ارتدادات "سرقة القرن".. هي أيضاً فرصة!
الاشراق | وكالات.
شكَّل الإعلان عن خطَّة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لحظةً تاريخيّةً مهمةً بالنسبة إلى الجمهور الصّهيونيّ في "إسرائيل" بشكلٍ عام، لكنَّه كان بمثابة تحقيق "حلم" بالنّسبة إلى التيار الدّيني القومي ذي العقائد المشيحانية.
لا يعود ذلك إلى أنَّ أهمّ دولة عظمى اعترفت بشرعيّة الاستيطان على 30% من أرض الضفة الغربية التي يتعامل معها القانون الدولي على أنها أراضٍ تحت الاحتلال الصّهيونيّ، بل لأنَّ اليمين المشيحاني في "إسرائيل" يريد فرض السّيادة الإسرائيليّة على تلك الأراضي لتحقيق عقيدة "إسرائيل" الكبرى، وقتل أي فكرة لقيام دولة فلسطينية ما بين البحر والنهر، مهما كان شكلها ونوعها.
وعلى الرغم من يمينية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الصهيونيّة، فإنّ الحسابات الانتخابية المقبلة كانت حاضرة بقوة في تعاطيه مع "صفقة القرن"، سواء في طريقة إخراج الإعلان عنها أو في تنفيذ مضمونها، إذ حرص على أن يسوّق لنفسه أنه أمل الجمهور الصهيوني الوحيد في 3 قضايا أساسية، في محاولةٍ لنيل ثقة الناخب الصهيوني، على الرغم من لوائح الاتهام الموجّهة إليه.
القضية الأولى هي توطيد العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، الدَّولة الأساسية الحامية للمشروع الصهيوني، وخصوصاً في عهد دونالد ترامب، في حين تتمثَّل القضية الثانية في فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية.
أما القضية الثالثة، فهي تحقيق التطبيع العربي مع "إسرائيل"، بعيداً من القضية الفلسطينيَّة. لذا كانت خطوة نتنياهو اللاحقة لإعلان "صفقة القرن" هي كشف العلاقة الإسرائيلية مع حاكم السودان الجديد. وعلى الرغم من ذلك، لا تشي استطلاعات الرأي في "إسرائيل" بنجاح مقاصده حتى الآن.
بالنّسبة إلى منافسي نتنياهو في الانتخابات، فإنَّهم يمارسون الضَّغط على الإدارة الأميركيّة حتى لا تسمح بتنفيذ بنود الصفقة إلا بعد الانتخابات الإسرائيلية، وخصوصاً ضمّ الأغوار إلى السيادة الإسرائيلية، ليحرموا نتنياهو من هذا الإنجاز عشية الانتخابات.
إنَّ المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة، وما يدور في فلكها من مراكز أبحاث واستراتيجيين، وعلى الرغم من شعورها بأهمية صفقة ترامب للتسوية، ولكنْ تعتريها مخاوف حقيقيَّة من فلسفة هذه الصّفقة المبنية على اعتقاد ترامب بأنه قادر في هذا التوقيت على الانتقال من حالة إدارة الصراع إلى حالة حسم الصراع، مستغلاً حالة الانقسام الفلسطيني وتداعيات الانكسار العربي، الأمر الَّذي يجبر الفلسطيني، الطرف الأضعف في حسابات موازين القوة في الرؤية الترامبية، على التنازل عن كل حقوقه التاريخية والقانونية، وحتى الدينية، في حالةٍ من حالات حسم الصراع العربي - الإسرائيلي لصالح "إسرائيل" بامتياز.
وفي مضمون الصفقة، فإنَّ "الدولة" الموعودة للفلسطينيين غير قابلة للحياة. لذلك، يدرك أصحاب التفكير البراغماتي أنَّ هذه الصفقة لن يقبل بها أيّ فلسطيني، ما يضع "إسرائيل" أمام خيار التنفيذ الإسرائيلي الأحادي الجانب لمضمونها، ما سيؤدي إلى:
- فقدان الأمل فلسطينياً في حلِّ الدولتين، وبالتالي يتوحّد الكلّ الفلسطينيّ داخل مربع المقاومة، من خلال انتفاضة شاملة تعيد الوحدة الوطنية، وتنشئ حالة ترابط بين الكلّ الفلسطيني في كلّ ساحات تواجده من جديد، الأمر الَّذي سيفتح الباب أمام تفجير ساحة الضفة الغربية والقدس، ما سيتطلَّب إعادة توزيع انتشار الجيش الصهيوني من جديد، والتدريب على أساليب قتالية أقرب إلى الشرطة.
كانت المهمة الأساسية لخطط المؤسَّسة العسكرية الإسرائيلية الاستراتيجية منذ حرب تموز 2006، تهيئة بنية الجيش وإحداث ترابط بين أذرعه ووحداته لخوض حروب الميدان، وليس مجابهة مجموعات فدائية غير منظمة في أغلبيتها.
كلّ ذلك في ظلّ وجود جبهة غزة وجبهة الشمال الساخنتين، ووسط تزايد وتيرة العمليات الفدائية الفلسطينية في الأسبوع الأخير. ومن الواضح أنّ التخوّف من انفجار الضفّة كجبهة قتال ثالثة، له ما يبرره.
- تلغي صفقة ترامب حقّ العودة للاجئ الفلسطيني، وبالتالي تخلق تأثيرات سلبية في الأردن بصفته بلداً يتواجد فيه أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، ما قد يولد ضغطاً على الحكومة الأردنية داخلياً، من الممكن أن يؤثر في استقرارها أو في التزامها بالبروتوكول الأمني لاتفاقية "وادي عربة"، الأمر الذي لا تتمناه المؤسَّسة الأمنية والعسكرية في "إسرائيل"، نظراً إلى خطره على أمن 400 كم من الحدود مع الأردن.
- تخلق الصّفقة دولة ثنائية القومية ذات منظومة "أبارتهيد"، ما يُفقد "إسرائيل" الصّورة الديموقراطية التي تعتبرها ركيزة استراتيجيّة في التسويق لنفسها للخارج، ناهيك بالصعوبات القانونية والحقوقية التي ستواجهها داخل مؤسَّسات المجتمع الدولي، ما يجعل "دولة" الاحتلال في عزلةٍ لطالما سعت إلى الخروج منها.
وعلى الرغم من حالة الاستقطاب الحادة داخل المجتمع الإسرائيلي، في ظلِّ منظومة حزبية ستذهب إلى انتخابات برلمانية ثالثة في أقلّ من عام، فإنَّ المواقف الصهيونية تجاه صفقة القرن لم تكن متناقضة رغم اختلافها.