المقاومة و”إسرائيل” حتمية التبادل
لا يمكن القول بأننا أمام حراك حقيقي في ملف الجنود والأسرى الفلسطينيين، فالحكومة الحالية برئاسة نتنياهو غير قادرة على دفع الفاتورة مرة ثانية مع تزايد المخاطر والتهديدات من محرّري صفقة شاليط، وعلى الرغم من فشل الحكومات السابقة خلال العقدين الأخيرين خلال تفاوضهم مع حزب الله في لبنان وكتائب القسّام في فلسطين إلا أنها لا تمتلك الجرأة الكافية على تحمّل صفقات جديدة.
“نحن لا نعلم إن كانوا جثثاً أم أحياء”، بهذه العبارة اختصر وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان حال الفشل الاستخباري على مدار السنوات الماضية بعد عدوان 2014 على قطاع غزّة، فهذا أول اعتراف رسمي من قبل حكومة الاحتلال بأن مصير الجنود المأسورين لدى المقاومة غير معلوم، ما يضع حكومته أمام تحدٍّ جديد مع المقاومة بعد أن فشل الجهد الاستخباري في الحصول على معلومات تقنع عوائل الجنود بالرواية الرسمية.
حديث ليبرمان يمثل تقبّل الحكومة الإسرائيلية لسقف مطالب المقاومة، وقناعتها بألا جدوى إلا بالتفاوض مع حركة حماس، في ظل شحّ المعلومات، وتزايد ضغط العوائل لمعرفة مصير الجنود المأسورين لدى كتائب القسّام، إلا أنها لا ترغب في المضيّ بخطوات حقيقية تجاه إبرام صفقة في المرحلة الحالية، وتفضّل أسلوب الضغط بالواقع الإنساني عبر مواصلة حصار قطاع غزّة وربط تخفيفه بالإفراج عن جنوده لدى المقاومة الفلسطينية.منذ عملية أسر الجنود خلال العدوان والحكومة الإسرائيلية تنتهج مبدأ تضليل الجمهور الإسرائيلي بهدف عدم الضغط عليها في ظل فشلها في تحقيق نتائج رادِعة ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، وفشلها الاستخباري في قراءة نوايا حماس الهجومية، وعدم قدرتها على إسقاط سيطرة حماس على قطاع غزّة، ما دفعها لارتكاب مجزرتي الشجاعية ورفح للتغطية على الإخفاق وفقدان الجنود.
بعد انتهاء عدوان 2014 أضحى ملف الجنود الأسرى يطرح بين الفينة والأخرى في وسائل الإعلام، إلا أن مطلع إبريل من العام الماضي شكّل بداية ساخنة للمفاوضات الإعلامية بين كتائب القسّام وحكومة الاحتلال، فقد أصدرت الأولى شريطاً مسجلاً لناطقها الإعلامي، ألمحت فيه لأول مرة عن عدد من الأسرى لديها، كما أشار التسجيل إلى مصير الجندي “هدار غولدن” نافياً وجود أية مفاوضات، رداً على تصريحات نتنياهو خلال مؤتمر صحفي أُجبر فيه على الحديث عن الجنود المفقودين والحصول على تقرير مهم بخصوص مصيرهم.
ومع إصرار المقاومة على شروطها، سعت الحكومة الإسرائيلية إلى توجيه رسالة لها عبر الإعلام الإسرائيلي بأن شروطها مرفوضة بالإفراج عن معتقلي صفقة شاليط، وأن سقفها فقط 40 معتقلاً أسروا في عدوان 2014، وترفض إسرائيل دفع أثمان باهظة مقابل جثث، إلا أن قيادة الجناح العسكري لحركة حماس سرعان ما قلّلت من أهمية هذا الطرح، ناصحةً ذوي الجنود بتوجيه غضبهم تجاه الحكومة ودفعها لتغيير تصنيف أبنائهم وتصرّح لهم بالحقيقة التي قد تحمل أخباراً سارةً لهم.
من الواضح بأنه ثمة قناعة لدى القسّام بأن إسرائيل ستدفع الثمن ولو بعد حين، فهو يعوّل على عامل الوقت لصالحه وعدم الوقوع تحت الضغوطات، ولديه تجربة طويلة النفس في ملف الجندي جلعاد شاليط استمرت لخمس سنوات من دون تنازل، كما يساهم نجاحه في الفصل بين الملف السياسي والحصار على قطاع غزّة عن ملف الأسرى لديه بتعزيز رؤيته بالاستمرار بالتمسّك بشروطه وعدم التنازل عنها.
مازال الإعلام والجمهور الإسرائيلي متمسّكين بالراوية الإسرائيلية ولا يشكل حالة ضغط حقيقي على الحكومة، كما أن عائلة هدار جولدن ترفض الإفراج عن ابنها مقابل أسرى فلسطينيين، ما قد يؤجل إمكانية تحقيق تقدّم في ملف الجنود الإسرائيليين، على الرغم من المحاولات الإسرائيلية عبر عدد من الوسطاء القطريين والغربيين، إلا أنها فشلت في تغير موقف قيادة المقاومة.