مختصون: أزمة المياه في العراق ناتجة عن سوء إدارة داخلية ورغبة تركية

تستمر تداعيات أزمة المياه الحادة التي تضرب العراق، ووصلت حد عزم محافظة ميسان رفع دعوى قضائية على محافظتي واسط وذي قار، فيما يؤكد مختصون أن سوء إدارة الموارد المائية في البلاد لا تقل خطرا عن تحركات دول الجوار للسيطرة على الموارد المائية من أجل الهيمنة في المنطقة. وفي هذا الشأن قال عضو مجلس محافظة النجف، خالد الجشعمي، في تصريحات صحفية، إن "موضوع شحة المياه يمكن السيطرة عليه من قبل وزارة الموارد المائية"، مؤكدا أن "هناك بعض التدخلات من قبل الحكومات المحلية في بعض المحافظات ولكنها لا تؤثر لأن المشكلة الحقيقية التي يعيشها البلد هي تناقص المنسوب الخزني للمياه".

من جانبه، يؤكد النائب عن محافظة ذي قار، عزيز العكيلي، عدم "وجود تنسيق بين وزارة الزراعة ووزارة الموارد المائية"، وهو ما يكشف عن سوء إداري للموارد المائية. وبين أن "وزارة الزراعة أعدت خطة لمعالجة نقص مياه الري للأراضي الزراعية تشمل 4 مليون دونم بينما قدمت وزارة الموارد المائية خطة لا تتجاوز 2 مليون دونم".
وكان النائب عن كتلة بدر النيابية رزاق محيبس، طالب، رئيس الوزراء ووزير الموارد المائية بالتدخل لحل مشكلة المياه في الناصرية، مؤكدا أهمية معالجة مشكلة التجاوز على الحصص المائية من قبل المحافظات وفرض إجراءات وعقوبات مشددة في هذا الإطار.

ويرى مراقبون أن سوء الإدارة العراقية للمياه ساهم بشكل كبير في أزمة الجفاف، ويظهر ذلك جليا في سلوك المحافظات، حيث وصل بها الحال إلى تبادل الدعاوى القضائية.

وأعلن عضو مجلس محافظة ميسان راهي البزوني، اليوم (24 تشرين الثاني 2017)، عزم المجلس رفع دعوة قضائية ضد حكومتي واسط وذي قار لتجاوزهما على حصة ميسان المائية و"تحميلهما الأضرار المادية التي لحقت بالمواطن".

ولا تكتفي أصابع الاتهام بالتوجه نحو الداخل، فالدول الإقليمية المجاورة التي تتشارك مع العراق في الموارد المائية، أثرت بوضوح في إحداث أزمة الجفاف الحاد التي تعاني منها البلاد.

ولعل ما أقدمت عليه تركيا بإقامة منشآت مائية على نهري دجلة والفرات أدى إلى انخفاض كبير بكمية المياه في النهرين، بحسب متخصصين. وتسعى تركيا إلى فرض وجهة نظرها من خلال السياسة المائية، التي تقوم على مبدأ الاستخدام والإدارة التكاملية للموارد المائية، ورفض مبدأ تقاسم الموارد المائية المتاحة.

ويرى مراقبون محليون أن ضرر تركيا على العراق أكبر من ضرر إيران وسوريا؛ فتركيا باشرت بالعمل في مشروع "غاب" الذي يضم 22 سدا و19 محطة للطاقة الكهربائية ومشروعات أخرى متنوعة في قطاعات الزراعة والصناعة والمواصلات والري والاتصالات.

و"غاب" من حيث المساحة هو أضخم مشروع في العالم، ويشمل ثماني محافظات تركية، وعند إتمامه تقارب مساحة الزراعة المروية من خلاله 8.5 ملايين هكتار أي نحو 19% من مساحة الأراضي المروية في تركيا، ومن أهم سدود هذا المشروع سد أتاتورك، الذي دشن في تموز 1992 ويقع على نهر الفرات.

وتشعر تركيا أن ما ستمتلكه من مياه سيوفر لها ثروة وطنية تعادل ما تمتلكه دول المنطقة من النفط، وهذا ما جاء على لسان رئيس تركيا الأسبق، سليمان ديميرل، في حفل افتتاح سد أتاتورك، إذ قال إن "مياه الفرات ودجلة تركية، ومصادر هذه المياه هي موارد تركية، كما أن آبار النفط تعود ملكيتها إلى العراق وسوريا، ونحن لا نقول لسوريا والعراق إننا نشاركهما مواردهما النفطية، ولا يحق لهما القول إنهما تشاركانا مواردنا المائية، إنها مسألة سيادة".

ويكرر الاستراتيجيون والمحللون السياسيون مقولة صارت تثير فزع الناس في كل مكان، تنص على أن الحروب القادمة وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط ستكون حروب مياه، فالذي يسيطر على مصادر المياه ومنابعها ويحتجزها هو الذي يفرض إرادته السياسية والاقتصادية على الإقليم ودوله أو على المنطقة بأكملها، وستصبح الصراعات الأيديولوجية في الموقع الثاني أو الثانوي.

وبحسب توقعات بعض المحللين، فإن قيام تركيا ومن دون مراعاة مصالح جيرانها بإنشاء مشروع إحياء منطقة جنوب شرق الأناضول "غاب"، سيكون أحد أهم أسباب النزاعات المستقبلية في المنطقة.