من باسل الأعراج الى عهد التميمي؛ أيقونات مقاومة تضيء سماء فلسطين وترسم الطريق نحو الحرية
عام مضى وتستمر المسيرة... الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد المقاوم الفلسطيني باسل الأعرج الذي شكّل أيقونة مهمة في تاريخ العمل الفلسطيني المقاوم حتى اليوم، ولكنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه قبل ذلك بكثير، كنموذج للمثقف المقاوم، فاتحاً عهداً جديداً في النضال.
شكّل الأعرج أنموذجاً فريداً من المقاومة، أنموذج البطل المقاوم والمثقف الشهيد، لم يجلس في صيدليته متفرجاً على انتهاكات الاحتلال، بل اختار أن يعرج باسلاً إلى السماء بعد مواجهة دامت لأكثر من ساعتين مع الجيش الإسرائيلي في رام الله، تاركاً خلفه كتاباً ووصيةً وسلاحاً ورصاصات أفرغها في صدور المحتلّين، ونهجاً لم تستطع سنون الاحتلال السبعون أن تمحيه، وتمكّن وحده كمقاتل بسيط التدريب مسلّح ببندقية بدائية، أن يواجه دورية عسكرية إسرائيلية مدججة بمختلف صنوف الأسلحة، كما قاد الحراك الشبابي الشعبي الفلسطيني منذ تأسيسه وعمل هذا الحراك على توفير دفعة شعبية لمبدأ المقاومة، وأصبح الحراك خلال فترة قصيرة هدفاً للشباب، واتهمه وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان في 2016 بالسعي لتشكيل ذراع عسكري وتنفيذ عمليات تستهدف الجيش والمستوطنين، والتواصل مع حزب الله وتلقي تدريبات في لبنان، لتنفيذ هجوم في القدس المحتلة باستخدام القنابل والبنادق والمسدسات والذخائر.
رحل الأعرج تاركاً وصيته التي كتبها قبل ساعات من ارتقائه قائلاً فيها "لكم من الصعب أن تكتب وصيتك، ومنذ سنين انقضت وأنا أتأمل كل وصايا الشهداء التي كتبوها، لطالما حيرتني تلك الوصايا، مختصرة سريعة مختزلة فاقدة للبلاغة ولا تشفي غليلنا في البحث عن أسئلة الشهادة، وأنا الآن أسير إلى حتفي راضياً مقتنعاً وجدت أجوبتي، يا ويلي ما أحمقني! وهل هناك أبلغ وأفصح من فعل الشهيد. وكان من المفروض أن أكتب هذا قبل شهورٍ طويلة، إلا أن ما أقعدني عن هذا، هو أن هذا سؤالكم أنتم الأحياء، فلماذا أجيب أنا عنكم، فلتبحثوا أنتم... أما نحن أهل القبور فلا نبحث إلا عن رحمة الله".
الأعرج رحل، ولكن مسيره ونهجه لم يرحل، فبعد أشهر من استشهاده، سطّر عدد من المقاومين الفلسطينيين أسطورة جديدة لا تقل أهمية عن أسطورة باسل الأعرج، كان من بينها الشهيد مروان أبو ثريا الذي تحوّل إلى أيقونة من أيقونات الانتفاضة الثلاث، واستطاع الشاب الفلسطيني الذي ولد في قطاع غزة، أن يدخل التاريخ المقاوم من أوسع أبوابه تاركاً لنا عبرة مهمة وهي "العاجز من يتنازل عن حقه"، فأبو ثريا الذي بترت قدماه في قصف إسرائيلي استهدفه عام 2008، نال شرف الشهادة في جمعة الغضب يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2017 خلال مشاركته في مظاهرات شرق غزة، وتغلب أبو ثريا على عجزه وكشف لنا من هو العاجز الحقيقي، وغدا الشهيد رمزاً للحق الفلسطيني الذي يرفض الاستسلام وانتشرت صوره بشكل كبير في أرجاء العالم، كما ظهر الشاب "أبو ثريا" يحمل العلم الفلسطيني ويهتف باسم القدس، الأمر الذي أثار انتباه العديد من الصحفيين هناك، وأجرى معه البعض منهم حواراً قصيراً حول أهمية وجوده في التظاهرة فقال: "أنا موجود على الحدود لإيصال رسالة للجيش الإسرائيلي بأن الأرض أرضنا هنا، ولن نستسلم".
وعلى نفس نهج الجهاد، سار المقاوم أحمد جرار، وجرّ جيش الاحتلال خلفه، وبعد أسابيع على مطاردته وتجنيد جميع الوحدات العسكرية والاستخباراتية ووسائل التكنولوجيا التي يمتلكها كيان الاحتلال للقبض عليه، نال الشاب الفلسطيني المقاوم شرف الشهادة، مسجلاً اسمه في سجل الخالدين وسجل الكرامة والشجاعة والأمل، ليصبح أيقونة جديدة تضاف لمن سبقها من أيقونات الانتفاضة الفلسطينية بمختلف مراحلها.
"الشبح" كما لقّبه أعداؤه ومناصروه على حد سواء نجح بالتخفي أكثر من أسبوعين عن أعين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التي تمتلك مقدرات أمنية متقدمة جداً في الرقابة والمتابعة، ولم ينفعها تواطؤ الأجهزة الأمنية الفلسطينية معها في الوصول إليه إلا متأخراً، واستشهد وهو واقف دون أن ينحني كأشجار الزيتون المباركة في فلسطين المحتلة احتضنها تراب الأرض وبقيت أغصانها ثابتة لا تنحني لعواصف الزمن، ولا لغدر الاحتلال وعملائه.
ومن قال إن الأيقونة تنال حقها في سجل التاريخ فقط بعد استشهادها!، فسجل كتاب الخالدين يمكن أن يضم بين دفتيه مقاوماً مازال على قيد الحياة، لا بل أكثر من ذلك، فإن هذا السجل ليس حكراً على الرجال، والعمر ليس شرطاً أيضاً، وهو ما أثبتته المقاومة الطفلة عهد التميمي، التي لقبت بـ"جميلة فلسطين" نسبة إلى المناضلة الجزائرية المعروفة جميلة بوحيرد، وبرزت كوجه إعلامي مقاوم منذ أن كانت في الثامنة من عمرها، تشارك في المسيرة التي تنظمها بلدتها "النبي صالح" ضدّ انتهاكات جيش الاحتلال، واستطاعت التميمي التي لم تيأس من أن تطل شمس الحرية عليها وعلى بلدها المحتل في الغد القريب، وتمكنت من أن تتصدر عناوين صفحات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي لجرأتها وقوة شخصيتها، قبل أن تقوم سلطات الاحتلال باعتقالها بذريعة ضرب جندي إسرائيلي، ووجهت النيابة الإسرائيلية لها لائحة تهم مكونة من 12 بنداً أبرزها تهديد جندي إسرائيلي وإلقاء الحجارة والتحريض وإعاقة عمل الجنود وشتمهم، ومع ذلك واصلت عهد التميمي نضالها من خلف القضبان، ولم يمنع وقوعها في الأسر من استمرار جهادها وهو ما تجلّى مؤخراً في عزمها على التقدم للامتحانات الثانوية خلال الفترة المقبلة.
هذا كان غيضاً من فيض.. أيقونات شكلت دعماً كبيراً للمقاومة، رحل بعضها ومنها من ينتظر على درب تحرير فلسطين، ومن يعلم، بالأمس كان الأعرج واليوم خلفته التميمي وجرار، وفي الغد ربما سنكتب عن أيقونات جديدة.