لماذا هرع نتنياهو إلى الأردن ؟
سافر رئيس الوزراء الصهيوني يوم الثلاثاء (19/6) فجأة وبدون أن يكون هناك برنامج معد مسبقاً إلى الأردن والتقى الملك الأردني عبد الله الثاني، وجاءت هذه الزيارة على ضوء الأخبار المتناقلة حول اعتزام "جارد كوشنر" صهر ومستشار ترامب القيام بزيارة إلى هذا البلد بهدف تنفيذ "صفقة القرن"، بيد أن نتنياهو سبقه ووصل قبله إلى الأردن.
إجراء نتنياهو هذا يعتبر إجراء غير مسبوق حيث أنه حدث سابقاً في بعض الحالات التي كانت المصالح الصهيونية القصيرة الأمد مهددة فيها، لكن هذه المرة هناك مؤشرات دفعت رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو للقيام بزيارة مباغتة إلى الأردن بالرغم من كل المزاعم التي أطلقها.
1-الدور الأردني الرئيسي في صفقة القرن
طبق الأخبار المتداولة حتى اللحظة حول صفقة القرن يعتبر الأردن أحد الأطراف الرئيسية في مشروع حكومة ترامب هذا، حيث يتعين على الأردن لإنجاح هذا المشروع الأمريكيي إيداع الوصاية على المقدسات الدينية في فلسطين بيد الصهاينة، فقبل احتلال فلسطين لعب أجداد عبد الله الثاني، دوراً في ترميم مدينة القدس والحفاظ عليها، وبعد احتلال القدس عام 1967 وبهدف حرمان الفلسطينيين من لعب دور في فلسطين تم ربط الوصاية على المقدسات الدينية بالعائلة الهاشمية الأردنية وحتى اليوم يضطلع الأردن بهذا الدور.
وفي أعقاب التحولات التي وقعت في منطقة غرب آسيا وفي خضم الصحوة الإسلامية اتجه الصهاينة باتجاه ابتلاع مدينة القدس الشريف، لكن أحد الموانع التي تحول دون ذلك هو الوصاية الأردنية على المقدسات الدينية في فلسطين، واليوم يسعى الصهاينة بمساعدة الأمريكيين لإرغام الأردن على التخلي عن الوصاية على هذه المقدسات، في الحقيقة دور الأردن في صفقة القرن هو أن يقبل التخلي عن دوره السابق في فلسطين وهذا الأمر سيحمل تداعيات على الملك عبد الله الثاني ستكون باهظة الثمن.
2-التغطية على فضيحة السفارة الإسرائيلية في الأردن
في عام 2017 تسبب قيام عنصر أمن في السفارة الإسرائيلية في الأردن بقتل مواطنين أردنيين بريئين في بنايته السكنية تسبب في نشوب أزمة في العلاقات بين الأردن والكيان الصهيوني، فنزل الأردنيون إلى الشوارع مطالبين بمحاكمة القاتل لكن التواطؤ السري لعبدالله الثاني جعل الحكومة الأردنية تقدم على إخراج أعضاء سفارة الكيان الصهيوني وبهذا تكون قد سمحت للقاتل الصهيوني المجرم وأعضاء السفارة بالهرب، ومنذ ذلك الوقت ينتظر الرأي العام الأردني إغلاق هذا الملف، وقبل عدة أشهر جرى دفع غرامة إلى عائلات الشابين الضحيتين وانتهت الأزمة لصالح الصهاينة، انتهز نتنياهو هذه الفرصة ووصل إلى عمان بشكل مفاجئ ليطلع الملك الأردني على تفاصيل الأمر ليقوم الأخير بتقديم تبرير مناسب للرأي العام الأردني في سياق استئناف العلاقات مع الصهاينة.
3-عمليات الحكومة السورية والمقاومة في جنوب سوريا والجولان
مع نهاية الأسبوع الفائت واستدعاء الحكومة السورية لقواتها إلى المناطق الجنوبية في سوريا بالقرب من السويداء ودرعا والقنيطرة ونقل معدات ثقيلة إلى هناك، أظهرت الحكومة أنها بصدد إجراء عمليات عسكرية واسعة النطاق في هذه المنطقة، حيث تتزامن إجراءات الجيش السوري هذه مع استدعاء قوات النمر في الجيش السوري بقيادة العميد سهيل الحسن، الأمر الذي أكد الظنون التي تحوم حول اتخاذ الجيش السوري قراراً حاسماً حول إجراء عملية جدية ضد الإرهابيين المتواجدين في جنوب سوريا.
في سياق منفصل خلال الأسبوعين الماضيين سعت روسيا من جهة لدعوة الإرهابيين المتواجدين في الجنوب السوري إلى التفاوض مع الدولة والخروج من تلك المنطقة، ومن جهة أخرى تسعى عبر المفاوضات التي تجريها مع الأمريكيين والصهاينة لإيجاد حل سلمي لحل قضية الجنوب السوري.
وهذا يؤكد التصميم والإرادة الجدية للحكومة السورية الشرعية لتحرير مناطق جنوب سوريا المتاخمة للأردن والجولان السوري المحتل، حيث أن 70% من مساحة الجنوب السوري منذ بداية الأزمة في سوريا عام 2011 وحتى اليوم تخضع لسيطرة المجموعات الإرهابية المختلفة.
في ظل هذه الظروف يدرك نتنياهو جيداً أنه في حال فرضت الحكومة الشرعية السورية سيادتها على مناطق الجنوب السوري فإن حلفائها في محور المقاومة سيتمكنون بسهولة من الوصول إلى هذه المناطق، فهرع نتنياهو إلى الأردن ليستغل الجار الجنوبي للسوريين ويحقق أهدافاً تخدم مصالح الكيان الصهيوني.
منذ بداية الأزمة السورية شكلت الحدود الأردنية إحدى مناطق نقل الأسلحة والمعلومات والعناصر الإرهابية إلى الداخل السوري، والمعابر الموجودة في هذه المنطقة تسمح بنقل البضائع الاقتصادية إلى الأردن وتشكل مصدراً يدر عوائد وإيرادات على الأردن حيث أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الأردن في الوقت الراهن ستفرض عليه عدم تجاهل هذا المصدر الذي يقدم إيرادات له، لذا يتوجب القول سيقدم نتنياهو إغراءات ومحفزات اقتصادية وتهديدات أمنية للملك الأردني حتى يحصد المكاسب قبل الجميع.
النتيجة :
باعتبار الأردن أكثر البلدان التي لديها حدود مع فلسطين المحتلة، ويمكن لهذه الحدود الطويلة أن تشكل أكبر تهديد أمني للكيان الصهيوني بسبب افتقادها للعمق الاستراتيجي، فهذا الأمر يعتبر بالنسبة للصهاينة أمراً بالغ الأهمية والحساسية.
وخلال الوقت الذي تصبح حاجة الأردن بسبب المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها للحصول على الإيرادات المالية المترتبة على ترانزيت وشحن البضائع عن طريق سوريا حاجة ماسة، فهذا الأمر في ذات الوقت يخلق أزمة للصهاينة لا يمكن تعويضها.
وهي أزمة إذا افضت إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا وترتب عليها إيرادات مالية، فسوف يتحول الأمر إلى كارثة بالنسبة للصهاينة، لذلك يبذل الصهاينة أقصى مساعيهم لاقناص الفرص والتحكم بالأجواء المصاحبة لحدوث مثل هذا الأمر بما يخدم مصالحهم.
منذ مدة يسعى الصهاينة لإنشاء خط سكك حديدية بين حيفا وعمان عن طريق بيسان يصل إلى الأردن، هذا الخط الحديدي يمكن أن يعوض الأردن عن إيرادات الترانزيت مع سوريا إلى حد ما لكن قبل تنفيذ هذا المشروع، سينتهي الأمر بتحرير جنوب سوريا وعودة خط الترانزيت بين سوريا والأردن، والخطر الذي يتهيبه الصهاينة سيظهر قبل موعده.
ومن جهة أخرى تحتاج أمريكا والكيان الصهيوني بشدة للأردن بهدف تنفيذ المشروع الذي تطرحه حكومتيهما والذي لم يعلن أي رئيس أمريكي أخر استعداده لتنفيذه، فخلال هذه المدة، سيجعل هذا الأمر الفرصة سانحة للتغطية على فضيحة الصهاينة الدبلوماسية التي وقعت في سفارتهم في الأردن.
كل ما سبق يشكل مجموعة مؤشرات تدفع نتنياهو في ليلة لا قمر فيها إلى الذهاب إلى العاصمة الأردنية عمان بشكل مفاجئ.