ليبيا .. فريسة اطماع الخارج وأنانية الداخل
اكثر من سبع سنوات مرت على انتفاضة الليبيين ضد نظام معمر القدافي الذي حكم على مدى اكثر من ٤٠ عاما وتعامل مع انتفاضة مواطنيه بعنف مسلح اتخذه حلف الناتو وخاصة اعضاؤه الاوربيون ذريعة لعمل عسكري اسقط القذافي لكنه ترك البلاد تذهب الى اتون الانقسام والفوضى والاقتتال الداخلي.
وما تسرب عن تلاسن بين وزيرتي الدفاع الايطالية والفرنسية حول ليبيا قد يلخص حقيقة الفشل الذي تعيشه ليبيا رغم خرائط الطريق الاممية الطموحة ووعود الدعم الدولية المعلنة.
فآخر ما تمكنت منه الأمم المتحدة عبر مبعوثها الخاص غسان سلامة لايجاد حل للازمة الليبية هو عقد مؤتمر مصالحة في العاصمة الفرنسية باريس بين اربعة اطراف من اطراف الصراع الداخلي: رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب في طبرق والجنرال خليفة حفتر المعين قائدا للجيش الوطني الليبي من قبل مجلس نواب طبرق، وحضر المؤتمر ممثلون من عشرين دولة من بينها مصر والامارات والسعودية وتركيا وقطر.
لكن هذا المؤتمر لم ينجح حتى في اقناع الاطراف الليبية الاربعة بالتوقيع على ما خرج عنه من دعوة لاجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية العام الجاري وتهيئة الاسس الدستورية المطلوبة لاجراء هذه الانتخابات بنزاهة والقبول بنتائجها. وما ان عادت هذه الاطراف الى ليبيا، اعلنت تنصلها من اية التزامات بموجب مؤتمر باريس وكل رأى في نفسه السلطة الشرعية في البلاد ولا يعترف بسلطة غيره مما يجعل آفاق الحلول مسدودة حتى بات قبول الاطراف الليبية بالجلوس على طاولة واحدة او تحت سقف واحد بحد ذاته يستحق الاحتفال.
بالتاكيد يستذكر الليبيون الوعود الاوربية ببناء بلدهم وتأهيله وضخ الاستثمارات الاجنبية فيه لكنهم لم يلمسوا على ارض الواقع ايا من هذه الوعود بل شهدت ليبيا تراجعا حادا على مستويات مختلفة واخذت تتقطع اوصالها بين شرق وغرب وجنوب وسرعان ما ظهرت جماعة داعش الارهابية لتعيث فسادا واصبحت الفوضى تعم البلاد والغرب يتفرج واحيانا يطلق الوعود ولم يدق ناقوسهم للخطر حتى اصبحت ليبيا ممرا بحريا للمهاجرين الافارقة نحو اوربا.
مما يثير الاستغراب ويكشف الكثير من خفايا الصراع الدولي على ليبيا ومخزونها النفطي والغازي هو ما كتبت عنه صحف ايطالية من ان وزيرة الدفاع الايطالية ابلغت نظيرتها الفرنسية في الاجتماع الاخير بمقر حلف الناتو في بروكسل بان ليبيا هي منطقة نفوذ ايطالية وان القيادة في هذا الافريقي هي لايطاليا. وقالت الصحف الايطالية ان روما ترفض سعي الرئيس الفرنسي ماكرون للاستحواذ على مصادر الطاقة في هذه المستعمرة الايطالية السابقة مستغلا الفوضى فيها والفراغ السياسي الانتقالي الحالي في روما.
اذا هو صراع فرنسي ايطالي واضح وعلني للسيطرة على ثروات النفط والغاز في ليبيا، والصراع بينهما يمتد الى الاطراف الداخلية فروما تتحفظ على الجنرال حفتر وتعلن دعمها للاطراف الفاعلة في مصراته وطرابلس بينما تضع فرنسا ثقلها خلف الجنرال حفتر والكل يتصارع على السلطة للسيطرة على الثروة وبين صراعاتهم وصراعات حلفائهم الاوربيين او الاقليميين يدفع الليبيون الكثير من أمنهم ودمهم ومستقبلهم ومستقبل اجيالهم فبلدهم يتحول الى دولة فاشلة تتقاسمها اطراف ترى في نفسها صاحبة الحق في امتلاك الثروة والسلطة.
ومع الصراع الاوروبي على الطاقة في ليبيا، تصارعت محاور اقليمية على النفوذ في هذا البلد النفطي تمثلت بالمحور التركي القطري الداعم للسلطة السياسية في طرابلس فيما دعم المحور المصري السعودي الاماراتي السلطة في طبرق وخاصة الجنرال خليفة حفتر وزاد المحوران في تغذية الصراعات الداخلية الليبية وتعميق الاخلافات والانقسامات في الجسد الليبي.
ليبيا ليست استثناءا من الدول التي تدخل الغرب عسكريا فيها لفرض خياراته تحت عناوين حماية المدنيين ووقف ممارسات السلطة ضد مواطنيها ونشر الديمقراطية ومكافحة التطرف. الدول التي تدخل الغرب فيها سرعان ما تتحول الى اراض جاذبة للتطرف والارهاب وتتفجر فيها الصراعات الداخلية وتعم الفوضى ويتم تخريب البلاد وتقتيل العباد ثم يتركها الغرب تتحول الى دول فاشلة تعيث فيها جماعات الارهاب والعصابات فسادا ما لم يبادر اهل الدار الى تعبئة عامة والاعتماد على أنفسهم ورص الصف الوطني لطرد الارهاب وسد الثغرات امام تدخلات غربية تقدم مصالحها الضيقة رغم ما ترفعة من شعارات زاهية.