بينما يترقب العالم قمة ترمب وكيم جونغ، كوريا الشمالية تفكر في افتتاح فرع لماكدونالدز.. مهلاً القصة أكبر من مجرد بيع شطائر البرغر
انها أكثر من مجرد حاشية على هامش القمة التاريخية بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون، لكن شائعة افتتاح فرع ماكدونالدز في العاصمة بيونغ يانغ هي أكثر طراوة من ثلاثة شطائر هامبرغر بيج ماك لذيذة. وبحسب تقرير نشرته صحيفة Washington Post، السبت 2 يونيو/حزيران 2018، قد يسمح زعيم كوريا الشمالية بإعطاء ترخيص افتتاح أول فرع لسلسلة مطاعم ماكدونالدز الأميركية الشهيرة في بلاده، كعلامة على حسن النية للولايات المتحدة. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المعلومة وردت في تقرير استخباراتي تحدث عنه مسؤولون أميركيون لشبكة NBC الأميركية. ويأتي ذلك في أعقاب تصريحات أدلى بها مستشار رئيس كوريا الجنوبية للشؤون الخارجية والأمن القومي، تشونغ إن مون، في أواخر أبريل/نيسان الماضي، إذ قال إنَّ كوريا الشمالية قد ترغب في الترحيب بماكدونالدز على أراضيها لتخفيف حدة التوتر. واعتبرت الصحيفة أن افتتاح ماكدونالدز في بيونغ يانغ مثل عبوة بطاطس مقلية من الحجم الصغير، مقارنةً بخطر الحرب النووية، لكن التاريخ والخبراء يشيرون إلى أن خطوة ماكدونالدز تحمل مزيداً من الرمزية تتجاوز مجرد منح رخصة واحدة. وكان يُنظَر إلى ماكدونالدز دائماً كرمزٍ للثقافة والرأسمالية الغربية، خاصةً في الدول الشيوعية. وكان يُنظَر إلى توسُّعها في الصين وروسيا باعتباره حدثاً بارزاً في التسعينيات. وقالت جيني تاون، مُحلِّلة الأبحاث في مركز ستيمسون، ومديرة تحرير موقع 38 North الإخباري الأكاديمي المهتم بشؤون كوريا الشمالية: "لقد حدث هذا مع عددٍ من الثقافات الشيوعية المختلفة"، وأضافت: "بمجرد أن يبدأوا التوصُّل إلى نقاط اتصال مختلفة مع الغرب، يُغيِّرون وجهات نظرهم، وعادةً ما يبدأ الأمر مع شركاتٍ مثل ماكدونالدز أو كوكا كولا".
أكثر من مجرد برغر وبطاطس مقلية
وكانت سلسلة مطاعم ماكدونالدز منذ تأسيسها أكثر من مجرد مطعم للوجبات السريعة، بل أيضاً كانت ناقلاً للثقافة الأميركية ورمزاً قوياً للعولمة. ففي السبعينيات، عندما توسَّعت السلسلة إلى أوروبا، استخدمت شعار "الأذواق المتحدة الأميركية- United Tastes of America" في حملاتها الإعلانية، كما وعدت بإحضار جميع قيم الأعمال التجارية الأميركية -السرعة وتوحيد المعايير والكفاءة الحاسمة- إلى البلدان العاملة فيها. وتحقَّق هذا الوعد بنجاحٍ كبير، إذ تُشغِّل ماكدونالدز الآن 37241 موقعاً متطابقاً إلى حدٍّ كبير، وذا ربحية عالية في 120 بلداً حول العالم. ويصف راي كروك، أحد مؤسسي ماكدونالدز، في كتابه "Grinding It Out: The Making of McDonald’s" الشركة بأنها "نصبي التذكاري الشخصي للرأسمالية". وهذا قد يُفسِّر سبب اعتبار توسُّع الشركة في الدول الشيوعية بمثابة علامة فارقة في الماضي. فعندما حصلت موسكو على أول ترخيص للشركة في عام 1990، انتظر الروس في الصف لساعاتٍ لتناول الطعام الذي وصفته صحيفة USA Today الأميركية بأنَّه "رمز المدينة الجديد للرأسمالية" (حتى تضمَّنَت نهاية مسلسل "The Americans" المعروض على قناة FX، والذي يتحدَّث عن الجواسيس الروس في الولايات المتحدة، زيارةً دراماتيكية لماكدونالدز). وبدأت مطاعم ماكدونالدز، بعد فترةٍ قصيرة من افتتاحها لأول مرة في روسيا، في الظهور في مدينتيّ بكين وشنتشن. وأوضح المؤرِّخ يونكسيانغ يان أنَّ الزبائن الصينيين لم يحبوا هذا الطعام، لكنهم أحبوا شعور الرفاهية والتقدُّم. وكتب يونكسيانغ يان في عام 1997: "في عيون سكان بكين، ماكدونالدز يُمثِّل أمريكانا ووعدٌ بالتحديث".
لكن هل يمكن لماكدونالدز أن تُمثِّل أكثر من ذلك؟
في عام 1996، أثار توماس فريدمان، كاتب العمود الشهير بصحيفة New York Times، للمرة الأولى ما قد يصبح نظرية سيئة السمعة إلى حدٍّ ما، إذ قال إنَّ دولتين لديهما مطاعم ماكدونالدز لن يذهبا أبداً إلى حرب ضد بعضهما لأنهما يتشاركان اقتصادات طبقة متوسطة معولمة. وجاء هذا التوقع في لحظة مناسبة، حيث كانت ماكدونالدز في خضم ما وصفه أحد المحللين في ذلك الوقت بالتوسع العالمي "المحير للعقل". وتوسعت السلسلة بين عامي 1967 و1987 بمتوسط دولتين في السنة. وتسارعت وتيرة التوسع بحلول منتصف التسعينات إلى 10 دول في السنة -معظمها "شيوعية، شيوعية سابقاً ونامية"، وذلك وفقاً لما ذكرته مجلة The Economist البريطانية. لكن منتقدين أشاروا إلى أن وجود ماكدونالدز لم يمنع الولايات المتحدة من غزو بنما في عام 1989، وقال فريدمان: "في حين أن هناك بعض الحالات القليلة التي انتهكت تلك النظرية في السنوات العشرين الماضية، فقد صمدت بنجاحٍ في الغالبية العظمى". وأضاف: "هذا ليس جيداً في الفيزياء، لكنه ليس سيئاً في العلوم الاجتماعية".
قضية ماكدونالدز بيونغ يانغ
وعلى الرغم من أنَّ نظرية فريدمان لم تنجح في كل الحالات، يقول الخبراء إن هناك فكرة مفادها أنَّ العلاقات الثقافية والاقتصادية بين الدول يمكن أن تُقلِّل من احتمالية نشوب الصراع. وتنسجم أفكار فريدمان في بعض النواحي مع نظرية شعبية في العلاقات الدولية، مفادها أنَّ الرأسمالية تُشجِّع السلام جزئياً لأن الدول تتشارك أهداف سياسة خارجية عندما تتنافس في نفس السوق المفتوحة (يقول فريدمان نفسه إن هذه هي نقطته الحقيقية: فكلما زاد تكامل البلدان اقتصادياً، تزداد تكلفة الصراع بالنسبة لهم). وبشكل منفصل عن ذلك، قالت جيني تاون، مديرة تحرير موقع 38 North، إنَّ ماكدونالدز قد يكشف للناس جانب من الولايات المتحدة الأميركية قد يكون غير مألوف بالنسبة لهم. هذا يمكن أن يساعد في تخفيف حدة الآراء السلبية تجاه أميركا في أماكن مثل كوريا الشمالية، حيث تنتشر الدعاية المعادية لأميركا على نطاقٍ واسع. وأوضحت أنَّها تعتقد من المنطقي أن تفتح ماكدونالدز في بيونغ يانغ، وتوقعت أن يحظى ذلك بشعبية. ويُعتَقَد أيضاً أن كيم جونغ أون سيحب البرغر. وقد ذكرت صحيفة كورية جنوبية في عام 2011، أن والده كان يأكل بانتظام وجبات ماكدونالدز من الصين على متن طائرات طيران كوريو. والرئيس ترمب نفسه بالطبع معجبٌ كبير بالوجبات السريعة أيضاً. ويأمل كيم، وفقاً لشبكة NBC، في فتح سلسلة مطاعم ماكدونالدز في بيونغ يانغ في جزءٍ منها لتلبية وجبات الطعام للمؤتمرات الثنائية المستقبلية. لكن أشارت كايلا أورتا، المُحلِّلة في برنامج التاريخ والسياسة العامة في مركز ويلسون، إلى أنَّها لا تستطيع تخيُّل حدوث ذلك. وقالت: "اليوم الذي نرى فيه مطاعم وجبات سريعة على الطراز الأميركي في كوريا الشمالية، ربما سيكون اليوم الذي تنتصر فيه الدبلوماسية الثقافية. لكننا بعيدون عن ذلك اليوم".