"إسرائيل" والصومال .. هل التطبيع ممكن؟
الاشراق | متابعة.
ادّعت نائبة وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي شارين هاسكل في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2025 بوجود قنوات تواصل خاصة بين "إسرائيل" والصومال، وذلك خلال مقابلة أجرتها مع قناة i24NEWS الإسرائيلية.
وقالت هاسكل في المقابلة إن "تل أبيب" تحتفظ بـ"علاقات تواصل محددة" مع الحكومة الصومالية، مشيرة إلى أن الصومال يواجه وفق تعبيرها وضعاً أمنياً معقداً يستدعي المتابعة والدعم من الجهات الدولية الصديقة.
لم يتأخر رد الصومال على الادعاء الإسرائيلي، وقطع الصومال الطريق على بالون الاختبار الإسرائيلي؛ إذ نفت الحكومة الصومالية وجود أيّ علاقات أو اتصالات دبلوماسية مع "إسرائيل"، وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية الصومالي علي محمد عمر: "لا صحة لتصريحات نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي التي تشير إلى وجود صلات بين إسرائيل والصومال"، مضيفاً: "لا توجد أيّ علاقة بين الصومال و"إسرائيل"، وموقف الصومال من السياسات الإسرائيلية لم يتغيّر"، وأكد أنّ بلاده لا تربطها أيّ علاقات دبلوماسية أو سياسية بـ"إسرائيل".
والسؤال هنا ما بين الادعاء الإسرائيلي والنفي الصومالي: هل يمكن أن تكون هناك علاقات معلنة بين "إسرائيل" والصومال؟ وما المحددات والمعوقات؟ ولماذا تدعي "إسرائيل" وجود علاقات بينها وبين الصومال؟ وهل هذا الادعاء الإسرائيلي مجرد زلة دبلوماسية أم يعكس محاولة إسرائيلية مدروسة لاختراق العمق الأفريقي، وفتح نافذة في واحد من أكثر البلدان حساسية تجاه القضية الفلسطينية؟
الملاحظ هو تكرار الادعاء الإسرائيلي عن وجود علاقات مع الصومال رغم نفي الأخيرة، وبالتالي ادعاء هاسكال ليس الأول من نوعه؛ ففي 11 تموز/ يوليو 2022، زعمت تقارير إعلامية إسرائيلية أن المتحدث باسم الرئيس الصومالي صرح بأن الحكومة تستعد لاستشارة البرلمان حول إمكانية إقامة علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل".
مباشرة، نفت مصادر رئيسية في الحكومة الفيدرالية الصومالية لوسائل إعلام محلية ما تردد في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن أن الحكومة تدرس إقامة علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل".
وكانت تقارير اعلامية صومالية قد زعمت في حزيران/ يونيو 2022 أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أجرى اتصالات مع مسؤولين إسرائيليين. وبحسب التقرير، التقى محمود سراً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في "إسرائيل" عام 2016.
وذهبت تقارير صحافية أخرى إلى أنه سبق أن عُقد اجتماع على مستوى تمثيلي منخفض في القدس المحتلة في كانون الأول/ ديسمبر 2015 ضم ممثلين عن وزارة الاقتصاد الإسرائيلية ومسؤولين من الصومال، وادعت تقارير أخرى أنه في أيار/ مايو 2022 نظمت السفارة الإسرائيلية في فرنسا مؤتمراً، ودعت الصحافيين والدبلوماسيين ورجال الأعمال والفنانين الفرنسيين والأفارقة إلى دراسة مستقبل التعاون الإسرائيلي مع الدول والشركات الأفريقية، ومثّل الصومال في المؤتمر وزير دفاعها.
بغض النظر عن مصداقية الادعاءات الإسرائيلية بوجود علاقات ما مع الصومال؛ فإن الحقائق على الأرض والنفي الرسمي الصومالي يؤكدان أنه لا يوجد علاقات رسمية معلنة بين "إسرائيل" والصومال حتى اللحظة. أما فيما يتعلق بالمحددات والأهداف خلف الادعاءات الإسرائيلية بوجود علاقات مع الصومال، فمرد ذلك وأسبابه إلى أن الادعاءات الإسرائيلية تحمل رسائل إقليمية مبطّنة.
ذلك أنه في ظل التوتر مع اليمن والوجود الإيراني في البحر الأحمر، تحاول "إسرائيل" رسم صورة عن تحالفات محتملة في منطقة القرن الأفريقي، والصومال عنصر مهم في هذه الخارطة. ومن بين المحددات أيضاً الضغط على الحكومة الصومالية من خلال بالون اختبار يدّعي وجود علاقات لقياس ومعرفة رد الفعل الصومالية الرسمية.
وبالتالي، تسريب الادعاء قد يكون أداة ضغط على صانعي القرار في مقديشو لدفعهم باتجاه تطبيع أو فتح قنوات خلفية. ومن بين هذا وذاك، تحاول "إسرائيل" القيام بعملية اختبار وجس نبض لرد فعل الشارع الصومالي حول إمكانية التطبيع، ولا سيما أن "إسرائيل" تدرك أن هناك تحولات في بعض الأنظمة الأفريقية، وهي تستخدم هذا النوع من التصريحات والادعاءات كجس نبض للبيئة السياسية والشعبية.
ما بين نفي الصومال وتأكيد "اسرائيل"، النتيجة أنه لا توجد علاقات دبلوماسية معلنة أو معتمدة بين البلدين، ولكن مع تزايد التقارير التي تتحدث عن لقاءات غير رسمية بين شخصيات صومالية ومسؤولين إسرائيلية في دول ثالثة؛ فإن محاولات الاختراق الإسرائيلي مستمرة، والنفي أو الرفض الصومالي لم يوقف المحاولات الإسرائيلية.
ادعاء الخارجية الإسرائيلية وجود علاقات مع الصومال هو محاولة سياسية لتوسيع رقعة النفوذ في شرق أفريقيا، لكنه لا يعكس واقعًا دبلوماسيًا قائمًا. وقد يتحول الادعاء الإسرائيلي إلى خطوة باتجاه التقارب، ولكن حدوث ذلك متربط بجملة عوامل داخلية وخارجية، إذا توافرت، قد يحدث انقلاب في العلاقة.
من بين هذه العوامل النفوذ الخليجي، فبعض الدول الخليجية التي لها علاقات رسمية مع "إسرائيل"، والتي تدعم الصومال اقتصاديًا، قد تمارس ضغوطًا ناعمة وتُملي اشتراطات على الصومال من أجل التقارب مع "إسرائيل". وإذا ذهب الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى استكمال اتفاقات التطبيع والتحقت بها دول خليجية وعربية جديدة، كالسعودية، قد يشجع ذلك الصومال ويدفعه إلى ركوب قطار التطبيع، ولا سيما في ظل المعادلة الجيوسياسية الحاصلة في البحر الأحمر.
ما يعني أن الصومال لن يكون بمعزل عن الضغوطات والاغراءات الخليجية والأميركية والإسرائيلية، وبالتالي قد يحدث تحول في الموقف الصومالي نتيجة مجموع المتغيرات الحاصلة وتوظف الاحتياجات الأمنية والاقتصادية للصومال في مرحلة إعادة الإعمار، ما قد يفتح الباب أمام بعض النخب لمناقشة التقارب تحت شعار "البراغماتية السياسية"، ولكن حدوث ذلك مستبعد أيضاً، لأن الصومال لن يذهب منفرداً للتطبيع مع "إسرائيل"، وسيستحضر خلال البراغماتية السياسية رد فعل الدول العربية والإسلامية على تلك الخطوة وتداعياتها.
طريق التقارب الممكن أو المتوقع بين "إسرائيل" والصومال لا تتحكم فيه الرغبات والمتغيرات، ولا يقتصر القرار فيه على لحظة البراغماتية السياسية، فالطريق باتجاه "إسرائيل" محفوف بتحديات كبيرة، أهمها الرفض الشعبي والديني الواضح في الصومال لأي تطبيع، لا سيما في ظل الظروف الإقليمية الحالية، وفي ظل العدوان والتغول الإسرائيلي الحاصل في فلسطين المحتلة، إضافة إلى التكلفة السياسية والمخاطرة العالية لأي خطوة تقارب نحو "إسرائيل"، وخصوصاً في ظل الأوضاع السياسية الحاصلة في المنطقة، وتحديداً ما يتعلق بالقضية الفلسطينية واستمرار العدوان على غزة. وبالتالي، فإن التقارب، إن حدث، يعني خيانة لفلسطين وشعبها وللأمة.
وعلى الرغم من أن التحولات الجيوسياسية قد تفتح بابًا للتقارب، إلا أن العقبات الشعبية والدينية والسياسية تجعل أي علاقة رسمية قريبة بين "إسرائيل" والصومال مستبعدة في المدى المنظور، لأن الصومال، بحساسيته التاريخية تجاه فلسطين، يدرك أن أي خطوة نحو "إسرائيل" ليست فقط تطبيعًا، بل هي انقلاب على ثوابت لا تزال تحظى بإجماع وطني.
ختاماً، في محددات العلاقة بين "إسرائيل" والصومال وسيناريوهات التقارب الممكن والمستبعدة، توجد مفارقة التلويح بالعصا والجزرة، ذلك أنه بالتزامن مع الادعاءات الاسرائيلية بوجود علاقات، كان هناك تهديد إسرائيلي مباشر ومعلن للصومال يشبه الوصاية والتدخل في شؤون الصومال، وهذا متغير مهم يُحدد إن كان التقارب ممكناً أم لا، وحدوده ومحدداته، بل إنه يُرجح استبعاد التقارب، لا لأسباب داخلية فحسب، ولكن لأسباب إقليمية أيضاً.
هذا المتغير يتمثل في التحذير الإسرائيلي الذي وجهه شاي غال، كبير مستشاري الحكومة الإسرائيلية، إلى الصومال بسبب علاقاته بتركيا في 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025. وقبل ادعاء الخارجية الإسرائيلية بوجود علاقات مع الصومال، كان المستشار الإسرائيل يحذر الصومال من تبعات علاقته بتركيا، مدعياً أن الصومال أصبح مركزاً ذا نفوذ كبير لتركيا، حيث تختبر تركيا صاروخها "تايفون" الذي هددت به اليونان و"إسرائيل".
ثابت العمور - باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية - فلسطين
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً