عهد التميمي.. رمز جيل جديد من المقاومة الفلسطينية
نشرت مجلة "ذي نيشن" الأمريكية مقال رأي للكاتب بن إهرنريتش، الذي اعتبر أن الطفلة عهد التميمي أصبحت تمثل أيقونة للنضال الفلسطيني، خاصة إثر تعدد المواجهات بينها وبين جنود الاحتلال الإسرائيلي. وقد بات هذا الأمر يشكل خطرا عليها، نظرا لأن كل الأبطال الفلسطينيين ينتهي بهم الأمر بالاغتيال أو الأسر.
وقال الكاتب، إنه قد تعرف لأول مرة على عهد التميمي عندما كان عمرها 11 سنة، وكانت تشارك رفقة ابنة عمها مرح في المظاهرات، في قرية النبي صالح في الضفة الغربية. وكانتا حينها تتصدران التحركات ضد الاحتلال، الذي لا يتوانى في كل مرة عن ملاحقة الفلسطينيين، وإلقاء القنابل اليدوية الصوتية في اتجاههم، فضلا عن إطلاق الرصاص عليهم.
وذكر الكاتب أن هذا السيناريو عادة ما يتكرر، في كل مرة تقتحم فيها قوات الاحتلال القرية وتنتهك حرمة المنازل. وقد ظهرت عهد التميمي مرة أخرى خلال الأسبوع الماضي، ضمن مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع على وسائل الإعلام، حيث أقدمت على صفع جندي إسرائيلي.
واعتبر الكاتب أن عهد التميمي لم تكن تسعى للشهرة أو إحداث ضجة، بل ربما كانت تفضل لو أنها الآن رفقة أصدقائها تعيش حياتها بشكل طبيعي، مثل أي طفلة مراهقة في سنها، عوضا عن أن تكون بطلة. ولكن الممارسات الغاشمة التي كان أهلها يتعرضون لها على يد قوات الاحتلال، لم تترك لها خيارا آخر.
والجدير بالذكر أن صورا أخرى لعهد التميمي قد ظهرت في وقت سابق، حيث بادرت التميمي بتوجيه لكمة بذراعها النحيف، إلى وجه جندي إسرائيلي، وذلك على خلفية اعتقال زملائه لشقيقها. وقد تحولت بذلك هذه الطفلة بين ليلة وضحاها إلى رمز للمقاومة الفلسطينية.
وذكر الكاتب أن سكان مدينة النبي صالح ما فتؤوا يتظاهرون منذ سنوات، بسبب النشاط الاستيطاني ومصادرة ممتلكاتهم. وفي كل يوم جمعة، عند خروجهم للتظاهر ضد الاحتلال، يسقط عدد من الضحايا، على غرار مصطفى التميمي، ابن عم عهد، الذي تعرض لإصابة مباشرة في الوجه نتيجة قنبلة غاز، فضلا عن عمها الذي قتل بعد أشهر من تلك الحادثة في تشرين الأول/نوفمبر سنة 2012، حيث أصيب برصاصة على مستوى الظهر ببندقية جندي إسرائيلي.
وأضاف الكاتب أن الجيش الإسرائيلي استمر في تنفيذ العديد من المداهمات لمنازل الفلسطينيين في قرية النبي صالح دون انقطاع. وينتشر جنود الاحتلال غالبا قبل الفجر في هذه القرية لاعتقال المواطنين، وتفتيش المنازل، وبث الرعب، وإيصال رسالة واضحة، مفادها أن أرواح ومنازل وأراضي وأطفال الفلسطينيين ليسوا في أمان.
وذكر الكاتب أن عهد التميمي تعرضت خلال الأسبوع الماضي للاعتقال، على الرغم من أن فتاة في سنها يفترض ألا تشملها هذه الإجراءات، في حين ينبغي أن يسمح لها بمواصلة دراستها والذهاب إلى الجامعة. ومما لا شك فيه أن ما تتعرض له التميمي الآن سيحولها إلى امرأة شجاعة وذكية في المستقبل.
وأشار الكاتب إلى أن الكثيرين من الذين شاهدوا الفيديو الذي تسبب في اعتقال عهد التميمي، قد تساءلوا بشأن سر غضبها الشديد وشراستها في مواجهة الجنود الإسرائيليين عند اقتحامهم لباحة قريتها، والسبب وراء صراخها وضربها لهم. في الواقع، يوجد ألف سبب يدعوها لردة الفعل تلك، حيث قتل عمها وابن عمها على يد الاحتلال، في حين تعرضت أمها لإطلاق نار في ساقها، وظلت تمشي باستخدام العكاز لحوالي سنة،كما أن والدها وشقيقها تم اعتقالهم لأشهر عديدة.
علاوة على ذلك، لم تحظ عهد التميمي مطلقا بنوم هانئ في ظل احتمال اقتحام الجنود الإسرائيليين لمنزلها في أي وقت. بناء على ذلك، يعد ما قامت به التميمي في صباح يوم الثلاثاء الماضي، أمرا دأبت على فعله منذ وقت طويل، أي التصدي للجنود على باب منزلها وداخل غرفتها.
وأوضح الكاتب أن مقطع الفيديو الذي انتشر إثر تلك الحادثة، أثار حالة من الخوف لدى الرأي العام الإسرائيلي. فقد خلقت صورة عهد التميمي الجسورة التي لا تهاب، والتي لا تتوان عن تضرب الجنود وطردهم خارجا، حالة هستيرية في صفوف الإسرائيليين.
واعتبر الكاتب أن عهد التميمي لم تتعرض للاعتقال بسبب خرق القانون، خاصة وأن إسرائيل في إدارتها للأراضي المحتلة لا تلقي بالا للقوانين. ففي الحقيقة، يتمثل السبب وراء اعتقالها في تصدرها لنشرات الأخبار، فضلا عن حالة التحريض التي تعرضت لها من قبل السياسيين والرأي العام في إسرائيل.
وأكد الكاتب أن الإسرائيليين، وفي تعليقهم على تلك الحادثة، اعتبروا أن الأمر بمثابة مساس بالرجولة، وذلك تعبيرا عن شعورهم عندما شاهدوا ذلك الجندي بخوذته ودروعه الواقية يحمل بندقيته، وهو يتعرض للإذلال من قبل طفلة ترتدي قميصا ورديا، ضاربة عرض الحائط بكل القوة والجبروت والثروة والتعنت الإسرائيلي.
وشدد الكاتب على أن هناك هوة سحيقة بين نظرة إسرائيل لنفسها وصورتها الحقيقية، حيث يؤمن الإسرائيليون منذ زمن بأنهم يمثلون قوى الخير، وسط مجموعة من الدول الشريرة. وفي الوقت ذاته، يفتخرون بتفوقهم العسكري، والتكنولوجيا القتالية. في المقابل، تمكنت عهد التميمي من خلال ما أظهرته من شجاعة من تحطيم كل هذه التصورات، وأظهرت للعالم أن إسرائيل دولة متنمرة. فضلا عن ذلك، جعلت التميمي جنود الاحتلال يشعرون بأن أسلحتهم لا قيمة لها، وبينت للعالم مدى ضعف وجبن هؤلاء الجنود.
وفي الختام، طالب الكاتب الرأي العام، وكل المهتمين بقضية عهد التميمي، بعدم تحويل هذه الفتاة إلى بطلة، ذلك أن الأبطال الفلسطينيين دائما ما ينتهي بهم الأمر إلى الموت أو الاعتقال، داعيا الجميع إلى النضال من أجل حريتها، حتى تعيش حياة طبيعية مثل غيرها من الأطفال.