما أنّ انتشار أمراض قاتِلة، من مثل "الإيدز" و"سارس" و"إيبولا" و"إنفلونزا الطيور" و"إنفلونزا الخنازير" و"الجمرة الخبيثة"، طرح مُجدَّداً أمام العالم احتمالات التدخّل البشري في انتشارها، وخصوصاً أنها أمراضٌ وفيروسات لم يعرفها العالم من قبل، حين كانت أمراض، كالطاعون والسلّ، تفتك بملايين البشر.
وكثُرت المعلومات الصحافية التي تحدَّثت عن مؤامراتٍ سياسيةٍ-حربيةٍ لنشر مثل هذه الأمراض مع كلِّ موجةٍ مرضيةٍ حملت واحداً منها عنواناً للموت المُعمَّم على العالم، وخصوصاً عند انتشار "إنفلونزا الخنازير"، الذي اتُهِمت في إنتاجه شركات أدوية ورجال أعمال أميركيون من أجل إنتاج لقاحات تدرّ أرباحاً عليهم. وفي سبيل ذلك مات الآلاف من البشر.
وفي الكيان الإسرائيلي، ينشط معهد "نيس تسيونا" للأبحاث البيولوجية لإنتاج الجراثيم والميكروبات والأوبئة. ومن غير الواضح أين تُستخدَم هذه المُنتجات بصورةٍ مؤكَّدة.
ولا يعود استخدام "إسرائيل" للمواد الجرثومية إلى وقتٍ قريب، بل إن الوقائع كشفت عن استخدامها هذه الوسائل القاتِلة منذ نشأتها، فقد نشرت صحيفة "الحياة" اللندنية في 16 كانون الثاني/يناير 2003 مقالاً كشفت فيه أن "إسرائيل" استعملت هذه الأسلحة حتى قبل أن تولَد في العام 1948، بغرض إبادة أكبر عددٍ من الفلسطينيين ومنعهم من العودة إلى ديارهم .
وكشفت وثائق الصليب الأحمر الدولي أنه بعد سقوط مدينة حيفا في العام 1948، وتدفّق آلاف المُهاجرين من حيفا إلى عكا، بثّت العصابات الصهيونية مواد جرثومية في قنوات الري المُتّصلة بالمدينة، لتُصيب سكانها واللاجئين إليها بحمى التيفوئيد التي انتشرت بين الأهالي.
وكانت الميادين قد عرضت وثائقياً بعنوان "فيروسات دبلوماسية"، كشفت فيه عن مُعطياتٍ مهمّة حول إنتاج الجراثيم ونشرها، ففي تبيليسي، العاصمة الجورجية، يقع مركز "لوغار"، وهو مختبر بيولوجي تابع للبنتاغون ضمن برنامج خفض التهديدات الدفاعية "دترا".
ويُعدّ "لوغار" واحداً من 25 مُختبراً مُنتشراً في البلدان التي شكَّلت الاتحاد السوفياتي سابقاً، وفي بلدان أخرى مُنتشرة في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، وثمّة حصانة دبلوماسية ممنوحة لعُلماء عسكريين أميركيين يعملون في المركز، على الرغم من أنهم ليسوا شخصيات دبلوماسية.
يكشف الوثائقي في تحقيقٍ استقصائي للصحافية البلغارية، ديليانا بيتروفا، مُستندات سرّية مُسرَّبة من السفارة الأميركية في تبليسي حول نوع التجارب التي أُجرِيت في مركز "لوغار"، وكيف تنقل السفارة الأميركية مُسبِّبات المرض على شكل حمولاتٍ دبلوماسيةٍ تزعم السفارة أنها تُستخدَم لغاياتٍ بحثية.
والأخطر هو العمل على تطوير أسلحة بيولوجية جرثومية على أساسٍ عرقيّ في دول مثل روسيا، تُدرَس جيناتها لتطوير فيروسات تفتك بعرقها من دون غيرها. وتحيط المراكز التي كشفها الوثائقي بالصين وإيران وروسيا.
هل كورونا حرب جرثومية ضد الصين؟
في العام 2016، وبالتوازي مع تحذيرات بان كي مون من الأمر نفسه، حذَّر الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي من انتشار الأسلحة الجرثومية واستخدامها في حروب الإبادة.
وقالت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية إنَّ خُبراء أميركيين في المجال الصحّي قاموا قبل ثلاثة أشهر من انتشار الفيروس في الصّين بتصميم مُحاكاةٍ للتعرّف إلى طريقة استجابة السلطات الرسمية لتفشّي هذا الفيروس حول العالم، وتوقّعهم أنه قد يؤدّي إلى هلاك حوالى 65 مليون إنسان، لكن الصوت الأعلى الذي اتّهم الولايات المتحدة بنشر فيروس "كورونا" في الصين، صدر عن النائب الروسي وزعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي، فلاديمير جيرينوفسكي، الذي وصف فيروس "كورونا الجديد" بأنه "استفزاز أميركي" للصين.
والفيروس الجديد المُسمَّى "فيروس ووهان"، على إسم المدينة التي انتشر منها بدايةً من كانون الأول/ديسمبر 2019، توقَّع جيرونوفسكي أن ينتشر عبر العالم، وفي كل القارات فعلياً، وذلك خلال مُحاضرة له في معهد الحضارات العالمية في موسكو.
وقد وضع جيرينوفسكي الفيروس في سياق الحرب الاقتصادية الراهِنة بين الولايات المتحدة والصين، بقوله: "يخشى الأميركيون عدم قُدرتهم على تجاوز الصين أو على الأقل البقاء على قدم المساواة معها". ورأى أنّ كلّ شيء سينتهي خلال شهر، مُذكّراً بـ"إنفلونزا الطيور" و"جنون البقر". وقال إن أشخاصاً، يعيش معظمهم في سويسرا، أصبحوا من أصحاب المليارات بفضل بيع علاج هذا الفيروس.
وهنا يصبح من المشروع التساؤل عن كلّ الفيروسات السابقة: كيف انتهت؟ ولماذا اختفت؟ وكيف انتهى فيروس "زيكا" أو "جنون البقر"؟ وكيف اختفت "الجمرة الخبيثة"؟ وكيف تراجع الحديث تدريجاً عن "إنفلونزا الخنازير والطيور" و"سارس" و"إيبولا"؟
وإذا كانت هذه الفيروسات مُفبرَكة ضمن سياق الحرب البيولوجيَّة، فكيف يُمكن حصر انتشارها ضمن دولة واحدة بعينها، وخصوصاً إذا ما عرفنا أنَّ الصين هي الشريك التجاري الأول لكثيرٍ من دول العالم، وهي في الوقت نفسه أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وانتقال مواطنيها عبر القارات له أثرٌ بالغ في الدورة الاقتصادية، وخصوصاً في قطاع السياحة بالنسبة إلى معظم دول العالم.
فكيف يُمكن تصوّر العالم إذا طالت أزمة "كورونا الجديد" في الصين، قبل أن نفكّر في انتشاره على شكل وباءٍ عالمي قاتِل غير قابِل للضبط؟