الغوطة خارج المعادلة
بعد أكثر من شهر على بدء تصعيد شامل غيّر خارطة السيطرة في الغوطة الشرقية، بات إخلاء طوق دمشق من الوجود المسلّح أمراً واقعاً، ومسألة وقت لا أكثر. التحولات الأخيرة في الغوطة سوف تلقي بثقلها على المشهدين الميداني والسياسي، وستفضي إلى مرحلة مختلفة من المواجهة في سوريا. مواجهة باتت تضيق في خياراتها على المجموعات المسلحة ورعاتها الإقليميين والدوليين، فيما اليوم تسجّل دمشق نصراً لا يقلّ أهمية عن تحرير حلب ثم دير الزور. العاصمة باتت بأمان كليّ (من الاختراقات المسلحة و90% من القذائف)، وعينها أضحت على عملية كبرى جديدة بعيدة عن أسوارها.
حملت مجريات الأيام الأخيرة في غوطة دمشق الشرقية تحولات مهمة إلى المشهد السوري؛ فالعاصمة التي كان استهدافها بالقذائف واحداً من أهم أوراق الضغط في أيدي الفصائل المسلحة، تقترب من إخراج كامل محيطها الشرقي من المعادلة العسكرية، بعد اتفاقات جيبي حرستا وعربين، وانتظار تسوية خاصة بمدينة دوما. لا يمكن النظر إلى ما جرى في الغوطة على أنه يشبه مجريات سابقة ــ على أهميتها، فالمنطقة شكّلت واحدة من قلاع الفصائل المسلحة، وكانت الأهم تحصيناً ومن أبرز المناطق التي نالت تغطية سياسية وإعلامية واسعة. التحول الكبير في المشهد لم يكن متوقعاً بالسرعة التي حصل فيها؛ فمنذ أقل من شهرين، كانت الفصائل المسلحة تسيطر على أراض واسعة تمتد من النشابية حتى الطريق الدولي دمشق ــ حمص، وتمتلك ورقة ضغط مهمة بوجود عشرات آلاف المدنيين في بلدات تلك المنطقة ومدنها. وراهنت أوساط معارضة عدة على أن الدول الداعمة لها، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لن تقبل بإبعاد النار عن العاصمة، بما لذلك من أهمية على المستويين العسكري والسياسي. غير أن التطورات كشفت عن توافق صلب بين دمشق وحلفائها على إنهاء ملف المسلحين في محيط دمشق، وهو ما يتوقع أن يستكمل لاحقاً في دوما، كما في مخيم اليرموك والحجر الأسود والقدم وببيلا وبيت سحم. ومن شأن اكتمال تلك الخطط أن يحصر الوجود المسلح في أطراف البلاد، ويتركه مقيّداً بتفاهمات الدول الداعمة، وهو ما بدت آثاره واضحة في مجريات ريفي إدلب وحماة، والتصعيد الأخير، غير الفعال، على جبهة درعا. ومن المتوقع أن تجيّر موسكو الدفع الذي سيولده هذا الإنجاز الميداني لدعم مسارات التسوية في كل من أستانا وسوتشي، في وجه محاولات العزل الغربية التي تحاول احتكار الملف السوري ضمن مسار محادثات جنيف. ولن يعني خروج أطراف العاصمة من دائرة العمليات العسكرية، في ضوء اتفاقات «تخفيض التصعيد»، انتهاء العمليات العسكرية على مساحة الميدان السوري، لا سيما أن جبهات عدة تحمل علائم تصعيد مقبل، قد يكون أبرزها المنطقة الجنوبية.
تم التوافق على إخراج 3500 مختطف لدى «جيش الإسلام»
التسوية في الغوطة، التي انطلقت بوادرها من حرستا، وصلت الجيب الجنوبي من الغوطة في عربين، ووافق «فيلق الرحمن» على التسليم بشروط التسوية، متخلياً عن مطالبه التي شملت الإجلاء نحو المنطقة الجنوبية. وخلال الساعات الأخيرة من أمس (الجمعة)، دخل الجيش إلى حرستا، بعد استكمال خروج المسلحين من المدينة. 80 حافلة أقلّت على مدى يومين نحو 4386 شخصاً، بينهم 1403 مسلحين، إلى منطقة إدلب ومحيطها، عبر معبر قلعة المضيق، ليقفل بذلك ملف واحدة من أهم المدن التي سيطر عليها المسلحون في طوق العاصمة، والتي أغلقت الطريق الدولي بين دمشق وحمص لسنوات. وجاء إعلان التوصل إلى تفاهم مع «فيلق الرحمن» بعدما كان الجيش قد سيطر على أكثر من نصف بلدة عين ترما. وشهدت الساعات الأولى لإعلان الاتفاق انسحاب مسلحي «الفيلق» و«هيئة تحرير الشام» من حي جوبر الدمشقي، نحو عربين. ومن المنتظر أن يبدأ اليوم (السبت) خروج نحو 7000 شخص، بمن فيهم المسلحون، بالتوازي مع تحرير عدد من المختطفين لديهم، وتسليم السلاح الثقيل وخرائط الألغام المزروعة في المنطقة. ورغم بقاء دوما خارج قوسي التسويات الشاملة حالياً، فهي كانت البلدة الأنشط بالتعاون مع الجانب الروسي خلال الشهر الماضي، إذ خرج آلاف من المدنيين عبر معبر مخيم الوافدين، كما أجليت حالات طبية طارئة منها، وأخيراً وافق «جيش الإسلام» على عملية تبادل للمختطفين لديه، والمقدرين بنحو 3500 مختطف، مقابل إجلاء نحو 3 آلاف من المدنيين من أصحاب الحالات الصحية الحرجة. وكان قد خرج من المدينة، بين يومي الجمعة والخميس، نحو 6550 شخصاً، ليصل العدد الإجمالي للخارجين عبر معبر مخيم الوافدين منذ آخر شهر شباط الماضي إلى أكثر من 21 ألف شخص، وفق الأرقام الرسمية التي أعلنها الجانب الروسي، فيما وصل إجمالي المغادرين من الغوطة وفق المصدر نفسه إلى نحو 103 آلاف شخص.
وفي تطورات الشمال، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه بحث عملية «غضن الزيتون» مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، مضيفاً أنه أبلغهم أن بلاده «لن تتراجع عن الخطوات التي اتخذتها في المنطقة». ولفت في تصريحات في اسطنبول إلى أن العمليات العسكرية «لن تقتصر على عفرين، وسوف تتبعها إدلب ومنبج، إلى حين إحقاق الحق في تلك المناطق». وأعلنت الأمم المتحدة، الجمعة، أن نحو 170 ألف شخص فرّوا إثر الهجوم الذي قادته تركيا على مدينة عفرين، مشيرة إلى «الظروف المروعة» التي يواجهها هؤلاء.