هل بات التحالف الصهيوسعودي متخصصا في قصف حفلات الزفاف باليمن؟

 

رغم تكرار الوقائع الميدانية والإدانات الأممية والدولية، وبعد اعتذارات واعترافات تخللها بعض الإنكار، عادت مقاتلات التحالف الصهيوسعودي في اليمن، الذي تقوده السعودية، لاستهداف التجمعات المدنية، عندما قصفت خيمة زواج بمنطقة الراقية في مديرية بني قيس، بمحافظة حجة (132 كيلومترا شمال غرب صنعاء) ليتحول الزفاف إلى مأتم في ثوان قليلة، مساء الأحد الماضي.

الحصيلة الطبية شبه النهائية، وفق مصادر طبية يمنية بلغت 78 شخصا بين قتيل وجريح، وبحسب ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن الدكتور «أيمن مذكور»، مدير مكتب الصحة بمحافظة حجة، فإن 21 شخصا تأكد مقتلهم، وهناك نحو 57 جريحا، بينهم 36 طفلا.

وتحدثت تقارير أخرى، بينها لقناة المسيرة عن مقتل 33 شخصاً.

من جهته، أفاد مدير المستشفى الجمهوري في المحافظة (لم يحدد اسمه) إلى أنه من بين جرحى المجزرة 30 طفلاً حالات بعضهم حرجة، منها 3 حالات بتر أطراف.

شهود عيان

المثير هنا هو ما قاله شهود عيان، حيث أكدوا أن مقاتلات التحالف حلقت لمدة ساعة تقريبا في محيط حفل الزفاف قبل قصفه، وهو ما قد ينفي افتراضية الخطأ، التي لجأ إليها التحالف أكثر من مرة لتبرير ضربات مشابهة أوقعت عشرات القتلى، فتحليق المقاتلات قبل القصف يعني أنه تم رصد الهدف جيدا والدوران حوله عدة مرات.

مساء الإثنين، خرجت أول إدانة دولية للغارة، عندما قال «ستيفان دوغريك» المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش»، إن الأخير ندد بشدة بالغارات، داعيا إلى «تحقيق شاف وفعال»، منبها كل الأطراف إلى التزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي بحماية المدنيين والبنية التحنية المدنية خلال الصراعات المسلحة.

«مزاعم وادعاءات»

ورغم التنديد الأممي بالحادث، والذي يؤكد وقوعه ومسؤولية التحالف الصهيوسعودي عنه، اختارت قيادة الأخير أسلوب «لا أعرف شيئا» للتفاعل مع الأمر، حيث خرج متحدث التحالف، العقيد الركن «تركي المالكي»، ليقول إنهم «يتابعون باهتمام ما ورد في بعض وسائل الإعلام (بادعاء) استهداف قوات التحالف لخيمة زواج بمنطقه بني قيس في محافظة حجة».

لفظ الادعاء والمزاعم تم استخدامه أيضا في وسائل الإعلام الموالية للسعودية والإمارات، وأيضا وسائل الإعلام المصرية، حتى اللحظة، رغم تأكيد وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون»، بدورها، للواقعة، حيث قالت إن «لديها معلومات عن غارة للتحالف استهدفت حفل زفاف في اليمن وأدت لسقوط قتلى وجرحى».
بيان «البنتاغون» عن الأمر يتضح من لغته أنه ينحاز إلى افتراضية أن الضربة تم توجيهها بالخطأ، حيث يتحدث عن استمرار الدعم الأمريكي لضبط نيران التحالف الصهيوسعودي.

كفاءة الطيارين

ووفق تقارير، يشتكي عسكريون أمريكيون ومحللون من عدم كفاءة طياري التحالف الصهيوسعودي ، لا سيما السعوديين، في تنفيذ الاستهدافات الجوية.

ووفقا لبيان «البنتاغون»، وبعد إدانة الأمم المتحدة الواضحة، فإنه من المتوقع أن يخرج التحالف الصهيوسعودي ليقر بالغارة، لكنه سيرجعها إلى عامل الخطأ، رغم تأكيدات شهود العيان بتحليق مقاتلات التحالف قبل نحو ساعة من الغارة في محيط حفل الزفاف، بل استمرارها في التحليق بعد وقوع الغارة، ما أدى إلى منع طواقم الإسعاف من القيام بدورها.

مجزرة الواحجة

الواقعة المشابهة الأبرز لواقعة مساء الأحد، حدثت يوم الإثنين 28 سبتمبر/أيلول 2015، عندما استهدفت مقاتلة تابعة للتحالف الصهيوسعودي بصاروخين خيمتي زفاف في منطقة الواحجة، التابعة لمديرية ذباب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، بشمال غربي اليمن.

الغارة أسقطت نحو 131 قتيلا، بينهم نساء وأطفال، وهو الأمر الذي علق عليه  المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان «روبرت كولفيل»، قائلا: «إذا كانت هذه الأرقام هي فعلا كما ورد، فذلك قد يكون الحادث الأكثر دموية منذ بدء النزاع».

وأكد سكان محليون أن الصاروخين أطلقتهما مقالة تابعة للتحالف الصهيوسعودي، لكن الأخير أصدر بيانا نفى خلاله مسؤوليته عن الأمر، وقال المتحدث باسمه وقتها العميد الركن «أحمد العسيري» إن مقاتلات التحالف لم تشن أية غارات خلال هذا اليوم أو اليومين اللذين سبقاه، متهما «جماعات مسلحة» بإطلاق القذائف التي سببت المأساة.

عزاء صنعاء

واقعة مشابهة أخرى، حدثت في 2016، حينما استهدفت مقاتلات التحالف مجلس عزاء بصنعاء، ما أوقع عشرات القتلى والجرحى من المدنيين (140 قتيلا، على الأقل، وفق تقديرات أعلنتها جهات محسوبة على حركة انصار الله الحوثيين).

التحالف اعترف، حينها، بمسؤوليته عن الخطأ، لكنه ألقى اللوم كاملا على رئاسة الأركان اليمنية التي أكد أنها قدمت «معلومات مغلوطة» إلى مركز توجيه العمليات الجوية التابع له، بوجود قيادات في حركة انصار الله الحوثيين مسلحة في المكان المستهدف، وعليه تحركت مقاتلات وقصفت المكان، الذي تبين أنه كان مجرد مجلس عزاء مليئا بالمدنيين.

التحالف الصهيوسعودي أيضا اتهم مركز توجيه العمليات الجوية في الجمهورية اليمنية بالسماح بتنفيذ عملية الاستهداف بدون الحصول على توجيه من الجهة المعنية.


الواقعة الثالثة، يمكن اعتبارها مشابهة أيضا، حيث قصفت مقاتلات التحالف الصهيوسعودي مجمعا سكنيا مخصصا للمهندسين والموظفين في المحطة الغازية لتوليد الطاقة الكهربائية في مدينة المخا الساحلية، التابعة لمحافظة تعز، غربي البلاد، ما أسفر عن سقوط أكثر من 100 قتيل والعشرات من الجرحى جميعهم من المدنيين.

وتحدث شهود عيان عن وقوع أربعة غارات جوية متتالية، على الأقل، على المجمع السكني، ما يضعف نظرية الخطأ.

وقد اعترف التحالف الصهيوسعودي بالأمر على أنه أحد أوجه القصور التي يعالجها في منظومته الاستخباراتية، مرجعا القصف إلى «معلومات غير دقيقة».

واقعة رابعة

هناك واقعة رابعة، لكن التحالف الصهيوسعودي يصر على نفيها، حيث أكد المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القانون التابع لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أن غارة للتحالف قتلت 47 مدنيا، على الأقل، وأصابت 58، بينهم نساء وأطفال، أثناء حضور حفل زفاف بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول 2015 في محافظة ذمار.

التحالف الصهيوسعودي أصر على نفي تلك الغارة، لكنه اعترف بتنفيذ غارة على طريق (ذمار – رداع – البيضاء) بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2015، استهدفت تجمعا لعربات مسلحة على ذات الطريق.

وقبل أيام من مجزرة حفل زفاف مديرية بني قيس في حجة، قتلت غارة للتحالف الصهيوسعودي ما يقرب من 18 مدنياً بقصف التحالف سيارة لمواطنين كانوا في أحد الأسواق في مديرية موزع، غرب محافظة تعز.

وكان المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان «روبرت كولفيل»، سبق أن حذر قوات التحالف الصهيوسعودي في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، من أنه إذا لم تتخذ الاحتياطات اللازمة في حالة بعينها، أو جرى استهداف مدنيين بشكل متعمد، فيمكن من غير ريب اعتبار ذلك «جريمة حرب».

وبعيدا عن الإدانات الأممية واعتراف التحالف الصهيوسعودي بتلك الغارات حينها وتعهده بالتحقيق فيها، وإنكاره أحيانا، تبقى لحظة تحول الفرح إلى مأتم من أقسى اللحظات الإنسانية، حيث تحدثت تقارير عن حالات هروب وتدافع من داخل أفراح يمنية بمجرد سماع أصوات الطائرات الحربية في محيط المكان.