عيد الاضحى في العراق.. بين تقاليد الماضي ومتغيرات الحاضر

بينما ارتدى 'الحاج ابو محمد السهلاني'، الرجل الستيني الوقور، 'الدشداشة' البيضاء وكوفية العقال العربي ليتوجه مع ساعات الصباح الاولى الى مدينة النجف الاشرف من اجل زيارة قبور اقاربه المتوفين، وكانت زوجته واثنان من بناته يعدن 'الكليجة' (المعمول) وينظفن البيت استعدادا لاستقبال ضيوف عيد الاضحى المبارك؛ وفي بيوت اخرى كان البعض يتهيأ لاداء مراسم القربان وتقديم الاضاحي واقامة الولائم، او الذهاب الى المساجد لاداء صلاة العيد

هذه الصورة العامة لاجواء عيد الاضحى المبارك في العراق، تعكس جانبا من منظومة الثقافة الاجتماعية وما تضمنته من عادات وقيم وتقاليد، مازالت قائمة حتى يومنا الحاضر ؛ وما طرأ عليها من متغيرات بحكم تحولات العصر وحصول تغير في انماط العلاقات وطرائق التفكير والسلوكيات لاسيما لدى اوساط الشباب

لاشك ان اجواء عيد الاضحى المبارك الحقيقية في العراق، لا تبدأ صبيحة يوم العيد ، وانما قبل ذلك بوقت قصير وربما قبل عدة ايام
ومن بين تلك المقدمات، يشار الى التبضع وشراء الملابس الجديدة، لاسيما للاطفال والفتيات الصغار، وشراء الحلوى والفاكهة ومستلزمات الضيافة الاخرى ، الى جانب صناعة الكليجة ، التي تمثل الحلوى التقليدية المعروفة في العراق والتي لا تكتمل بهجة العيد بدونها، وغالبا ما يجتمع افراد العائلة على صناعتها
وخلال الايام التي تسبق العيد، نرى ان مختلف الاسواق تشهد زحاما شديدا بسبب ازدياد حمى التسوق والشراء؛ حيث يطرا ارتفاع واضح على اسعار مختلف السلع الاستهلاكية
يشير 'سعد الكلابي'، وهو صاحب متجر لبيع الملابس في احد اسواق العاصمة الى انه قبل نحو اسبوع او اكثر من حلول عيد الاضحى المبارك، يزداد الاقبال على التبضع اكثر من اي وقت اخر
ويشاطر 'كريم السعيد' الذي يملك محلا لصناعة وبيع الحلويات الكلابي الراي؛ حيث يقول ان بيع الحلويات بمختلف انواعها يزدهر قبل وخلال العيد بشكل كبير
الى جانب ذلك فأن اسعار الماشية (الاغنام والابقار)، هي الاخرى ترتفع نسبيا قبل حلول عيد الاضحى ، لان الكثير من الاسر تعمد الى ذبح الاضاحي في العيد وتقدمها الى اصحاب الحاجة والفقراء تقربا الي الله واستذكارا لامواتهم
ولعل من بين التقاليد القديمة التي مازال البعض متمسك بها، تتمثل في استخدام 'الحناء' لتلوين ايادي النساء والاطفال الصغار، ابتهاجا بحلول العيد
وفي الصباح الباكر من اليوم الاول لايام العيد ، يتوجه الناس الي مدينة النجف الاشرف وكربلاء المقدسة، للتشرف بزيارة المراقد والاضرحة الدينية هناك، الى جانب زيارة قبور موتاهم حيث تختلط اجواء بهجة العيد بمشاعر ودموع الحزن على ذويهم الغائبين
ولاتقتصر الزيارات على النجف وكربلاء، فهناك الكثير من مراقد واضرحة الائمة (عليهم السلام) والصحابة الاطهار، التي تتوافد اليها كبيرة من الناس
وتمثل المشاركة في مراسيم صلاة العيد، احد ابرز الطقوس العبادية-الاجتماعية، خلال عيد الاضحى وعيد الفطر كذلك؛ اذ تزدحم مختلف الجوامع والحسينيات بالمؤمنين منذ ساعات الصباح الاولى ، لتكون فرصة بالنسبة للكثيرين من اجل تبادل التهاني والتبريكات، ولعل ابرز العبارات المتداولة في ذلك، هي 'ينعاد عليكم بالصحة والعافية والافراح والمسرات'، و'عساكم من عواده'، و'ان شاء الله علم جبل عرفات العام المقبل
وهناك من يحرصون صبيحة يوم عيد الاضحى المبارك علي القيام بزيارة منازل ابائهم وامهاتهم لتقديم التهاني لهم بالعيد؛ وذلك انطلاقا من مبدأ 'صلة الارحام'، وتعزيز الاواصر الاجتماعية والاسرية
كما تمنح النقود والهدايا بهذه المناسبة الغراء في اطار ما يسمى بـ 'العيديات' وهو تقليد متاصل في جذور المجتمع العراقي ولم يطرا عليه اي تغيير منذ زمن بعيد
وما يجدر التأكيد عليه هنا هو ان العيد يمثل فرصة لتناسي الخلافات وانهاء القطيعة وفتح صفحة جديدة بين اناس كانوا متخاصمين فيما بينهم، سواء كانوا اقارب او جيران او اصدقاء
ولعل تبادل الزيارات، ونحر الاضاحي في عيد الاضحى ، يعني بصورة تلقائية اقامة الولائم من قبل بعض وجهاء العشائر والشخصيات الاجتماعية المهمة، وارباب العوائل والبيوتات المختلفة
الي جانب ذلك، فأنه لا يمكن لاغلب العوائل التخلي عن الذهاب الى الحدائق والمتنزهات، نزولا عند رغبة الاطفال الصغار الذين يمرون في اشد حالات الشغف لانفاق ما حصلوا عليه من نقود (عيديات) وشراء العاب التسلية
ورغم درجات الحرارة المرتفعة نوعا ما خلال هذه الايام ، لكن نجد ان اغلب الحدائق والمتنزهات واماكن التسلية في بغداد والمحافظات تغص بالعوائل طيلة ايام العيد الاربعة، بل طيلة عطلة العيد التي تمتد حوالي اسبوع
ولعل في ظل ايقاع الحياة السريع، والمشاغل والالتزامات والضغوطات الكثيرة، بات عدد لايستهان به من العراقيين يستخدمون الفضاء الالكتروني الافتراضي، للتواصل مع من لايتاح لهم الوصول اليهم من الاقارب والاصدقاء والزملاء حيث انه بأمكان الفرد ان يبعث برسائل وبطاقات التهنئة لعشرات – ان لم يكن مئات الاشخاص - خلال وقت قصير جدا، دون ان يعني ذلك التخلي عن التواصل في الفضاء الحقيقي لا الافتراضي
بعبارة اخرى يمكن القول ان تقاليد الماضي امتزجت وتداخلت مع متغيرات وتحولات الحاضر
والملاحظة الهامة التي تستحق الاشارة هنا، هي ان اجواء العيد الاضحى المبارك تمتزج بشكل او باخر مع اجواء عيد الغدير الاغر، بحكم الفترة الزمنية القصيرة بين العيدين، وبحكم وجود مرقد امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، في مدينة النجف الاشرف بالعراق حيث تلقى المناسبة أهمية اكبر على غرار المناسبات الدينية الاخرى .

A.K