ترامب : "هدية من السماء" لإسرائيل، كيف ولماذا
احتفى مركز أبحاثٍ مُرتبطٌ بدوائر صنع القرار في تل أبيب، بـ"نجاح" الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في تقليص "سقف التوقعات العربية"، في أيّ حلٍّ لتسوية الصراع مع الفلسطينيين.
واعتبر "مركز القدس للشؤون العامة"، الذي يرأس مجلس إدارته دوري غولد، وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية السابق، إن فوز ترامب بالرئاسة، مثّل "هدية من السماء" لإسرائيل، مشدداً على أن الرئيس الأميركي ساعد إسرائيل على إحداث تحولٍ في مسار الصراع مع الفلسطينيين بما يخدم مصالحها، من خلال إجبار العرب على التعايش مع مواقف حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب.
وفي مقال نشره مساء أمس وأعده المستشرق يوني بن مناحيم الذي شغل في الماضي منصب رئيس "سلطة البث" الإسرائيلية، لفت المركز، الأنظار إلى أن ترامب، في محاولته لتقليص توقعات العالم العربي، والفلسطينيين على وجه الخصوص، يعتمد استراتيجية "صاحب البيت أصابه الجنون"، والتي وجدت تعبيرها في المقترحات التي يقدمها لحل الصراع، ويطلق عليها اسم "صفقة القرن".
وأشار بن مناحيم إلى أن ترامب، "من أجل ضمان دفع الفلسطينيين إلى تقديم تنازلات، وجعلهم أكثر برغماتية، لا يتردد في ذبح الأبقار المقدسة"، للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وبيّن أن الرئيس الأميركي يعمل على إجبار العرب على التعايش مع مواقف إسرائيل من القضايا الرئيسية التي تشكل الصراع، لاسيما القدس، اللاجئين، الحدود، المستوطنات وغيرها.
كما أكد بن مناحيم أن خطة ترامب تنسف، بشكل تام، الخطوط الحمراء التي يتشبث بها الفلسطينيون في كل ما يتعلق بتسوية الصراع مع إسرائيل، منوهاً إلى أن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وإعلانه بأن المدينة خارج نطاق المفاوضات، وقراره تقليص الموازنة المخصصة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، تعد أهم الخطوات التي أقدم عليها لتحقيق هذا الهدف، متوقعاً أن يقدم ترامب على خطوة أخرى للسع الوعي الفلسطيني والعرب، تتمثل في إعلانه عن أن قضية اللاجئين لن تكون جزءاً من أي مفاوضات مستقبلية.
كذك، رأى بن مناحيم أن ما يفاقم الأمور خطورة بالنسبة للفلسطينيين، حقيقة أن القضية الفلسطينية لا تقف على رأس أولويات العالم العربي، لافتاً إلى أن الحكام العرب غير مستعدين لخوض مواجهة مع الولايات المتحدة من أجل دفع ترامب إلى التراجع عن خطته.
وبحسب بن مناحيم، فإنه على الرغم من أن الحكام العرب سيواصلون "دفع ضريبة كلامية"، من خلال إسناد الموقف الرسمي الفلسطيني الرافض للخطة الأميركية، إلا أن هؤلاء الحكام، في المقابل، لن يحركوا ساكناً من أجل دفع ترامب إلى التراجع عن احتكار الوصاية على المفاوضات.
وعزا سرّ نجاح ترامب في تقليص سقف تطلعات العرب في كل ما يتوجب على إسرائيل تقديمه من أجل حلّ الصراع، إلى إدراكه ضعف العالم العربي، وتمكّنه من استغلال الانقسامات التي تعصف به. واعتبر أن مؤشرات نجاح استراتيجية ترامب تكمن في أن بعض العرب باتوا يظهرون مؤشرات على التعايش مع الموقف الأميركي من القدس، معتبراً أن ما يمثل دليلاً على قراءة ترامب الدقيقة للعالم العربي، حقيقة أن العالم العربي لم يردّ "بانتفاضة" على قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
واستدرك الباحث الإسرائيلي أنه على الرغم من أن الوقائع على الأرض قد تغيرت، فإن الفلسطينيين لا يزالون يصرّون على مواقفهم من المستوطنات والحدود والأرض والقدس واللاجئين.
وبحسب بن مناحيم، فإن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فشل، على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها، في إقناع قادة العالم بتشكيل جبهة دولية لمواجهة الولايات المتحدة، وتكون مستعدة لأن تحل مكان واشنطن في رعاية المفاوضات مع إسرائيل. ونوه إلى أن الفلسطينيين معنيون بملاحظة تأثير اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وترامب، على مخططات الأخير بشأن "صفقة القرن". وأضاف أن الدول الأوروبية أيضاً غير معنية بمواجهة مع إدارة الرئيس الأميركي الحالي، وتضغط على الفلسطينيين وتحاول إقناعهم بمنح فرصة لمشروع الأخير لحلّ الصراع.
وأوضح أن اضطرار الفلسطينيين إلى رفض "صفقة القرن" يظهرهم كـ"رافضي سلام"، ما يعزز المكانة الإقيليمية والدولية لإسرائيل، داعياً صناع القرار في تل أبيب إلى المواظبة على التنسيق مع إدارة ترامب وتجنب الاشتباك معها.
ويتعمد ترامب عدم الكشف بشكل رسمي عن بنود الصفقة المقترحة وعلى تحديد الموعد المحدد للإعلان عنها، بحسب بن مناحيم، منوها إلى أنه من الممكن أن يتم الإعلان عن الصفقة خلال مؤتمر يعقد في إحدى الدول العربية ويحضره الرئيس الأميركي. ولفت الباحث الإسرائيلي إلى التسريبات بشأن محاولة السعودية احتواء معارضة السلطة الفلسطينية للصفقة، من خلال سعيها لعقد لقاءات بين ممثلين عنها وإدارة ترامب.