ما لم تتطرق له القمة الإفريقية في نواكشوط
غير الأناشيد الحماسية ومظاهر الفلكلور الشعبي والذي عادة ما يتفنن الموريتانيون في اصطناعه لضيوفهم الكبار ، لا يتوقع ان يصدر عن قمة نواكشوط أي جديد يخالف الروتين المألوف الذي دابت عليه قمم هذا النادي الافريقي العتيد منذ زمن بعيد..
فمنذ ايام والإذاعات الوطنية المسموعة والمرئية تتغنى بهذا الحدث.. وتستضيف له ما شاءت من المحللين ليتفلسفوا في قارة لا يعرفون اسماء دولها ولا اي معلومة تتعلق بحقائقها المعاصرة وتحدياتها المزمنة..
ان هذا الحدث حدث كبير وهام لاجدال في ذلك ...خاصة لموريتانيا ذات الجذور والبذور الإفريقية الأصيلة، وهو بلا ريب يعكس صدق ووفاء الرئيس محمد ولد عبد العزيز تجاه القارة الافريقية وهمومها الثقيلة .
لكن المهم ليس تنظيم قمة وإطلاق بهرجة بالشكل الذي رأينا ولا في استضافة الوفود وإسكانهم وإعاشتهم لمدة يومين أو اكثر ، المهم هو ان تتمخض هذه القمة عن قرارات جوهرية تلامس مستقبل القارة امنيا وتنمويا واقتصاديا وسياديا..
لقد وضعت القمة عند اول وهلة على طاولة النقاش مشكلة الصحراء الغربية ومسار إصلاح الإتحاد وتحقيق خطوات في مجال محاربة الإرهاب والفساد وغيرها من المفاهيم التي يسوغها الإعلام الغربي الرأسمالي حاليا.
غير أن المواطن الإفريقي العادي كان يأمل ان تعيد قمة نواكشوط للإتحاد الإفريقي حيويته ، وأن تعيد له الثقة في قارته وفي ما تزخر به خيرات ومنافع ... كان يأمل ان تخرج القمة بقرارات اكثر جدية وتصميما في تحقيق طموح ابناء القارة ، وان تلامس قراراتها الجوهر الحقيقي لمشكل التخلف والتأخر الذي تعانيه هذه القارة على اكثر من صعيد.
من يستطيع ان ينكر أن أزمة افريقيا مرتبطة بشبكة معقدة من الإحتكارات الدولية التي تريد استغلال ثروات هذه القارة وإبقاء سكانها ضحايا للفقر والمرض والجوع .
ومن ينكر اللعبة القذرة لفرنسا والدول الإستعمارية الأخرى في استنزاف ثروات الشعوب الإفريقية وسعيها بكل جهد لإبقاء الحال على ما هو عليه حتى تجد الدول الإستعمارية الغربية ان الأخلاق والقيم لحضارة الغرب تفرض اعادة احتلال هذه القارة مرة اخرى كم كان هو تبريرهم في احتلال القارة والسيطرة عليها.
لقد كان المواطن الافريقي يأمل ان تصدر قرارات حقيقية بشأن الاستثمارات والديون المستحقة على افريقيا والتي هي في الواقع تشكل نزيفا حادا بكبح جماح التنمية والإستقلال الذاتي ، بل وان تضع صيغا توقف استنزاف الغرب للعقول الافريقية التي يستأثر بها لصالحه بعد ما كدس لسنوات ثروات هذه الشعوب لتحقيق تراكم مالي ضخم ، فضلا عن ضرورة تنسيق الضغط الافريقي في تحقيق معاملة تفضيلية لتجارة القارة لإنقاذ الدخل القومي لإفريقيا والذي يعاني التذبذب والهبوط وانعدام القيمة بسبب التردي في اسعار المواد الاولية الخام التي تعد افريقيا مصدرها الاول..
كما كان بالأحرى على قادة القارة في قمتهم وضع آليات حقيقية للإندماج والتكامل الإقتصادي الافريقي والحد من تجارة السلاح وان يوجهوا نداءا عاجلا لجيرانهم العرب الأثرياء بغية استجلاب فائض الرأسمال العربي المكدس في الأسواق الأوربية والأمريكية حتى يجد فرصة الربح ومضاعفة القيمة في بيئة افريقية اكثر جذبا واغراءا فهذه القارة تحتاج الى السدود والسكك الحديدية والصناعات الغذائية وغيرها ولديها اسواق واعدة.
هذه نقاط ومحاور جوهرية في اعتقادنا انها مجتمعة لو وضعت من شأنها ان تضفي على القمة الجدية الضرورية لتحقيق اهداف القارة في الحرية والتنمية والاستقلال والسير على درب الندية في العلاقات الدولية الظالمة.