أسباب وضع الإخوان المسلمين على لوائح الإرهاب والموقف التركي

الاشراق | متابعة.

أعلنت واشنطن أواخر نوفمبر 2025 عن دراسة لتصنيف فروع من الإخوان المسلمين (بما في ذلك إخوان سوريا) منظمة إرهابية عالمية.

الجماعة هي جزء من المشهد السياسي السوري، لكنها مهددة بعقوبات قانونية ومالية أميركية. بعد سقوط النظام السوري، سعت واشنطن لرفع العقوبات عن سوريا وتطبيع العلاقات مع السلطة الجديدة. ترافق ذلك مع ضغوط دول الخليج لاستبعاد الإخوان المسلمين من المشهد السياسي السوري كشرط للاستقرار والاستثمار. وقد أطلق الرئيس الأميركي أمراً تنفيذياً لمراجعة تصنيف فروع الجماعة لضمان عدم عرقلتها للمسارات السياسية الجديدة المدعومة دولياً.

أظهرت جماعة الإخوان المسلمين تناقضات نتيجة تقاطع تداعيات حرب غزة مع التحولات الجذرية في سوريا. باركت الجماعة في سبتمبر 2025 سلطة الرئيس السوري "أحمد الشرع" وأبدت دعمها له، لكنها تواجه تناقضاً داخلياً نتيجة تحفظها على مشاريع لربط سوريا بـ"إسرائيل" ضمن خطط السلام الإقليمية، وهو ما يتعارض مع المسار البراغماتي للسلطة الجديدة المدعومة دولياً.

برز تناقض في خطاب الجماعة بين رفض التعامل مع واقع الوجود العسكري الأميركي المستمر في قواعد بمحافظة الحسكة وربط الوضع السوري بالعلاقة مع "إسرائيل". الجماعة في سوريا لديها مشكلات تنظيمية وصراع مع قوى السلفية الجهادية على القرار السوري.  

مجموعة من العوامل الاستراتيجية والأمنية تركزت بعد تحولات الحرب في غزة والتغيير السياسي في سوريا: تم استبعاد حماس من خطط "اليوم التالي" لإدارة غزة، ما أدى إلى انكماش دور الجماعة السياسي، ما أظهر فجوة بين شعارات "المقاومة" والحسابات السياسية المفروضة عليهم إقليمياً.

الإخوان المسلمون يمثلون "البنية التحتية الفكرية واللوجستية" لحركة حماس. بعد أحداث أكتوبر 2024 وحرب غزة المستمرة، زادت الضغوط لاعتبار الجماعة الأم مسؤولة عن توفير الدعم المادي والعقائدي للفروع، ونصّ مشروع قانون أميركي في يوليو 2025 على ضرورة تصنيف الجماعة عالمياً لدورها في دعم حماس.

مراكز أبحاث ومسؤولون غربيون تبنوا رؤية تعتبر فكر الإخوان "بوابة" تؤدي إلى التطرف. ويُستشهد تاريخياً بأن قادة في تنظيم القاعدة وداعش كانت لهم جذور في الجماعة، ما يجعل الغرب يرى في الجماعة خطراً طويل الأمد  مع العلم أن الديمقراطيين تعاملوا مع الإخوان منذ عقدين، لكن مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، تم تبني استراتيجية جديدة للتصنيف تعتمد على تصنيف الفروع التي يثبت تورطها في العنف مثل فروع لبنان ومصر والأردن، ثم ملاحقة الجماعة الأم بتهمة تقديم الدعم المادي لها، ما يسهل تجميد الأصول ومنع دخول القادة للولايات المتحدة.

أدى حلفاء الولايات المتحدة العرب، كمصر والسعودية والإمارات، الذين صنفوا الجماعة إرهابية، دوراً في هذا التصنيف، وذلك لتوحيد الجبهة الإقليمية ضد ما يوصف بـ"الإسلام السياسي المسلح" وتأمين استقرار سوريا والمنطقة بعد غزة. 

هل تتأثر تركيا بوضع الإخوان المسلمين على لوائح الإرهاب؟
يتأثر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشكل مباشر ومعقد بوضع جماعة الإخوان المسلمين على لوائح الإرهاب الأميركية والدولية عام 2025 على عدة مستويات استراتيجية وسياسية.

يواجه إردوغان ضغوطاً متزايدة لتقليص الدعم للمنظمات المرتبطة بالإخوان مثل "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي استضافه في إسطنبول في أغسطس 2025.

يمثل التصنيف "ضربة للاقتصاد الموازي" الذي تديره شبكات مرتبطة بالجماعة في تركيا. وبموجب القوانين الأميركية الجديدة، قد تطال العقوبات كيانات تركية أو أفراداً يقدمون دعماً مالياً أو لوجستياً لفروع الجماعة المصنفة، ما يضع إردوغان أمام خيار صعب بين حماية حلفائه الأيديولوجيين وبين حماية الاقتصاد التركي من العقوبات الثانوية.

لطالما استخدمت تركيا علاقتها بالإخوان كأداة نفوذ في سوريا وفلسطين. ومع تحول سوريا نحو نظام جديد واستبعاد حماس من ترتيبات "اليوم التالي" في غزة، فإن تصنيف الجماعة إرهابية يسحب من يد إردوغان ورقة سياسية هامة في إدارة هذه الملفات.

شهد هذا العام "انعطافة براغماتية"؛ إذ بدأت السلطات التركية بالتنسيق الاستخباراتي المكثف مع مصر والسعودية، وقامت بترحيل وتقييد أنشطة بعض قيادات الإخوان لضمان نجاح التقارب الإقليمي.

يحرص إردوغان على الحفاظ على صلاته برموز الجماعة لتعزيز صورته كحامٍ للمسلمين، وهو ما ظهر في خطابه أمام السفراء في ديسمبر 2025. إردوغان يتأثر، ليس فقط بالقيود القانونية والمالية، بل وبفقدان أدوات تأثيره الإقليمي، ما يضطره إلى انتهاج سياسة حذرة تحافظ على العلاقة الشخصية مع قادة الجماعة مع تجميد أنشطتهم الرسمية على الأراضي التركية لتجنب الصدام مع إدارة ترامب. 

هل تتهم أميركا الإخوان بالوقوف وراء "التغيير الشبابي" ضد "إسرائيل"؟
تقع حركة حماس في صلب استراتيجية التصنيف الأميركية لعام 2025، إذ يُنظر إليها كأخطر "فرع مسلح" لجماعة الإخوان المسلمين. اعتمدت حماس تاريخياً على شبكات مالية مرتبطة بجمعيات خيرية ومؤسسات تابعة للإخوان في أوروبا وأميركا.

تصنيف الجماعة الأم أو فروعها يتيح للخزانة الأميركية تجميد هذه الأصول بشكل قانوني مباشر بتهمة "دعم الإرهاب"، ما يقطع قنوات التمويل غير الرسمية التي كانت تصل إلى غزة.

يُفقد التصنيف حماس قدرتها على استخدام قادة الإخوان في الخارج كقنوات تفاوضية أو دعائية، وسيصبح التعامل مع هؤلاء القادة جريمة يعاقب عليها القانون الغربي.

تستخدم واشنطن تصنيف الإخوان كذريعة قانونية لاستبعاد أي دور مستقبلي لحماس أو المقربين منها في إدارة قطاع غزة بعد الحرب، معتبرة أن أي مشاركة لهم هي تمكين لكيان إرهابي.

هناك توجه داخل الدوائر السياسية والاستخباراتية الأميركية لربط الحراك الشبابي في الجامعات بجماعة الإخوان. يزعم مشرعون أميركيون أن منظمات طلابية وحقوقية مثل "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" هي واجهات تم إنشاؤها أو دعمها من قبل أذرع الإخوان في أميركا لنشر خطاب "معادٍ للسامية" وتشويه صورة "إسرائيل" لدى الجيل الجديد.

تبنّت أميركا فكرة أن الجماعة نجحت عبر عقود في "التسلل" إلى المؤسسات الأكاديمية وصناعة محتوى إعلامي استهدف الشباب الأميركي، ما أدى إلى التحول الجذري في الرأي العام الذي ظهر بوضوح خلال حرب غزة، على الرغم أن التغيير الشبابي ناتج من عوامل موضوعية مثل الإبادة الجماعية في غزة وظهورها عبر وسائل التواصل، إلا أن الإدارة الأميركية الحالية واللوبي الإسرائيلي يدّعون أن "التنظيم والتمويل" وراء هذه التظاهرات يعود إلى شبكات الإخوان، وهو ما تم استخدامه كمبرر قانوني لتمرير قوانين "مكافحة السامية" وتشديد الرقابة على تمويل الجامعات.

الهدف الأساسي هو إجهاض الحراك المناهض لـ "إسرائيل" في الداخل الأميركي عبر تجريم الجهات التي تُتهم بتوجيهه.

هدى رزق - باحثة في الشأن التركي والإقليمي
إن الآراء المذكورة في هذا التقرير لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً