إسرائيل تُشرعن إفراغ القدس من الفلسطينيين والكنيست يُصادق على قانون احتجاز جثامين الشهداء
غيرُ آبهةٍ بالقوانين والمواثيق والأعراف الدوليّة، تُواصل إسرائيل مساعيها الحثيثة لإفراغ القدس من مُواطنيها الفلسطينيين، لاجئةً إلى الذريعة الأمنيّة، التي باتت ممجوجةً للغاية في سياستها القاضية بتكريس القدس، بجزأيها، عاصمةً أبديّة للدولة العبريّة، كما يتشدّق رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو من على كلّ منصةٍ محليّة، دوليّة وعالميّة، وخصوصًا بعد الاعتراف الأمريكيّ بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وإعلان الإدارة في واشنطن عن عزمها نقل السفارة الأمريكيّة من تل أبيب إلى القدس في الرابع عشر من أيّار (مايو) القادم، وهو اليوم الذي يُحيي فيه الشعب العربيّ الفلسطينيّ الذكرى السبعين للنكبة التي حلّت به.
وفي هذا السياق، صادقت الكنيست بالقراءة الثانية والثالثة على قانونٍ يُمكّن وزير الداخليّة الإسرائيليّ من سحب الإقامة الدائمة من السكّان المقدسيين على خلفيّة “خرق الولاء”، وقد أيّد القانون 48 نائبًا في الكنيست، وعارضه 18 نائبًا. وبحسب القانون الجديد، يُمكن لوزير الداخليّ أنْ يسحب الإقامة الدائمة لفلسطينيي القدس الشرقيّة ويهجّرهم من المدينة التي وُلدوا فيها.
وأشار مركز عدالة، المركز القانونيّ للدفاع عن حقوق الأقليّة العربيّة في إسرائيل، إلى أنّه تمّت صياغة القانون إثر قرار المحكمة العليا الإسرائيليّة الصادر يوم 13.9.2017، في قضيّة سحب الإقامة الدائمة من أربعة نوّاب المجلس التشريعيّ المقدسيين بحجّة “خرق الولاء”. وجاء في قرار المحكمة أنّ القانون، بصيغته السابقة، لا يعطي وزير الداخليّة صلاحيّة لسحب الإقامة الدائمة على خلفيّة خرق الولاء، علاوةً على ذلك، جمّدت المحكمة قرار وزير الداخليّة لستة أشهرٍ من أجل إعطاء البرلمان إمكانيّة لسن قانونٍ ملائم يشرعن قرار وزير الداخليّة.
من جهتها قالت المنظّمات الحقوقيّة: مركز عدالة، مركز الدفاع عن الفرد، وجمعيّة حقوق المواطن في إسرائيل، إنّ القانون غير دستوريّ ويهدف إلى تهجير الفلسطينيين من القدس، المدينة التي وُلدوا فيها. رغم أنّ سحب الإقامة الدائمة مرهونة بمسٍ خطير في الحقوق الأساسيّة – الحق في العائلة، حريّة التنقّل، الحق في العمل، وغيرها- إلّا أنّ أعضاء البرلمان قرّروا توكيل وزير الداخليّة بهذه الصلاحيّة ليستخدمها كما يشاء. وتابعت المنظمّات قائلةً إنّ القدس الشرقيّة منطقة محتلّة، والسكّان الفلسطينيين فيها هم سكّان محميين بموجب القانون الدوليّ الإنسانيّ. وعليه، يُمنع فرض الولاء لإسرائيل عليهم، ويُمنع بالطبع سحب الإقامة الدائمة منهم وتهجيرهم فعليًا.
وحذّر الإتحاد الأوروبيّ من القانون الذي يسمح بتجريد الفلسطينيين في القدس الشرقية من وضع إقامتهم في المدينة إذا كانوا متورطين في “الإرهاب” أو “الخيانة”، مُشدّدًا على أنّ من شأنه أنْ يجعل حياة الفلسطينيين مزعزعة أكثر ممّا هي عليه اليوم. وأضاف أنّه تماشيًا مع القانون الدوليّ، لا يعترف الاتحاد الأوروبيّ بسيادة إسرائيل على الأراضي التي احتلتها منذ حزيران (يونيو) 1967، بما في ذلك القدس الشرقيّة، ولا يعتبرها جزءً من أراضي إسرائيل، بغضّ النظر عن وضعها القانونيّ بموجب القانون الإسرائيليّ المحليّ، كما وعد الإتحاد الأوروبيّ بالمراقبة عن كثب حول ما إذا كان هذا القانون الجديد يُطبّق على الفلسطينيين في القدس الشرقيّة.
في سياق ذي صلةٍ، صادقت الكنيست يوم الأربعاء، 7.3.2018، على قانونٍ يمكّن الشرطة الإسرائيليّة من احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين من أجل فرض شروطٍ على عائلاتهم قبل تسليمهم الجثامين للدفن. ومن الجدير بالذكر أنّه تمّت صياغة مشروع القانون من قبل الحكومة إثر قرار المحكمة العليا يوم 25.7.2017، والذي صدر بشأن التماس مركز عدالة لتحرير جثامين الشهداء، وجاء في قرار المحكمة أنّ الشرطة الإسرائيليّة لا تمتلك أيّ صلاحيّةٍ لاحتجاز جثامين الشهداء، إذْ لا وجود لقانونٍ عينيٍّ يمنحها هذه الصلاحيّة، وقد أيّد القانون 48 نائبًا في الكنيست وامتنع 10 نوّاب.
من جهته عقّب مركز عدالة على هذا القانون الجديد في بيانٍ رسميٍّ أصدره وجاء فيه أنّ احتجاز الجثامين ومنع الدفن الفوريّ يتناقض مع القانون الإسرائيليّ والقانون الدوليّ. وقد جاء في سابقة المحكمة العليا قبل ستة أشهر بأنّ احتجاز الجثامين وفرض الشروط لنقلها يشكّل مسًا بكرامة الإنسان، وكذلك أصدرت لجنة الأمم المتّحدة لمناهضة التعذيب قرارًا يمنع إسرائيل باحتجاز جثامين الشهداء والمساومة على نقلها للعائلات. واختتم مركز عدالة تعقيبه بالقول إنّه لا يوجد في القانون الدستوريّ أوْ في قوانين حقوق الإنسان أيّ قانونٍ شبيه لهذا القانون، وهذا القانون يسييس قضيّة إنسانيّة من الدرجة الأولى، كما أكّد مركز عدالة في تعقيبه.