رسائل الأسد بعد تحرير الغوطة

حديث الرئيس بشار الأسد الأخير مع قناة روسيا اليوم رسم استراتيجية عسكرية وسياسية جديدة للحكومة السورية، هذه الاستراتيجية ولدت من رحم الانتصارات السورية في الغوطة الشرقية، وجنوب دمشق وريف حمص الشمالي.
كلام الرئيس السوري كان يحمل رسائل لجهات ثلاث التي تدعم المسلحين، في جنوب سوريا، وشمال شرق سوريا، وشمال سوريا وهي: الإسرائيليون، والأمريكان، والأتراك.
مقابلة الرئيس بشار الأسد تعد حسب تحليل كثير من المعنيين بالقضية السورية علامة فارقة في بلورة استرتيجية التعامل مع مسلحي الجبهات الحدودية الثلاث، ومن يدعمهم، فقد رسمت معادلة جديدة مفادها: لا نقبل أي كيان منفصل عن الحكومة المركزية في دمشق، وهنالك طريقتان للعودة إلى الوطن: إما التفاوض والمصالحات، أو عن طريق القوة العسكرية، وسيناريو الغوطة الشرقية وجنوب دمشق شاهد عيان على ذلك.
فبعد اقتلاع الجيش السوري الخنجر المغروس في خاصرة دمشق، وإنهاء المسلحين المدعومين خليجياً في غوطة دمشق وجنوبها، بقيت ثلاث مناطق سورية مهمة تنتظر التسوية أو التحرير.
هذه المناطق ذات أبعاد سياسية ، ومرتبطة بأجندات أمريكية وإسرائيلية وتركية؛ فهي تمسك بحدود سوريا من الجنوب والشمال والشرق، والخوض في هذه المعارك لا يتطلب القوة العسكرية فقط، ولكن هنالك مبدأ الاحتواء والتشابك في منطقة ، وفي منطقة أخرى يكون الاشتباك العسكرية هو العنوان البارز.

المناطق الثلاث هي جنوب سوريا والمسلحون فيها لهم ارتباط بالكيان الصهيوني، ومنطقة شمال شرق سوريا المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية المدعومة اميركيا ، وشمال سوريا في مدينة إدلب وريفها وهم المسلحون المدعومون من تركيا.

جاءت رسائل الأسد في مقابلته مع قناة روسيا اليوم فصعدت اللهجة ضد قوات سوريا الديمقراطية وهذا يعني الصدام المباشر مع حليفها الأمريكي وعدم الاكتراث بأي خطوط حمراء أمريكية على تحرك الجيش السوري.

خطاب الأسد الأخير كان مأخوذة بزخم انتصارات الغوطة الشرقية، فما حدث فيها هدم مشروعاً كبيراً لتقسيم سوريا وإضعافها، وهذا ما يدركه –جيداً- الأمريكي وأربك حساباته في ريف دمشق وجنوب سوريا، وتحسس بهذا الخطاب بإمكانية فقدان الأراضي التي يمسك بها حلفاؤه في الشرق السوري 
ثلاث مناطق أصبحت في الميزان العسكري والسياسي ، وهنا تأتي السياسة والقوة العسكرية في التعاطي مع هذه المناطق، والملاحظ أن رسالة الأسد الموجهة لقوات سوريا الديمقراطية كانت شديدة اللهجة حيث إنها لم تخش الصدام مع أمريكا، وبالتالي ليحسب مسلحي جنوب سوريا وشمالها ما سيحصل لهم.
هي استراتيجية ذكية ومدروسة من قبل الرئيس الأسد، لذلك كانت مقابلته مهمة ورسمت خارطة العمل العسكري القادم للدولة السورية.
المعادلة الجديدة في الجنوب السوري تبدأ بخروج الأمريكي من قاعدة التنف، وهذا ما قاله وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره الصحفي الأخير حينما سئل عن جنوب سوريا وهل هنالك صفقة بخروج المسلحين المدعومين من الكيان الصهيوني خاصة في محافظة القنيطرة أجاب” بأن لا اتفاق قبل خروج الأمريكي من التنف” ، والمعروف أن هذه القاعدة هي أهم قاعدة أمريكية في سوريا؛ فهي تقع في المثلث الحدوي السورية العراقية الأردني ، وتلعب دوراً مشبوهاً في دعم مسلحي داعش و غيرهم .
إن التوجه العسكري السوري في الجنوب له سيناريوهان إما بعقد اتفاق يقضي بسحب جميع المسلحين من الجنوب ونشر الجيش السوري في البلدات التي يسيطر عليها المسلحون ورجوع قوات الأندوف التي تمثل الخط العازل بين الجولان المحرر والمحتل ، وهذا الاتفاق سيكون برعاية روسية أمريكية، وإذا فشل الاتفاق فسيرى الإسرائيليون الجيش السوري وحلفاؤه يقاتلون على حدود الجولان المحتل.

أما معادلة شمال شرق سوريا، فتختلف لعدة امور والسؤال المطروح: إذا قرر الجيش السوري إرجاع هذه المنطقة إلى الحضن السوري، ما هو موقف أمريكا؟ هل سيقع الصدام مع الجيش السوري بوجود الروسي ؟ وهنالك بالطرف الآخر المسلحون المحسوبون على تركيا في إدلب وريفها كيف سيكون التعامل معهم ؟ هنا ترسم خيوط المعادلة بين قسد والأتراك ومن يدعمهم وهو الأمريكي، فكلما قويت الدولة السورية في مناطق شرق البلاد وبانت معالم الوجود السوري عسكريا وسياسياً فيها - سواءً بالقوة العسكرية أو بالتفاهم السياسي، لم يعد للأتراك حجة في دعم أي كيان مسلح
تبقى بعد ذلك منطقة إدلب بمسلحيها المدعوميين من تركيا وهنا يكون السقف التركي منخفض بعد أن يطمئن انه لا وجود لخطر على أمنه القومي، ويسود الاعتقاد ان التركي لن يتعنت في المساعدة لحل سلمي في إدلب على غرار ما حدث في الغوطة الشرقية.
رسائل الأسد ستكون هي الاستراتيجية القادمة والتي ولدت من رحم الانتصارات المتتالية للجيش العربي السوري وحلفائه ، وما كان لنا أن نسمع هذه الثقة في كلام الرئيس بشار الأسد إلا بسبب وضوح الروية العسكرية والسياسية لصالح الحكومة السورية والتي كان نصر الغوطة وفشل العدوان الثلاثي على سوريا، ومن بعده الفشل الذريع لليلة الصواريخ الإسرائيلية التي قوبلت بصواريخ مضادة تسقط أول مرة بهذه الكمية على الجولان المحتل.

هذه الأمور هي التي رسمت الاستراتيجية العسكرية الجديدة و مقابلة الرئيس بشار الأسد حددت معالمها القادمة في إرجاع كل شبر من الأراضي السورية إلى حضن الدولة وهذا ما سنراه قريباً إن شاء الله تعالى .